جريدة الجرائد

بريطانيا ومسلموها: حين تختطف الحلاقيم جوهر القضية!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



عادل درويش


كلمة وزير الداخلية البريطاني، جون ريد، اثناء زيارته ظهر الاربعاء الماضي لمسجد في ليتون شرق لندن، لا تعكس فقط قلق الحكومة على مستقبل الجيل الأصغر من مسلمي بريطانيا بقدر ما تعكس قلقنا جميعا كمواطنين بريطانيين، من مختلف الأعراق والأديان، من الفجوة المتنامية بين الشباب والمراهقين، وبين المجتمع بمؤسساته.

وانحراف الشباب نحو الفساد، بكافة اشكاله، ليس حكرا على طائفة وحدها وإنما ظاهرة عالمية، لكن المراهقين المسلمين يتعرضون لانحراف أخطر، وهو اغواء دعاة الشر لهم وغسل ادمغتهم.

وقبل ان تقفز مسألة انحراف بعض شباب مسلمي بريطانيا، الى الصفحات الأولى بعد هجمات 7/7 الإرهابية في العام الماضي، والتي ارتكبها اربعة من مسلمي بريطانيا، بعامين، دعا رئيس الوزراء توني بلير الى حملة لمواجهة انحرافات الشباب، لتجنب انحدار المجتمع نحو الجريمة ومعظم مرتكبيها من الشباب (سن 16- 30).

ورغم انني لست من المعجبين بحكومة بلير، شكلا ومضمونا، إلا انني، كغيري من الناخبين نتبع منطقا عمليا نتحرك جميعا في اطاره كموطنين بريطانيين ندفع ضرائبنا وندين بالولاء للوطن الذي نحمل جنسيته؛ وهو اجماع على المصلحة القومية وخير المجتمع؛ بصرف النظر عن لون السياسي صاحب المبادرة موضع النقاش، وبصرف النظر عن دوافعه، وهي غالبا أنانية تستهدف أصوات الناخبين، لذا يتم تقييم دعوته حسب مضمونها في اطار المصلحة العامة.

فدعوة وزير الداخلية يوم الاربعاء الى الآباء والأمهات بمراقبة تصرفات اطفالهم، خاصة في سن اندفاع الطاقة في عروقهم بمزيج من الحماس العاطفي، وهرمون التيسترون، كانت موجهة الى المسلمين في مسجد في منطقة تزدحم بالمهاجرين، أغلبهم من شبه القارة الهندية. لكن العقلاء يرونها في اطار دعوة بلير السابقة لتحسين اخلاق المجتمع، وضرورة تعاون الاسرة والمدرسة، والنادي الاجتماعي والرياضي والبوليس لحماية الشباب من الانحراف او الوقوع في مخالب ذئاب الشر.

وللأسف، انبرت أقلية عالية الصوت من "زعماء" المسلمين صناعة ذاتية DIY، اي غير المنتخبين، الى مخاطبة الإعلام والنشر في مطبوعات تدعي التحدث باسم المسلمين ـ ويعلم الله من اين يأتي تمويلها ـ يهاجمون ريد، ويقذفونه بطوب السياسة الخارجية، بدلا من التعامل مع دعوته في سياقها الطبيعي كمبادرة من المسؤول الاول في حكومة ديمقراطية منتخبة، عن توظيف ضرائبنا في حمايتنا جميعا من الشر، بتعامله مع ظاهرة انحراف الشباب التي تقلقنا جميعا في بريطانيا وعالميا.

فردود فعل كثير من المسلمين اليوم على محاضرة اكاديمية او تعبير فني او مسرحية او مقالة او خطاب سياسي لمجرد شائعة انه يمس المسلمين ـ دون الاطلاع على المضمون ـ أصبحت ظاهرة انثروبولوجية تستحق الدراسة: الانفعال العاطفي بتعبير غوغائي، وأحيانا عنف قبيح الشكل.

وجاء رد فعل بعضهم على محاضرة الوزير ريد كتأكيد للظاهرة، رغم ان مكتب الوزير كان ولا يزال يرحب بالمراسلات ويريد ان يكون رد الفعل في شكل مناقشات ومناظرات.

تعرض الوزير للمقاطعة والصياح، بوقاحة، من متسربل بجلباب، لا ينتمي لمعطيات هذا القرن، دعك من كونه لم يراع حرمة المسجد ولم يحترم حق الآخرين في سماع المحاضرة. واستمر "ابو جلابية" في الهتاف وسب الوزير ريد، وتهديده متوعدا انه "سيدفع الثمن.. كعدو للمسلمين"، معترضا على حضور وزير داخلية البلاد الى مسجد في عاصمة البلاد ليقابل مواطنين تمول ضرائبهم ميزانية وزارته، بحجة انها "منطقة مسلمين"!

الصائح "الشوشرجي" الذي سمى نفسه "ابو عز الدين"، وهو اسم حركي لتريفر بروكس، ابن اسرة جامايكية تحول الى عمر بروكس بعد اعتناقه الإسلام، ثم تبعه في الشوشرة صاحب جلباب آخر هو انجم شذري، حيث انكر الاثنان على البريطانيين المسلمين حقهم في وطنهم، وكأن مسجدهم أرض "اجنبية" غير وطنهم بريطانيا. وينتمي الزاعقان الى جماعة "الغرباء"، وهي يافطة علقاها على ثلة مشاغبين؛ اسمهم "المهاجرون"، حكم القضاء بمنع نشاطهم لمخالفتهم قانون الأمن بتوريطهم الشبابَ في اعمال العنف وتبريرهم القتل والإرهاب باسم الدين.

فالوزير ريد عبر عن مطالبنا جميعا بدعوة اولياء الأمور الى عدم تجاهل ابنائهم وملاحظة اي تغير في السلوك والمظهر والهوايات وظهور اصدقاء جدد من رفاق السوء، والتيقظ لأعراض الانحراف نحو الراديكالية، والاطلاع على نشاطهم على الانترنت. فمثل تغرير مجرمين بفتيات قصر في "غرف الدردشة" الالكترونية واستدراجهن الى ما لا تحمد عقباه، فإن أشرار التطرف يغررون بالمراهقين المسلمين عبر الإنترنت ويزينون بخبث لهم رومانسية صورهم "كـ"شهداء" يفوزون بالحور العين مقابل انتحار.

ولم يطالب ريد الأب بتبليغ البوليس عن تغيرات يلاحظونها في سلوك الولد، وإنما مواجهته بالنصيحة وتنبيهه الى خطورة طريق الضلال وربما الاستعانة بالأخصائيين الاجتماعيين والمعلمين في المدرسة، وغيرهم من الرجال المحترمين ليكونوا قدوة حسنة للولد.

ولأن تعليقات بعض زعماء الـ DIY اصابتني بالغثيان او الصداع، وأحيانا الاثنين معا، كلفت مساعدين باحثين باستطلاع رأي أكثر من مائة من اولياء الأمور البريطانيين المسلمين.

والنتيجة شبه اجماع بين أولياء الأمور على القلق على الأبناء من الانحراف الراديكالي بالسير وراء يافطات كـ"الغرباء" و"المهاجرون". ولم ير الآباء فارقا بين الانحراف الرديكالي وراء دعاة الشر، وبين انحراف بإدمان القمار او المخدرات، او الانضمام لعصابات سرقة السيارات.

واعتبر معظمهم ان الانحراف الراديكالي وراء الاسلامويين وممارسة العنف باسم الدين، أكثر ضررا من إدمان المخدرات. وقالت احدى الأمهات إن مدمني المخدرات يمكن علاجهم طبيا بنجاح ضمن برنامج توفره وزارة الصحة مجانا، بينما لا يوجد علاج لاستعادة الولد الذي يضيع في تيار الراديكالية بعد غسل ائمة الشر مخه، وربما يُفقد للأبد. فأم اصغر الانتحاريين في يوليو (تموز) الماضي وكان في السابعة عشرة فقط، تلوم نفسها لأنها لم تراقب تصرفاته وتلاحظ تحول سلوكه قبل ان يقتل نفسه و13 غيره بعد ان غرر به دعاة الضلال. المحزن في الأمر ان الأقلية عالية الصوت ممن يسمون انفسهم زعماء مسلمي بريطانيا، تجاهلوا ـ عمدا او غفلة ـ جوهر الخطاب، ورددوا مغالطة تبرير الارهاب بسياسة بريطانيا الخارجية.

فهل كان لإرهاب الإخوان المسلمين بتفجير دور السينما وحرق الكتب واغتيال القضاة في مصر قبل سبعين عاما، علاقة بالسياسة الخارجية لبريطانيا التي تعاونوا مع مخابراتها آنذاك للعمل ضد الشيوعية والتيارات الوطنية؟

وجرائم "القاعدة" والعصابات الشبيهة بها، ضد المدنيين في السعودية والمغرب واليمن والبحرين وتركيا لا علاقة لها بالسياسة الخارجية لبريطانيا؛ فهذه التنظيمات تعتمد الارهاب كقاعدة تأسيسية لآيديولوجيتها ولوجودها نفسه.

ولو بذل زعماء الصناعة الذاتية DIY المسلمين نصف الجهود التي يبذلونها في الترويج لأكذوبة مسؤولية السياسة الخارجية البريطانية عن الإرهاب، في توجيه العمل الاجتماعي مع المراهقين المسلمين والتبرع بجزء من تمويلهم الضخم ـ من الداخل والخارج ـ في انشاء مراكز ثقافية ونشاط اجتماعي وتوعية الشباب وتذكيرهم بمكارم الأخلاق، لكان هذا الفعل عملا اخلاقيا وإسلاميا نبيلا يصلح احوال الشباب ويوجههم الى طريق الخير، ويتجنب إزهاق أرواح الأبرياء، مسلمين وغير مسلمين في المستقبل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف