أميركا وقنبلة الفيدرالية الموقوتة في العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين: 2006.09.25
روبرت بيرسون
يجادل خبراء بارزون في الشأن العراقي أنه ربما كان من الأفضل تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء تتوزع على الشيعة والسُّنة والأكراد، بدل الإصرار على بناء عراق موحد صعب المنال. وهم يبنون رأيهم هذا على أن التقسيم هو الحل الوحيد لمنع الاقتتال الطائفي بين السُّنة والشيعة والفصل بينهم في ظل عجزهم عن العيش المشترك تحت سقف بلد واحد. وفيما يتعلق بالأكراد فإنهم برهنوا على قدرة كبيرة في إدارة شؤونهم على نحو مستقل وذلك منذ 1990. ويتساءل هؤلاء الخبراء عن جدوى الحفاظ على وحدة العراق بينما فشلت جميع المبادرات في استتباب الأمن وفرض الاستقرار الذي ظل مجرد سراب. لكن التقسيم ليس خطة للعراق بقدر ما هو تأجيج للعنف وتكريس لعدم الاستقرار في منطقة مضطربة.
وعلى الجانب الآخر يرى مراقبون للوضع العراقي يتميزون بقدر من الحكمة والحصافة من أمثال السيناتور "جوزيف بايدن" و"ليزلي جيلب"، الرئيس السابق لـ"مجلس العلاقات الخارجية" أنه من الأفضل الحديث عن عراق فيدرالي تتمتع فيه المناطق الثلاث الرئيسية بسلطات واسعة مع وجود اتفاق حول تقسيم عائدات النفط. وفي حال نشوء عراق فيدرالي ولجم جماح الأطراف المتشددة التي تنادي بالانفصال التام سيشهد العراق استقراراً غير مسبوق وسيعم الأمن ربوع البلاد. غير أن الاحتمال الأرجح مع الأسف هو ظهور فيدرالية هشة وغير متماسكة يعصف بها العنف المستشري بين الطوائف المختلفة، مع سعي طرف، أو طرفين إلى الانفصال الكلي. وبهذا المعنى قد تتحول الكونفيدرالية إلى قنبلة موقوتة تنفجر في وجه الولايات المتحدة والدول المحيطة بالعراق. وبالطبع سيؤدي تقسيم العراق إلى إطلاق يد طهران في أوساط شيعة العراق واستغلال التنافس المحتدم بين المرجع الأعلى الشيعي آية الله علي السيستاني ورجل الدين مقتدى الصدر للدفع بأجندتها. أضف إلى ذلك أن إيران لن تقف عند حدود المحافظات الجنوبية والشرقية المتاخمة لأراضيها، بل ستحاول التمدد إلى المناطق السُّنية في الوسط والغرب والمناطق الكردية في الشمال. وإذا ما سيطرت إيران على العراق ستظهر انشغالات أخرى مثل وضع الطاقة في الساحة الدولية، وموقف الدول السُّنية المجاورة للعراق.
هذا ولن تسمح الدول المجاورة التي تضم أعداداً مهمة من الأكراد بقيام دولة كردية في محيطها تزعزع استقرارها وتستقطب جزءاً من مواطنيها. ومن بين جميع دول الجوار تعتبر تركيا الأكثر قلقاً بشأن استقلال الأكراد، حيث ستشكل موافقة الولايات المتحدة على قيام دولة كردية تأكيداً للمخاوف التركية حيال المخططات الأميركية في العراق. وتتضاعف مخاوف تركيا في ظل تركيبتها السكانية التي تضم أكبر عدد من الأكراد يفوق بأربع إلى خمس مرات الأكراد في شمال العراق. وتخشى تركيا على وجه التحديد تصاعد مطالب الأكراد الانفصالية داخلها إذا ما قامت دولة كردية على حدودها الجنوبية. فلم تنهِ تركيا حربها الطويلة ضد التمرد الكردي إلا في 1999، وهي الحرب التي أوقعت أكثر من 30 ألف قتيل. ومنذ الحرب على العراق، وتركيا تراقب بتوجس التطورات في الجنوب وظهور بوادر تمرد جديد في محافظاتها الجنوبية. وقد أدى امتناع تركيا عن السماح للقوات الأميركية باستخدام أراضيها لدخول العراق إلى إقصائها من أي دور في العراق بعد الاحتلال.
ورغم إشادة العديد من الأميركيين بالأكراد بالنظر إلى الدور الحاسم الذي لعبوه في الإطاحة بالنظام السابق، فإن علينا التفكير ملياً قبل منح ضمانات أمنية لدولة كردية مستقلة. فمنطقة كردستان العراق لا تملك أي منفذ على البحر وهي تعتمد بشكل كلي على جيرانها لاستيراد وتصدير البضائع، بما في ذلك النفط الذي تسعى إلى السيطرة عليه في مدينة كركوك. فهل الولايات المتحدة مستعدة للاحتفاظ بقواعد عسكرية دائمة في كردستان لضمان حمايتها على حساب أمن قواتها في منطقة غير استراتيجية؟ وفي الأخير على الأكراد أن يتساءلوا إذا ما كانوا فعلاً يرغبون في إقامة دولة مستقلة وسط بحر من الدول الرافضة لقيامها، ووسط الانقسامات داخل الصف الكردي نفسه الذي لم تنجح مظاهر الوحدة الحالية في إخفاء وجودها.
روبرت بيرسون
سفير الولايات المتحدة لدى تركيا في الفترة بين 2000 و2003