إخفاقات عقيدة رامسفيلد العسكرية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كارل روبيشود - كريستيان ساينس مونيتور
تقف موجة هذا الشهر الكارثية من الهجمات الانتحارية في افغانستان (بما فيها ثلاث هجمات يوم شنت الاثنين الماضي ورفعت اجمالي العدد في عام 2005 الى تسع وستين) لتذكر على نحو قاتم بأن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد الذي يتعرض للنقد بسبب دوره في العراق، لا يزال هو المهندس، ليس لحرب خاسرة واحدة فحسب، وإنما لحربين خاسرتين، وانه صاحب رؤية خطرة لكيفية استخدام القوة الاميركية.
لقد كان شهر آب / اغسطس من عام 2002 لحظة "انجاز المهمة" في افغانستان. وقد اعلن السيد رامسفيلد في حينه ان الجهد العسكري هناك كان "انجازا يبعث على تنفس الصعداء" و"نموذجا ناجحا لما يمكن ان يحدث في العراق".
كان التصور أن أميركا قد اجتثت جذور طالبان وقطعت اوصال القاعدة ووضعت افغانستان على مسار الاستقرار والديمقراطية. وقد فعلت ذلك، على طريقة رامسفيلد، بتكلفة قليلة وبأدنى الخسائر في الارواح.
لكن تلك المهمة، في الحقيقة والواقع، لم تنجز ابدا. إذ لم تسفر الجهود الأميركية بعد خمس سنوات من هجمات الحادي عشر من ايلول / سبتمبر عن حلول في افغانستان وفي العراق. فقد ظلت حكومة البلد ضعيفة يستشري فيها الفساد، وهي تواجه عوائق مثبطة للهمم وسط مؤشرات مخيبة للآمال فيما يتعلق بالتنمية، ووجود صناعة افيون متخندقة وتمرد متجدد.
فكيف تسير الامور بمثل هذه الاخطاء وبوتيرة سريعة كهذه؟ لقد ارتكب رامسفيلد وفريقه بكل تأكيد اخطاء تكتيكية، ولعل من الصعوبة بمكان تجنب ملاحظة الاخطاء وصولا الى المشكلة الأكثر منهجية، وهي الفكرة الساذجة السائدة بشكل خطر في واشنطن عن مدى القوة الاميركية.
ان عقيدة رامسفيلد في المفاهيم العسكرية تشدد على الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة والقوة الجوية وتستخف بالقوات البرية الضخمة. وكان من النتائج الطبيعية لها ان اميركا تؤدي افضل ما يكون عندما تكون غير مقيدة بمؤسسات دولية، وان بناء الدولة هو تشتيت للانتباه وان باستطاعة القوة ان تحقق اهدافا سياسية مع انعكاسات قليلة على المدى البعيد.
لقد كانت افغانستان هي مختبر هذه الفكرة الجديدة للحرب والقوة القومية. وقد اراد بنتاغون رامسفيلد ان يظهر ان مجموعات صغيرة من القوات البرية، مدعومة بقوة جوية كاسحة، يمكن ان تكسب الحروب، وهي نظرياً طريقة مفيدة لانها تحد من حجم الاصابات والتكاليف في أوساط الأميركيين.
لكن اخفاقات هذه العقيدة في العراق موثقة تماما. غير ان أوجه قصورها في افغانستان قد اجتذبت اهتماما اقل لان الحل حدث بوتيرة بطيئة ومع اهتمام اعلامي ضئيل.
لقد تم اجتثات جذور طالبان على يد فرق صغيرة من القوات الخاصة التي نفذت ضربات جوية ووجهت حلفاءها الافغان على الارض. لكن احراز النصر لم يتم على الاطلاق. وقد افسح وكلاء اميركا الافغان المجال للقاعدة ولاسامة بن لادن للتسلل واعادة التخطيط للعمليات في باكستان. وقد تم طرد طالبان، لكن لم يجر تفكيكها ابدا ولم يتم تحييدها سياسيا على الاطلاق، كما أن إعادة تشكيل قواتها، قد جعلت من هذه السنة الأكثر سفكا للدماء.
من الطبيعي اننا لن نعرف ابدا ماذا كان سيحدث لو ان الحرب في افغانستان اديرت بشكل مختلف تماما: لو ان اميركا كانت قد تبنت نص المادة الخامسة من بيان الناتو (القائلة بأن شن هجوم ضد طرف واحد يعتبر هجوما ضد الجميع) على نحو جدي وقادت قوة أصيلة متعددة الجنسيات، او لو ان الائتلاف توسع ونشر 200.000 جندي بدلا من 20.000 جندي وارسى دعائم الاستقرار في البلد كله بدلا من العاصمة كابول فقط، ولو أن قوات حفظ سلام من دول اسلامية قد شاركت في العمليات، ولو ان قوات برية قد نشرت لقطع الطريق على بن لادن والحيلولة دون هربه، ولو ان مجموعة القوات الخاصة الخامسة قد سمح لها بالاستمرار في تعقب بن لادن بدلا من اعادة انتشارها استعدادا للحرب في العراق.
لو وطدت دعائم الامن لكانت الحكومة الافغانية الجديدة قد بدأت بداية قوية في البناء على شعبيتها المبكرة لتعزيز سلطتها ونزع سلاح امراء الحرب ومستغليها. وكان من شأن مشروعات التنمية ان تكسب قلوب وعقول الافغان بدلا من ان يتم اختزالها بسبب الظروف غير الآمنة.
كان من الممكن ان يتم تقسم طالبان ذات الخط المتشدد ودمج داعميها الاكثر اعتدالا في العملية السياسية. وكان من الممكن مواجهة امراء المخدرات الذين ينتعشون في ظل تسيب القانون، سوية مع توفير سبل عيش كريم للمزارعين.
لكننا لن نعرف ذلك على الاطلاق، لان رامسفيلد والادارة قد اتخذا منحى مختلفا. فقد همشت واشنطن المؤسسات الدولية، واصرت منذ امد بعيد على أن يقتصر عمل قوات حفظ السلام المؤقتة على كابول, وتوصلت الى عقود باطنية امنية بخصوص المجاهدين في المقاطعات. وخاضت قتالا كان يمكن احتماله ضد طالبان، جمع بين الضربات الجوية وبين اعتقال مدنيين، ولم يكن اي من عملياتها دقيقا بشكل كاف، كما انها اثارت حفيظة الناس وتسببت باستياء عميق.
وإلى ذلك، عملت على تجاوز الامم المتحدة في توزيع مسؤولية بناء الدولة الافغانية على حفنة من البلدان الغربية - وهو جهد فوضوي ومتعب اصبح اكثر صعوبة في ظل غياب اي تنسيق سلطوي.
وكانت النتيجة عدم إيجاد حل دائم في افغانستان كما في العراق. ويبدو يقينا ان هاتين الحربين هما حربا الرئيس، لكنهما خيضتا بموجب استراتيجية رامسفيلد وعقيدته. وقد تم اسناد كل منهما الى افكار غير واقعية لما يمكن تحقيقه بواسطة القوة، في حين ان كلا منهما قد استبعدت اهمية الشرعية الدولية. ان افغانستان لم يتم خسرانها بعد، لكن ما كان يحتاج مرة الى بضعة دراهم وقاية بات يتطلب الان أكثر من قنطار علاج.