جريدة الجرائد

دور المحافظين الجدد في «صفقة» اعدام صدام

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



راغدة درغام

ما حدث للرئيس العراقي السابق صدام حسين أثناء إعدامه على أيدي ميليشيات الانتقام الطائفي والسياسي تتحمل مسؤوليته الحكومة العراقية ورئيس الوزراء نوري المالكي وكذلك الادارة الأميركية والرئيس جورج دبليو بوش فالمسألة أكبر بكثير من محاكمة نظام وشنق طاغية. وما حدث يستدعي طرح اسئلة ضرورية ومصيرية حول من يقف وراء حقن العداء الطائفي بين الشيعة والسنة وحول حقيقة السياسة الاميركية نحو منطقة الشرق الأوسط. الأمر يستدعي ان يقول لنا جورج بوش ما هي حقاً سياسته نحو العراق وايران وما هو مفهومه لموقع النزاع الطائفي في معادلة المصالح الاميركية في هذه المنطقة النفطية والاستراتيجية. فلا الاستهجان يكفي ولا الغرق في مفاهيم وافتراضات واتهامات متبادلة يكفي. فما حدث قبل وأثناء وبعد إعدام صدام حسين له دلالات وإفرازات مخيفة ليس في العراق وحده وانما في كامل المنطقة. ولذلك فإن ما حدث يتطلب الإجابة على أسئلة اساسية وضرورية.

ما حدث يوحي بأن زمرة المحافظين الجدد الذين قادوا جورج بوش الى تبني منطق غزو العراق واحتلاله ما زالوا يتحكمون بخطوط خفية فائقة الأهمية داخل صنع القرار الأميركي وداخل العراق. فهم من أطلق من حرب العراق ما سمي باستعلاء القوة الشيعية كجزء من استراتيجية تقسيم العراق لبناء الحزام النفطي في أرض "بترولستان" الممتدة في المنطقة التي باتت تعرف بالهلال الشيعي. هم الذين لم يترددوا يوماً في استدعاء الميليشيات الى تحالفات الأمر الواقع ووعود الغد الزاهر على رغم ادعاءاتهم بأنهم ضد الصفقات مع الميليشيات ومع الارهاب.

هؤلاء هم من يجب ان يحاكم لأن الولايات المتحدة باتت متهمة بأنها تدفع المنطقة الى حروب طائفية كي تستفيد من تقسيم دول عربية ومن بناء تحالفات استراتيجية خفية لا علاقة لها مع حملات علنية ضد أنظمة ومحاور معينة.

قد يكون الرئيس الاميركي نفسه بريئاً من هذه التهمة وقد يكون شخصياً صادقاً في اعتباره العراق الموحد حجراً أساسياً في نجاح سياسته الطموحة الى عراق ديموقراطي سيشكل نموذجاً للحرية في المنطقة العربية. فإذا كان بريئاً وصادقاً حقاً، على الرئيس الأميركي ان يأمر بدراسة معمقة وفورية في أسباب ما حدث عند اعدام صدام وابعاده، قبل ان يتقدم بسياسته الشاملة نحو العراق والمتوقع الكشف عنها في الايام المقبلة.

لقد أدى تسليم القوات الأميركية صدام حسين الى الجلادين الجدد الذين هتفوا بشعارات ميليشيات مقتدى الصدر الى التساؤل مجدداً كيف يمكن ان ترتكب هذه السلسلة من الأخطاء الاميركية في العراق، وهل هي حقاً أخطاء؟ فلقد بات صعباً جداً تصديق حكاية الأخطاء، وحان وقت التساؤل مجدداً من يصنع السياسة الاميركية نحو العراق وايران والمنطقة.

لا بد ان في صفوف الإدارة الاميركية من كان يفهم تماماً معنى اعدام صدام حسين يوم الاضحى المبارك، بما يحوله الى شهيد عند البعض حتى ولو لم يظهر شريط الفيديو المدهش الذي بين ان الجيش في العراق لربما أصبح الآن مخترقاً جذرياً بالعصابات والميليشيات.

فكيف يجوز ان تخلو هذه الإدارة من خبراء يفهمون جدية اعدام صدام يوم عيد الأضحى ويصلون الى اصحاب القرار ليتخذوا اجراءات تمنع هذه "الغلطة"؟ صدام حسين كان تحت حصانة أميركية. القوات الاميركية سلمت صدام حسين الى الحكومة العراقية لإعدامه تماماً في الموعد الذي أعدم فيه وذلك بقرار سياسي اتخذه مسؤول ما على أعلى المستويات بغض النظر ان كان السفير الاميركي في بغداد نصح بعكس ذلك. فإذا كان جورج بوش خارج حلقة هذا القرار، يجب عليه ان يتعرف بدقة الى ماذا حدث ومن سمح بحدوثه وأن يأخذ ذلك كعنصر رئيسي في رزمة سياساته نحو العراق.

فالمسألة تتعلق ليس فقط بانتقال النزاع السني - الشيعي الى مرتبة مختلفة نوعياً داخل العراق وفي حسابات المنطقة، وهذا بحد ذاته تطور في غاية الخطورة والجدية. ان المسألة تتعلق ايضاً بركيزة اساسية من ركائز السياسة الاميركية في العراق وهي تدريب القوات العراقية والجيش العراقي الذي سيحل مكان القوات الأميركية بعد انسحابها من العراق. وما على القائد الأميركي الأعلى الرئيس جورج بوش ان يتحقق منه الآن هو ان كانت أموال الضرائب الأميركية والخزينة الاميركية تنفق على ميليشيات يلتحق بعضها موقتاً بجيش عابر ويتحكم بعضها الآخر بالحكومة والجيش لدرجة مرعبة. فهذه ميليشيات قاتلت وتقاتل القوات الاميركية في العراق، وعلى القائد الأعلى ان يشرح للأميركيين والعالم ماذا يفعل حقاً.

هناك مَن يعتقد أن كبار أقطاب إدارة بوش ما زالوا يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تتحالف مع إيران، أكبر دولة شيعية، ومع الشيعة عامة الذين يشكلون اقلية في العالم الإسلامي، وذلك لأن شبكة "القاعدة" وأمثالها هي من السنّة. يعتقد هؤلاء أن المصلحة الاستراتيجية الأميركية تقع في قيام الهلال الشيعي. ويعتبر هؤلاء أن العلاقة بين إيران وإسرائيل علاقة تهادنية في العمق وأن المحور الأميركي - الإيراني - الإسرائيلي هو المحور الطبيعي للتفوق النوعي في منطقة الشرق الأوسط لا سيما على أنقاض العراق المقسم رسمياً.

تقسيم العراق رسمياً، حسب أصحاب هذا الرأي، يتطلب بالضرورة أن يسقط أولاً في الشرذمة، وأن يصبح ساحة الوحشية البالغة التي تبرر أي خيار "آخر" له غير الوضع الراهن. ولذلك يُسمح بحدوث ما حدث أثناء إعدام صدام حسين.

إذا كان جورج دبليو بوش بريئاً من هذه الافتراضات، عليه أن ينطلق في إعلانه سياساته الجديدة نحو العراق من التعهد القاطع بضمان وحدة أراضي العراق ومن تقسيمه. عليه أن يطالب رئيس الحكومة نوري المالكي أن يختار بين ولائه لأمثال مقتدى الصدر وميليشياته وللعلاقة الروحية والسياسية مع القيادة الإيرانية في طهران، وبين ولائه لعراق موّحد يُبعَد بمنهجية عن همجية الحروب الطائفية التي تفتك به.

عليه أن يوضح ان كان حقاً صارماً في مواقفه نحو إيران، كما تفيد تصريحاته العلنية، أو ان كان يصرح علناً بذلك فيما يهز رأسه موافقاً على تلك العلاقة الاستراتيجية السرية التي توافق مزاج القيادة الإيرانية. فلقد جاءت حرب العراق كجزء رئيسي من ذلك الفرز الاستراتيجي تدريجاً بتماسك وبنجاح وبفوائد عارمة لكل من إيران وإسرائيل اللتين يعتبرهما اصحاب هذه الاستراتيجية الحليفين الطبيعيين في تقويض الهيمنة السنية وأي أحلام عربية بتفوق غير مرغوب فيه.

هذا واجب الرئيس الأميركي ليس فقط أمام الأميركيين والعراقيين، وإنما هو واجبه ايضاً نحو لبنان ونحو حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية. فلقد اكتسبت الولايات المتحدة سمعة التقلب والتخلي عن حلفائها بين ليلة وضحاها الى جانب اتهامها بالازدواجية اليوم. إن الولايات المتحدة تقع حقاً في أحد أهم امتحان لها، لأنها طرف مباشر في حروب طائفية ودينية وثقافية وحضارية وسياسية ونفطية واستراتيجية في آن. الآن ان جورج دبليو بوش مطالب بأن يوضح لنا ما هي حقاً السياسة الأميركية نحو العراق وإيران وسورية ولبنان وفلسطين والأردن ومصر والسعودية والبحرين وقطر وغيرها. إنه مطالب بأن يشرح لنا مفهومه للمواقف الأميركية الرئيسية من اندلاع الحروب الطائفية في العراق ولبنان حيث الميليشيات تتحكم بمصير البلاد بتمويل وتجنيد وتمكين بأسلحة من إيران وعبر سورية.

فالشكوك تزداد باحتمال أن يكون بعض أقطاب الإدارة الأميركية الحاكمة في وارد ابرام الصفقات التي تسبق السياسات وتقودها. الشكوك تزداد باحتمال أن يكون الصوت الخافت للمحافظين الجدد في هذه الأيام جزءاً مدروساً من ابعاد الأضواء عنهم، فيما ينفذون ما في ذهنهم منذ البداية، أي منذ رسم خرائط جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بدءاً بغزو العراق لتدميره وتقسيمه عبر استراتيجية "أخطاء" مدروسة تعود فوائدها على إسرائيل وإيران وتترك العرب في حروب بائسة مجردين من النفط والتحالفات المهمة.

إنما هذه مجرد شكوك قد تكون برزت في الآونة الأخيرة بسبب ما رافق توقيت إعدام صدام حسين من استفزاز متعمد يتعدى شنق الطاغية ويدخل في حسابات تأجيج النزاع بين الشيعة والسنّة لغايات توسيع رقعة الحرب الطائفية الى خارج العراق لأهداف تقسيمية.

ما سيكشف عنه الرئيس الأميركي من سياسة شاملة نحو العراق في الأيام المقبلة سينطوي على اجابات عدة على الأسئلة الكثيرة التي تتعلق بمصير العراق والمنطقة ككل. العمود الفقري لهذه الاجابات هو ماذا قرر جورج دبليو بوش في ما يخص السياسة الأميركية نحو إيران وحلفائها من أنظمة وميليشيات وأحزاب؟

قد تكون الفسحة إلى التأثير في هذه القرارات فسحة محدودة زمنياً وعملياً الآن. إلا أن ما حدث عند إعدام صدام حسين يتطلب اصراراً من دول وجهات عربية فاعلة لتشرح للقيادة الأميركية الذاكرة العربية التي سجلت لها سلسلة "الأخطاء" والادعاءات المزعومة وضاعفت عندها أزمة الثقة بالوعود الأميركية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف