من يقترف الإبادة الجماعية في العراق؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس: 2006.09.28
محمد عارف
قالت الزوجة لزوجها: سمّعني كلمات تجعلني أشعر بالأمان. قال الزوج: الحرس الوطني. هذه النكتة تلخص مشاعر العراقيين تجاه "الحرس الوطني" الذي أسسته سلطات الاحتلال كبديل لقوات حفظ الأمن العراقية المنحلة. تقرير وزارة الدفاع الأميركية إلى الكونغرس عن أوضاع العراق الأمنية، كشف أن قادة ما لا يقل عن ست كتائب في وزارة الداخلية، والتي تضم 27 كتيبة، يقودون نشاطات إجرامية أو طائفية أو الأمرين معاً. وظهر من فحص بصمات أصابع أفراد 12 كتيبة وجود 1228 محكوم سابق بجرائم القتل، والاغتصاب وغيرها من جرائم العنف، بينهم محكومون بجرائم تهريب المخدرات خلال العهد السابق، وبعضهم كان محكوماً بالإعدام. وأكدّ تقرير "البنتاغون" على أن جذور "الفساد والنشاطات الإجرامية والتحزب الطائفي، تمتد عميقاً في وزارة الداخلية العراقية، المخترقة بمليشيات شيعية، يخضع بعضها للنفوذ الإيراني".
ولم تتم لحد الآن محاكمة، أو إقصاء المسؤولين في وزارة الداخلية عن جرائم التعذيب في السجون السرية للقوات الخاصة التي تسيطر عليها المليشيات الطائفية، بل لا يُعرف عدد سجون القوات الخاصة، والتي يبلغ عدد أفرادها 24 ألفاً. وهو ما يعادل عدد أفراد حرس الحدود في وزارة الداخلية، التي ازداد عدد منتسبيها من 146 ألفاً إلى 167 ألفاً منذ تولي نوري المالكي منصب رئاسة الوزراء. وكانت فرق التفتيش المشتركة، الأميركية العراقية، قد عثرت في 30 مايو الماضي على 1400 معتقل محشورين في زنزانات سجن "لواء الذيب" المتهم بارتكاب جرائم طائفية بشعة. وذكر المفتشون أن آثار التعذيب الواضحة على وجوه وأجساد كثير من المعتقلين، وبينهم 37 طفلاً وصبياً جعلتهم يشعرون، كأنهم داخل غرف التعذيب في أفلام الرعب.
وتحمِّل الأوساط الدولية المالكي ووزير داخليته جواد بولاني مسؤولية التدهور المريع في الوضع الأمني. وجاء في التقرير الدوري لمنظمة "الأمم المتحدة" عن العراق، أن أجساد الضحايا التي تنقل بالعشرات يومياً إلى "معهد الطب العدلي" في بغداد، "تحمل آثار تعذيب شديد، بما في ذلك حروق بحمض الأسيد الكاوي، ومواد كيماوية أخرى، وجلود مسلوخة، ورؤوس وأيدٍ وأرجل محطمة العظام، وعيون مفقأة، وأسنان مخلوعة، وجروح تحدثها المثاقب الآلية، أو المسامير". وذكر التقرير الذي تصدره المنظمة الدولية كل شهرين، أن عدد قتلى المدنيين خلال الشهرين الأخيرين، بلغ سبعة آلاف قتيل. وسجَّلَ شهر يوليو الماضي رقماً قياسياً، حيث بلغ عدد القتلى 3590 أي بمعدل أكثر من 100 قتيل يومياً.
ويلقي المحقق الخاص للأمم المتحدة "مانفريد نوفاك" تبعة جرائم إبادة وتعذيب العراقيين على أطراف عدة، ليس بينها الجهات المسؤولة عن جريمة غزو واحتلال العراق. ففي مؤتمره الصحفي في مكتب الأمم المتحدة بجنيف ذكر نوفاك "الجماعات الإرهابية، والجيش، والبوليس، والمليشيات"، وقال إن الوضع الحالي "أسوأ حتى مما كان في عهد صدّام"، لكنه لم يذكر كلمة واحدة عن مسؤولية لندن وواشنطن بحكم الواقع والقانون الدولي. فمن الذي عهد بقيادة الدولة والأمن والجيش إلى مغتربين عراقيين يفتقرون إلى معايير الكفاءة والخبرة والتجربة، بل مجردين حتى من مشاعر الحب والانتماء لسكان البلد؟
فالسفير زلماي خليلزاد، وقائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جون كيسي، هما اللذان صادقا على إسناد منصب وزير الداخلية لجواد بولاني. ذكر ذلك مسؤول عسكري أميركي كبير لمراسل صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" في بغداد. وأوضح المسؤول العسكري أن سبب اختيار بولاني يعود إلى أنه "لا يملك علاقات قوية مع الأحزاب والكتل الطائفية التي تقتسم السلطة في العراق". ومن لا يملك علاقات قوية مع الأحزاب والكتل الطائفية، فإنه لا يستطيع، حسب قوله، أن يؤمن مواقعه داخل الوزارة التي تسيطر عليها الأحزاب والكتل الطائفية. وذكر مسؤول عراقي في وزارة الداخلية للصحيفة الأميركية أن شؤون الأمن في العراق تديرها "خلية سرية" مقرها في الطابق السابع من بناية الوزارة. والوزير بولاني، حسب اعتراف المسؤول، "دمية" بيد "قوات بدر" التي تسيطر عليها إيران. ولا يستطيع الوزير حتى منع استخدام سيارات البوليس في حملات المليشيات الليلية، أو وقف تخصيص أسطول سيارات "لاند كروز تويوتا" في الوزارة لقائد قوات "جيش المهدي".
وصرح لصحيفة "نيويورك تايمز" دبلوماسي غربي قريب الصلة بوزارة الداخلية في بغداد أن "على بولاني التصرف بحذر للحفاظ على حياته فحسب". فالسلطة الفعلية في وزارة الداخلية بيد جواد الأسدي، وكيل الوزارة للشؤون الإدارية، والذي يحمي مواقع عناصر المليشيات الطائفية والمسؤولين المحكومين بجرائم سابقة. تطهير الوزارة من هؤلاء مهمة مستحيلة، حسب الدبلوماسي الغربي الذي ذكر أنهم سينتقلون في حال طردهم إلى المليشيات الطائفية التي جاءوا منها، أو يشكلون مليشيات وعصابات إجرامية خاصة بهم.
ما الحل لمواجهة هذا الانهيار المريع للأوضاع الأمنية في العراق؟
الجواب يشبه نكتة عن قائد "قوات بدر"، الذي أصدر أول قرار عند تعيينه مديراً لـ"شرطة النجدة" يقضي بتغيير رقم هاتف "النجدة" من 111 إلى 940984356743653429860.
وهل هناك رقم أنسب من هذا لمشروع حفر خنادق حول بغداد، التي يسكنها سبعة ملايين إنسان؟ يقضي المشروع، الذي أعلنه المتحدث الرسمي في وزارة الداخلية العميد عبدالكريم خلف بإنشاء خنادق حول بغداد، والتي يبلغ محيطها 80 كيلومتراً. إنه أكثر المشاريع الأمنية طموحاً في العام الحالي، حسب تقدير وكالات الأنباء العالمية، التي ذكرت أنه يتضمن إقامة 28 نقطة تفتيش على امتداد الطرق، التي تربط العاصمة العراقية بباقي المحافظات. وذكر العميد خلف أن الخنادق ستمتد عبر المزارع والبساتين أيضاً، وستُغلق الشوارع الصغيرة المؤدية للعاصمة، وذلك للحيلولة دون التفاف السيارات حول نقاط التفتيش. الهدف من ذلك، حسب قوله، هو "السيطرة على مداخل ومخارج بغداد لتفتيش الناس بشكل مضبوط"!
والسؤال الذي كنت أود لو يطرحه الصحفيون هو: هل الخنادق لحماية سكان بغداد من الجماعات الإرهابية وعناصر المليشيات القادمين من الخارج، أم لحماية سكان المحافظات من الجماعات الإرهابية والمليشيات القادمين من وزارة الداخلية في بغداد؟
لا أعتقد أن العميد خلف يملك الإجابة عن ذلك، وقد ذكر عدم معرفته بتكلفة بناء الخنادق. وليغفر الله له مقارنة إنشاء خندق بغداد بمعركة الخندق التي خاضها المسلمون بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ضد كفار قريش!
وأشاد بمشروع خنادق بغداد الرئيس الأميركي في مؤتمره الصحفي الأسبوعي في البيت الأبيض، لكنه أخطأ في تسمية الخندق باسم "مجاز" berm. لاحظ ذلك مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" الذي ذكر أن "مجاز نفايات" أقيم حول مدينتي سامراء والفلوجة، لمنع دخول وخروج غير سكانهما الذين يحملون هويات تصدرها سلطات الاحتلال. وأعتقد أن استخدام الرئيس الأميركي كلمة "مجاز" سببه ارتباط "الخنادق" بالحرب. وللحرب قوانين واتفاقيات دولية انتهكها بوش الذي لم يسمح حتى بتوقيع قادة العراق الأسرى على وثيقة استسلام، ويرفض لحد الآن التعامل مع أفراد المقاومة العراقية كأعداء محاربين.