جريدة الجرائد

هل ينأى الجيش الأميركي عن الاستقطاب الحزبي؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



روزا بروكس - لوس انجليس تايمز


في ثنايا التقارير الإخبارية الصادرة خلال الآونة الأخيرة، توارت إحدى أهم القضايا التي ميزت المؤسسة العسكرية الأميركية في السنوات الأخيرة. فقد أصدرت مجلة "ميليتيري تايمز" المتخصصة في الشؤون العسكرية نتائج أحد استطلاعات الرأي الذي شمل أفراد الجيش الأميركي، فجاءت على نحو غير متوقع وغير مسبوق في الآن معاً، حيث أظهرت انخفاضاً بنسبة 10% في عدد أفراد الجيش والعاملين في سلكه من الذين يعتبرون أنفسهم "جمهوريين". وفي استطلاعات عام 2004 تبين أن عدد أفراد الجيش الذين وصفوا أنفسهم بـ"الجمهوريين" يقف عند حدود 60%، لتنخفض النسبة في 2005 إلى 56%، ثم انحدرت بعدها في العام التالي 2006 إلى 46%. ويأتي هذا الانخفاض المطرد في نسبة "الجمهوريين" داخل الجيش الأميركي ليغير مساراً دام طويلاً تميز بطغيان الانتماء "الجمهوري" على الجيش استمر لأكثر من ثلاثين عاماً، وهو ما ينذر بإدخال تغيير جوهري في طبيعة الجيش الأميركي، فضلاً عن النقاش المرتبط بقضايا الأمن القومي.

فعلى امتداد التاريخ الأميركي لم ينقسم الأميركيون حول قضايا الأمن القومي إلا نادراً. ورغم ميول الجيش عامة إلى التيار "المحافظ" دون تبنيه أيديولوجية معينة، فإنه لم يرتبط قط مع حزب سياسي على حساب الآخر، حيث ظل بمنأى عن الجدل السياسي. لكن في لحظة ما من الفترة الممتدة من نهاية حرب فيتنام حتى أواسط ولاية كلينتون بدأ الجيش الأميركي يتحول نحو الحزب "الجمهوري" ليبدو في الأخير كما لو أنه جهاز تابع لإدارته. ولابد من الإشارة إلى أن التوجه نحو "اليمين" كان دراماتيكياً طيلة الفترة السابقة، إذ في الوقت الذي كان فيه 25% من المدنيين الأميركيين عام 1976 يعتبرون أنفسهم "جمهوريين"، وصلت تلك النسبة داخل الجيش إلى 33%، لتشير إلى وجود هوة في القناعات السياسية بين المجتمع والجيش الأميركيين وصلت إلى 8%.

وبحلول 1996 اتسعت الهوة بين المدنيين والعسكريين لتبلغ 33%، إذ في الوقت الذي أفاد فيه 34% من المدنيين أنهم "جمهوريون"، وصلت النسبة لدى العسكريين إلى 70% ليتحول الجيش الأميركي خلال الثلاثين سنة الأخيرة إلى مؤسسة "جمهورية" بامتياز.

أما الأسباب والدوافع التي أدت إلى هذه النتائج، ودفعت بالجيش الأميركي ناحية الحزب "الجمهوري"، فهي متعددة ومتداخلة فيما بينها. وتكمن في التصور السائد لدى أفراد الجيش عن اصطفافات الأحزاب السياسية، إذ في الوقت الذي اعتبر في الحزب "الديمقراطي" مناهضاً للحرب بطبيعته نظراً لقاعدته الشعبية ذات التوجه الليبرالي و"اليساري" في بعض الأحيان، برز الحزب "الجمهوري" على أنه مساند للقوات المسلحة ومدافع عن تدخلاتها العسكرية في الخارج. ويرجع تشكل هذا التصور إلى فترة حرب فيتنام وتزعم الحزب "الديمقراطي" للحركة المناوئة للحرب. بيد أن التوجه الملحوظ للجيش الأميركي ناحية "اليمين" ومن تم إلى حامله الأيديولوجي المتمثل في الحزب "الجمهوري" لا يمكن إرجاعه فقط إلى تداعيات حرب فيتنام وحدها، بل يرجع أيضاً إلى تغير خريطة التجنيد في أميركا، فضلاً عن تغير مواقع القواعد العسكرية.

فقد شهدت فترة أواخر الستينيات إغلاق العديد من القواعد العسكرية في الولايات الشمالية، بالإضافة إلى برامج التدريب العسكري، بسبب ضعف الإقبال على الانتساب إليها في تلك الولايات، وتم نقلها إلى الولايات الجنوبية المعروفة بميولها إلى الحزب "الجمهوري". وهكذا أصبحت نسبة برامج التدريب العسكري 40% في الولايات الجنوبية، بينما لا تتعدى نسبة طلبة الجامعات من تلك الولايات 30% من مجموع الطلبة في الولايات المتحدة. وإذا أضفنا إلى عامل نقل القواعد العسكرية إلى الولايات الجنوبية سيطرة الحزب "الجمهوري" على الحياة السياسية في البيت الأبيض طيلة 34 عاماً، باستثناء 12 عاماً، فإن تحول الجيش الأميركي إلى الحزب "الجمهوري" قد يصبح مفهوماً. لذا تأتي المؤشرات الأخيرة التي أفصحت عنها استطلاعات الرأي حول تغيير في الاتجاه السابق نحو المزيد من التوازن في التركيبة السياسية للجيش الأميركي لتعيد الأمل مرة أخرى في إمكانية ابتعاده عن الاستقطاب السياسي وتحوله إلى مؤسسة ديمقراطية جامعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف