غوغائية الثأر في حضرة الشهادة الأخيرة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
محمد صادق دياب
لخص مسؤول سابق في أحد الأنظمة الاستبداية مسلسلات القتل في الحكومات المتسلطة فقال: "إن الإزعاج يأتيك فقط من القتيل الأول، فالجثة الأولى مقلقة ومربكة، بعدها عليك أن تقرر إما الخروج من اللعبة أو الاستمرار فيها.. والخروج يعني التقاعد والظل، والاستمرار يعني الحضور والمخاطرة بأن تكون أنت أيضا مشروع جثة".. وهذا تماما ينطبق على حال صدام حسين، فلقد غرق في لعبة العنف عشرات السنين ليشاهده العالم صباح السبت مجرد جثة هامدة.
وبإعدام صدام بهذه الطريقة المستفزة، التي لم يراع شهودها رهبة الموت وحساسية اللحظات لتتعالى هتافاتهم الثأرية المتشفية في الوقت الذي كان فيه صدام يتلو شهادته الأخيرة، تكون الحكومة العراقية قد تخلت عن دور المطبق للقانون إلى غوغائية الباحث عن الثأر، وتلك هي بوابة الانزلاق إلى مسلسل العنف التي بدأت أولى حلقاته في عام 1958 واصطبغ به تاريخ العراق الحديث. وبعبارة أخرى فإن ذلك يعني دخول الحكومة العراقية في لعبة العنف بدلا من إيقافها.
ولست أدري لماذا ارتضت حكومة المالكي أن تضع نفسها في مأزق توقيت الإعدام ولهاث المحكمة الزمني لتصفع ذاتها بكل هذا الكم من بيانات الاستهجان الإسلامي والعالمي في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى تحسين صورة الحكم في العراق وتنقيته مما علق به من شوائب المذهبية والطائفية الضيقة. فما الذي كان سيضير حكومة المالكي لو انها تسامت فوق نزعات الانتقام وتحاشت أن تخدش مشاعر المسلمين في يوم عيدهم بمثل هذه الفظاظة مهما كانت الجرائم التي ارتكبها صدام؟! ماذا كان سيضير هؤلاء لو امتدت المحكمة أطول وفي أجواء قانونية أفضل؟! فليس ثمة عاقل يريد لمذنب أن يفلت من العقاب، ولكن الحكمة تقتضي الصبر والأناة وتغليب القانون.
لقد كان التعليق الذي بثته وكالة الأنباء السعودية عقب تنفيذ الحكم في الرئيس العراقي صدام حسين صائبا في استهجانه لتوقيت تنفيذ الحكم في الأشهر الحرم وفي أول أيام عيد الأضحى المبارك ولعدم احترام هذه المناسبة العظيمة وهيبتها ومكانتها في نفوس وضمائر المسلمين، وكذلك إبراز ما كانت تتطلبه محاكمة صدام من وقت أطول وإجراءات أدق تتناسب مع حجم الاتهامات وخطورتها.
فإذا كانت الحكومة العراقية قد غدت جزءا من لعبة العنف فإلى أي منار أو فنار يمكن أن يصوب العراقيون نحوه مؤشر بوصلة خلاصهم؟