جريدة الجرائد

عبد الوهاب وهاجس النظافة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

4 يناير2007

أبو خلدون


زوجة الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب واثنتان من بناته عشن بعيداً عن الأضواء الصحافية، ولذلك لم يتسن للصحافيين الفضوليين سؤالهن عن ردود فعلهن إزاء ldquo;هاجس النظافةrdquo; الذي كان يسكن الموسيقار الكبير، ولكننا نعرف تماما أن زوجته الأولى ldquo;إقبال نصارrdquo; أصيبت بانهيار عصبي أكثر من مرة، وانتهت حياته معها بالطلاق، وزوجته الثانية ldquo;نهلة القدسيrdquo; التي غنى لها في لقائهما الأول في عوامة الممثلة ldquo;إيمانrdquo; أغنية ldquo;كل دا كان ليهrdquo; فردت التحية وغنت له أغنية ldquo;قدام عينيهrdquo; بينما هو يعزف لها على العود، كانت تترك مسافة بينهما وبينه، ولم تكن تسمح لهواجسه بتدمير حياتهما الزوجية، سواء أكانت هذه الهواجس عاطفية، أو تتعلق بالنظافة.

وعبد الوهاب كان مصابا بهاجس النظافة والخوف من العدوى الجرثومية إلى درجة أنه يكاد يغسل قطعة الصابون بالماء والصابون قبل استعمالها، وكان يحتفظ في جيبه بزجاجة كولونيا ليرش منها على يديه ويفركهما بعد مصافحة أي شخص، كائنا من كان. وأذكر أن الزميل الياس سحاب، الذي كان يعمل مديرا لتحرير مجلة الحوادث اللبنانية في أوائل الستينات، قدمني إلى عبد الوهاب في محاولة لمساعدتي في الحصول على حديث صحافي منه، وصافحني الموسيقار الكبير، ثم أخرج زجاجة الكولونيا ورش منها شيئا على يديه، وهمست في أذن الزميل: ldquo;إنه شديد الحرص على صورته العامة وعلى أن تكون رائحته حلوةrdquo; وضحك الزميل، وقال لي إن القضية لا علاقة لها بالصورة العامة ولا بالرائحة وإنما بالجراثيم التي يشعر عبد الوهاب بأنها انتقلت إلى يديه أثناء المصافحة، وهو يريد أن يقضي على هذه الجراثيم قبل أن تتمكن منه.

وفي تايوان بدأ عام 2007 بحصول زوجة صينية على حكم بالانفصال عن زوجها، بعد زواج استمر ما يزيد على عشر سنوات، لأنه يعاني من ldquo;عارض النظافةrdquo; والخوف من الجراثيم، وبررت الزوجة طلب الطلاق بالقول إن زوجها أرغمها وأولادها على غسل الأيدي والأقدام قبل دخول المنزل، كما كان يرفض السماح لأي من أفراد الأسرة بتناول طعامه داخل المنزل لأنه لا يتحمل الدخان ورائحة الدهون اللذين ينطلقان أثناء إعداد الوجبات. وبرر الزوج ذلك بالقول إنه يخاف من الجراثيم، وإن ما فعله كان لمصلحة أسرته، ولكن القاضي لم يقتنع بهذا التبرير وحكم بالطلاق. والطريف أن أطفاله طلبوا من القاضي الحكم لهم بالعيش مع والدتهم، لأنهم لم يعودوا يحتملون التعايش مع وسواس النظافة الذي يسكن والدهم.

وفي الولايات المتحدة شهدت المحاكم حالة مماثلة كان ضحيتها الزوج هذه المرة، فقد تقدم رجل بشكوى يطلب فيها الانفصال عن زوجته لأن ldquo;النظافة في منزله لا تعرف حدودا تقف عندها، وقال الرجل في شكواه: ldquo;إنها تشمل كل شيء، من المراوح المعلقة في السقف، إلى الجدران، إلى الأرض، إلى الموكيت، إلى الأثاث. ويا ويله إذا سقط شيء من رماد سيجارته على الأرض، ولو بالصدفة، إذ إن المنزل بأسره يتحول إلى ساحة معركة، كما إنها تصر على أن يغسل كل أفراد العائلة أيديهم قبل الأكل وبعده، وأضاف الرجل في شكواه: لقد فرضت عليّ الاستحمام لأنني فتحت النافذة، بحجة أن بعض الغبار دخل إلى المنزل ولوث الجوrdquo;، وذكر أن نظافة زوجته حولت حياته وحياة أبنائه إلى جحيم.

لا أحد يكره النظافة التي هي من الإيمان، ولا أحد يكره الإنسان النظيف، ولكن النظافة عندما تتحول إلى هاجس تتحول إلى مرض نفسي يدرجه علماء النفس ضمن الوساوس القهرية، وتصبح عملية اضطهاد وتعذيب للنفس والآخرين، خصوصا داخل المنزل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف