حوار أمريكا مع إيران حول العراق: ما الثمن، وما الهدف؟
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تقرير واشنطن
عرضت دراسة جديدة كتبها باتريك كلوسون Patrick Clawson الباحث بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى www.winep.org حول احتمالات فتح الحوار الأمريكي مع إيران حول المعضلة العراقية. ففي حين دعا تقرير "مجموعة دراسة العراق" والذي عرف بتقرير "بيكر- هاميلتون" إلى إجراء حوار مع إيران حول العراق، باعتبار أن هذا الحوار هو أحد المداخل المهمة - من وجهة نظر التقرير- لتحقيق الاستقرار في العراق. وبمعنى آخر، يدعو التقرير إلى توظيف الدور الإيراني في العراق بشكل يضمن استقرار الأخير وليس العكس. وللوقوف على فرص نجاح هذا الحوار يجب أن نعود إلى التجارب التاريخية السابقة للحوار الأمريكي- الإيراني، كما يجب أن نعرف كيف ينظر الإيرانيون إلى التطورات المتلاحقة في العراق؟
المواقف الأمريكية والإيرانية من الحوار حول العراق
هناك تجارب سابقة للحوار المباشر بين الولايات المتحدة وإيران. كان أبرز تلك التجارب الحوار الذي أجراه الطرفان خلال الحرب الأمريكية في أفغانستان حول بعض القضايا ذات الصلة بتلك الحرب، ولكن الولايات المتحدة حرصت آنذاك على وجود ممثل لطرف ثالث على الأقل، لضمان غطاء رسمي بأن هذه المحادثات لا تعد محادثات ثنائية مباشرة بين الطرفين. أيضا أجرى الطرفان محادثات عدة قبل وأثناء غزو العراق، عقدت ثلاثة منها الأقل خلال عام 2003 (في شهور يناير، مارس، مايو) لمناقشة الموقف في العراق. ورغم أن ممثل الأمم المتحدة هو الذي قام بافتتاح تلك المحادثات للحفاظ على صفتها كمحادثات غير مباشرة، إلا أن ممثل الأمم المتحدة كان ينسحب سريعا من تلك المحادثات ليترك الوفدين الأمريكي والإيراني للحديث الثنائي المباشر.
وقد توقفت المحادثات المباشرة بين الطرفين في عام 2003. وفي 19 أكتوبر 2005، قالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس: "لقد درسنا ما إذا كانت المحادثات حول العراق ستكون مفيدة بين السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاد ونظيره الإيراني، وفقا لنفس الشروط والقواعد التي أجريت بها المحادثات بين الطرفين حول أفغانستان". وقد أكد مسئولي الإدارة الأمريكية فيما بعد أنه تم بالفعل إقرار تلك المحادثات. وجدير بالإشارة أن خليل زاد هو الذي قاد المحادثات مع إيران حول أفغانستان قبل الغزو. وفي 20 أكتوبر 2005، أعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، حميد رضا آصفي، أن إيران ترى أنه لا مبرر لإجراء حوار مع الولايات المتحدة قبل أن تقوم الولايات المتحدة "بتغيير سلوكها وتوجهاتها". وقد أكد المسؤولون الإيرانيون على المعنى ذاته خلال الشهور التالية.
وفي 16 مارس 2006، وبعد مرور خمسة أشهر على إشارة رايس إلى إمكانية إجراء هذا الحوار، أعلن علي لاريجاني، أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، قبول الحوار، قائلا: "نحن نوافق على الحوار مع الأمريكيين"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الموافقة الإيرانية جاءت بناء على طلب عبد العزيز الحكيم، قائد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. إلا أن هذا الموقف سرعان ما شهد تراجعا على يد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، الذي صرح في 24 أبريل 2006 قائلا: "نعتقد الآن وبسبب وجود حكومة دائمة في العراق، لا توجد حاجة" لهذا الحوار مع الولايات المتحدة.
ويقوم الموقف الإيراني الراهن على ترك المجال مفتوحا أمام إجراء هذا الحوار في حالة ما إذا طرحت الولايات المتحدة عرضا جذابا وقويا لإيران. وفي 17 نوفمبر 2006، صرح الرئيس الإيراني السابق، على أكبر هاشمي رفسنجاني، في خطبة الجمعة قائلا: "يجب ألا يفترض الأمريكيون أننا معنيون بهذا الحوار، ويجب ألا يفترضوا أنهم يقدمون لنا تنازلا". وفي اليوم ذاته، صرح وزير الخارجية الإيراني، منوشهر مقتي، "إن كلمات فقط من الأمريكيين حول تغيير سياساتهم في العراق ليست حلا للمشكلات.. سوف ندرس أولا التوجهات العملية للولايات المتحدة، ونقرر بعدها ما إذا كنا سنجري تلك المحادثات".
الولايات المتحدة عبرت أيضا عن رغبتها أكثر من مرة لإجراء حوار مع المسؤولين الإيرانيين حول العراق. بعد تصريح ملتبس للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، شون مكورماك، في 20 نوفمبر 2006، قالت وزير الخارجية الأمريكية في 23 من الشهر ذاته: "قلت بوضوح منذ شهور مضت أن خليل زاد ربما يجري هذا الحوار".
ولكن هناك قضية لازالت موضع خلاف شديد وهي موقع أزمة البرنامج النووي من أي حوار محتمل بين الطرفين. فمن ناحية، ترفض كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا إجراء أي مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي قبل أن تعلن إيران وقف برنامج تخصيب اليورانيوم، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1696 الذي دعا إيران إلى تنفيذ مطالب مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووقف جميع أنشطة التخصيب. وقد أجرى خافير سولانا، الممثل الأعلى للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، محادثات أولية مع إيران حول ما إذا كانت ستقوم بوقف أنشطة التخصيب، إلا أن أوروبا لم تخرج من تلك المفاوضات متحمسة لإجراء محادثات جديدة. وعلى العكس من الموقف الأوروبي، يدعو البعض ممن ينتقدون السياسة الخارجية الأمريكية خاصة ارتكازها إلى مبدأ "الأحادية" unilateralism، إلى تجاهل الولايات المتحدة لمطالب قرار مجلس الأمن والشروط الأوروبية، والدخول في مفاوضات ثنائية مباشرة مع إيران حول مسألة السلاح النووي، وتجاوز الإطار الأوروبي متعدد الأطراف للحوار مع إيران.
الرؤية الإيرانية للموقف الأمريكي في العراق
لم يحظ تقرير "بيكر هاميلتون" بتغطية كافية في الصحافة الإيرانية بسبب تزامن صدور التقرير مع الانتخابات المحلية الإيرانية وانتخابات مجلس الخبراء التي أجريت في 15 ديسمبر 2006، غير أنه من الممكن أن نقتبس هنا ما جاء في صحيفة "كيهان" Keyhan الإيرانية في عددها الصادر في 30 نوفمبر 2006، وهي صحيفة قريبة من حكومة أحمدي نجاد، إذ تقول الصحيفة: "إن الحكام الأمريكيين المغرورين والجاهلين قد يضطرون، تحت تأثير الضغوط الداخلية، إلى الدخول في محادثات جادة مع محور إيران- العراق- سوريا، ولكن بدون شك فإن الهدف الحقيقي لن يكون حل الأزمة العراقية، ولكن الخروج من الدولة الإسلامية بشكل يضمن الحفاظ على ماء الوجه وبأقل تكلفة ممكنة".
وفي خطبة الجمعة التي ألقاها رفسنجاني في 17 نوفمبر 2006، والذي يوصف بالاعتدال والواقعية، أشار إلى ضعف الأسباب التي تدعو إيران إلى مساعدة الولايات المتحدة في العراق، قائلا: "إنهم يغرقون بالتدريج في هذا المستنقع، ولا يستطيعون مساعدة أنفسهم في الخروج من العراق، إن الأمر يكلفنا جهدا كثيرا لإخراجهم من قاع هذا المستنقع". وهكذا، فإن الإيرانيين يرون أن الأمريكيين هم مصدر المشكلات في العراق. وكما كتب حسين شاريات ماداري، أحد المقربين من علي حسين خامئني، في عدد 27 نوفمبر 2006 من جريدة "كيهان": "إن المحتلين في حاجة إلى الفوضى وعدم الأمن في العراق لتبرير وجودهم. إنهم يهوون غياب الأمن والاستقرار في العراق".
أما القوى الراديكالية في إيران فترى أن الولايات المتحدة أصبحت ضعيفة جدا إلى الحد الذي يجب تجاهلها، وأن باستطاعة إيران هزيمتها في أية مواجهة محتملة. وقد أكد على هذا المعنى مهدي محمدي في مقال له في جريدة "كيهان" في عدد 2 نوفمبر 2006، عندما قال: "إن الأمريكيين فقدوا ليس فقط قدرتهم على اللدغ وإنما فقدوا أيضا قدرتهم على النباح... يجب عليهم أن يفكروا فيما يجب أن يقوموا به حتى لا تهددهم إيران... إيران التي تمتلك المقومات والجدارة التاريخية لهزيمة الولايات المتحدة، فإيران التي تعد المنافس الإقليمي الأكبر للولايات المتحدة، قامت بالاستعداد لخطط الحرب... الآن إيران وضعت جميع التحركات العسكرية الأمريكية في المنطقة تحت مراقبتها الكاملة وتعلم جيدا كيف تستطيع شل قدرة هذه القوات على العمل".
كل من الجناحين الراديكالي والمعتدل يشعر بالسعادة لما يعتبرونه اعترافا أمريكيا بالدور الطبيعي لإيران في المنطقة باعتبارها قوة إقليمية عظمى. وفي عدد 27 نوفمبر 2006 من جريدة "كيهان" كتب شاريات ماداري قائلا: "باعتبارنا أكبر قوة إقليمية، وفي ضوء علاقاتنا القوية مع العراق، نستطيع أن نلعب دورا رئيسيا في تحقيق الاستقرار والأمن في العراق. والأمريكيون أنفسهم لا ينكرون هذا الدور البارز."
وعلى الجانب الأمريكي، يرى البعض أن إيران لديها أيضا مصلحة مشتركة مع الولايات المتحدة في استقرار العراق ووقف حالة الفوضى الأمنية القائمة، ومن ثم فإن لديها مصلحة هي الأخرى في التعاون مع الولايات المتحدة في هذا الملف. ولكن لا يجب النظر إلى المسألة وفق هذا الحساب، فربما يكون ذلك صحيحا، أو هكذا تبدو المسألة، من وجهة نظر واشنطن، ولكن طهران لديها سياسة قديمة وثابتة لدعم ما تراه يخدم مصالحها الوطنية في العراق، ويعتقد المسؤولون الإيرانيون أن هذه السياسة هي التي تدعم مصالحهم الوطنية هناك. إن افتراض أن الولايات المتحدة بإمكانها إقناع المسئولين الإيرانيين أنها (أي الولايات المتحدة) تدرك ما الذي يدعم المصالح الوطنية الإيرانية أكثر من الإيرانيين أنفسهم، هو افتراض غير دقيق يصعب إقناع الإيرانيين به. والأكثر قبولا هو أن إيران سوف تطالب بثمن مقبول لأي تعاون محتمل مع الولايات المتحدة في العراق، وهو ما أكده محمد جافاد ظريف، سفير إيران لدى الأمم المتحدة، لجيمس بيكر ولي هاميلتون أثناء عشاء خاص جمعهم في 5 أكتوبر 2006. وهكذا، في الوقت الذي لا يتضح فيه ماهية الثمن الذي يمكن أن تقدمه الولايات المتحدة لإقناع إيران بهذا التعاون، فإن إيران من جانبها ستطالب، بدون شك، بتبني الولايات المتحدة موقفا أكثر مرونة فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، بالإضافة إلى مطالب أخرى، وهو ثمن كبير بالفعل.
القدرة المحدودة لإيران على تحقيق الاستقرار في العراق
يقول المسئولون الأمريكيون إن هناك دورا رئيسيا ومباشرا لإيران في المشكلات الأمنية العراقية. في نوفمبر 2006، قال مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ميشيل هايدين، أمام الكونغرس "إن الأيدي الإيرانية (في العراق) تحث على العنف". وتحدث هايدين عن شكوكه في البداية حول الدور الإيراني المزعوم في العراق إلى أن راجع بنفسه تقارير وكالة المخابرات، قائلا: "لقد خلصت إلى هذا الاستنتاج مؤخرا، ولقد تحول موقفي تماما في ضوء الدور السلبي الشديد للإيرانيين داخل العراق".
وتذهب تقارير المخابرات الأمريكية إلى أن إيران تمد المقاتلين العراقيين بالمتفجرات والمواد اللازمة لصناعة القنابل، بالإضافة إلى تدريب الآلاف من المقاتلين العراقيين داخل إيران، وتوفير الأدوات والمساعدات اللوجيستية اللازمة للعراقيين لتنفيذ عملياتهم المخططة بالطريقة التي يرونها. إلا أنه يمكن القول إن العراقيين الذين يقبلون الدعم الإيراني لا يقبلون بالضرورة تلقي الأوامر والتعليمات الإيرانية حول عمليات العنف التي يقومون بها داخل العراق أو تغيير مسار تلك العمليات. بمعنى آخر، من الواضح أن إيران لا تمتلك القدرة على إثناء الجماعات العراقية، بما فيها التي تتلقى دعما إيرانيا، عن القيام بعمليات معينة أو وقف أعمال العنف. إن العنف في العراق بخضع لحسابات داخلية، وتديره بالأساس القيادات المحلية التي لا تستجيب يالضرورة لأوامر الخارج حتى إذا جاءت من إيران مصدر دعمها الرئيسي.
إجمالا، يمكن التأكيد على نقطتين مهمتين بشأن الحوار الأمريكي مع إيران حول العراق: الأولي، أن المسؤولين الإيرانيين أبدوا استعدادا محدودا للدخول في حوار مع الولايات المتحدة حول العراق، بسبب ما لديهم من قناعة قوية بضعف الموقف الأمريكي في العراق. النقطة الثانية أن إيران قد تستطيع أن تلعب دورا في تدهور الأوضاع الأمنية في العراق، ولكنها لا تستطيع أن تقوم بالدور نفسه في تحقيق السلام في العراق، وبمعنى آخر، فإن المراهنة على إيران للمساعدة في تحقيق استقرار وأمن العراق هي مراهنة مبالغ فيها ومفرطة التفاؤل.
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف