جريدة الجرائد

العراق: حين ترعب الكاميرا جيشا بحاله..!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


توم كيرلي - واشنطن بوست


بلال حسين، المصور الصحافي العراقي الذي ساعد وكالة أسوشيتد برس على الفوز بجائزة بوليتزر العام الماضي، هو الآن في شهره السادس في سجن للجيش الأميركي في العراق. وهو لا يعلم سبب وجوده هناك، كما لا يعلم بهذا السبب زملاؤه في الوكالة. ويقول الجيش انه يعتقد ان لدى بلال الكثير من الصلات بين المتمردين. وقد التقط صورا يعتقد الجيش الأميركي انها لا يمكن أن تلتقط بدون موافقة المتمردين. ولهذا فان بلال نفسه لا بد ان يكون واحدا منهم أيضا أو على الأقل متعاطفا معهم.

انه معيار على الكيفية التي اصبح فيها العراق خطرا، الى حد أن مثل هذه الشكوك تعتبر أسسا كافية لاعتقال شخص ونسيان قضيته.

فبعد ما يزيد على خمسة اشهر من محاولة جلب قضية بلال الى دائرة الضوء، اقتنعت اسوشيتد برس الآن بأنه لم يعد هناك اهتمام بما اذا كان بلال متمردا ام لا، وأنه لا يتعين على الجيش أن يهتم أيضا. فبلال بعيد عن الشارع ويقول الجيش انه لا يعتبر نفسه امام مساءلة من اية سلطة قضائية يمكن أن تتساءل عن الجناية التي ارتكبها. ولكن سجن بلال يطرح قضية اخرى. فهو لم يعد حرا في التجول في مدينته الفلوجة، أو في الرمادي، لالتقاط صور لا يفضل قادة التحالف رؤيتها منشورة، فيما تعتبر محافظة الأنبار منطقة ساخنة في بلد ساخن. والعنف وغياب القوانين هناك مشكلة، خاصة بالنسبة للقوات الأميركية منذ ان وصلت الى العراق، مما يعني ان تدفق الأخبار الهامة يظل متواصلا والكثير منها غير سار.

ومعلوم هنا أن الصحافيين الأميركيين محدودون جدا في قدرتهم على التحرك بأمان، وجعل انفسهم مفهومين لدى الآخرين، وحصولهم على مصادر في مثل هذه المناطق. وقد تعلمت اسوشيتد برس على التغلب على هذه المحدوديات والمصاعب، مستخدمة أساليب مختبرة عبر عقود من تغطية المجابهات الطائفية واراقة الدماء في الشرق الأوسط. ويعتبر من ممارسات اسوشيتد برس المديدة ان تكلف وتدرب أفرادا من السكان المحليين في المكاتب الدولية الدائمة للوكالة. وقد اصبح كثيرون صحافيين مؤهلين بقوا مع الوكالة منذ عقود. وهناك عدد من العاملين من الجيل الثاني. ولم يكن عملهم أقل اهمية لوكالة اسوشيتد برس والجمهور العالمي الذي يعتمد على تقاريرنا. والى ذلك فمن دون قدرتهم على الوصول الى ما يجري في بلدانهم ومجتمعاتهم والتعرف عليه بعمق، فان فهمنا للتاريخ الذي يجري هناك كل يوم، يمكن أن يكون ضحلا وذا بعد أحادي. كما انه سيكون من الخطر الكبير أن نمارس عملنا عبر مصادر "رسمية".

ويحاول كل طرف من أطراف النزاع الرسمية وغير الرسمية تكذيب او اسكات الأخبار التي لا يحبها، وتلك هي بالتأكيد الحالة في العراق، حيث يتعرض الصحافيون في العراق بصورة متكررة الى الانتهاك وتشويه السمعة والضرب والاختطاف. وفي آخر احصائية يشار الى ان 80 صحافيا قتلوا.

وعودة لبلال حسين، فهو من الجيل الأخير من العاملين في اسوشيتد برس في الشرق الأوسط. كان صاحب حانوت في الفلوجة يبيع الهواتف المحمولة والكومبيوترات، وعلى الرغم من انه يحمل شهادة تخرج من معهد التكنولوجيا في بغداد، فقد كانت تلك أفضل وسيلة متيسرة في اقتصاد العراق المنهار.

وقد كلفته اسوشيتد برس في البداية بالعمل كمترجم وسائق. وقد اثبت انه ذكي وموثوق، وكان على صلة تعكس ارتياحه بعالم الهواتف والكومبيوترات المحمولة والكاميرات، وهي ادوات لمهنة الصحافي. وخلال اشهر كان يلتقط صورا ذات نوعية تدل على الاحتراف، وبينها واحدة لمتمردين مشتبكين مع قوات التحالف، وكانت جزءا من مشاركة اسوشيتد برس العام الماضي وفوزها بجائزة بوليتزر للتصوير الفوتوغرافي.

وقد شارك بلال في كل مشقات العراقيين في مناطق النزاع، وهي مشقات اسوأ بالنسبة للصحافيين، الذين تتطلب مهنتهم أن يكونوا أكثر قربا من أماكن تستخدم فيها البنادق والقنابل. وقد تعرض بيته الى النيران، وهربت عائلته، واضطر لمرة واحدة على الأقل ان يتخلص من معدات التصوير لينجو من الموت.

وهو يواجه ما يمكن أن يكون مخاطر أعظم الآن. ومن السجن ابلغ المحامين الذين يدافعون عنه انه يخشى ان يكون شخصا مميزا بين السجناء ممن يعرفون الآن انه صحافي يعمل مع وكالة انباء غربية. وفي غضون ذلك فان وكلاء الدولة الأعظم في العالم وصفوه باعتباره عدوا، زاعمين ان لديهم دليلا يقنعهم ولا حاجة بهم الى اثبات ذلك الى أي شخص آخر.

وباعتبارها المؤسسة التي سلمت بلال الكاميرا، التي أدت الى وضع بلال حيث هو اليوم، فان اسوشيتد برس لا يمكن أن تدير ظهرها له وتتخلى عنه. لا يمكننا أن نرفض اصرار بلال على أنه ليس متمردا فقط اعتمادا على قوة الشكوك غير المختبرة التي يقدمها الجيش الأميركي.

واذا كان بلال قد ارتكب جناية، فان المحاكم العراقية مستعدة لمحاكمته. وقد طلبت الحكومة العراقية غير مرة أن يسلم هو ومواطنون عراقيون آخرون يقبعون في سجون الجيش الأميركي منذ زمن بعيد اليها لاتخاذ الاجراءات اللازمة، وكذلك نحن، نطالب بالشيء ذاته، فهل من مستمع؟

* الرئيس والمدير التنفيذي لوكالة أسوشيتد برس

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف