جريدة الجرائد

فلسطين بين الخيار الوطني والفصائلي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأثنين 8 يناير 2007

راشد صالح العريمي

عرفت المواجهات المسلحة خلال الأيام الأخيرة بين حركتي "فتح" و"حماس" الفلسطينيتين، منعرجاً جديداً في عنفها من حيث الكم والنوع معاً، إلى حد بات من الممكن معه وصف الوضع الآن في غزة بأنه "أيام رعب" حقيقية. فقد تفشى الاغتيال وإطلاق النار الأعمى، واستشرى الاختطاف والترويع سواء للمسؤولين أم للمواطنين البسطاء، أم حتى للأجانب، وأصبح كل ذلك الآن مشهداً معتاداً وروتينياً وكأنه ممارسات عادية. وكلما احتدم التجاذب السياسي بين الطرفين ممثلين في الرئيس "أبو مازن" ومعه مؤسسة الرئاسة وأجهزتها "الفتحاوية" الهوى، من جهة، وبين حكومة "هنية" ومسلحي ما يسمى بـ"القوة التنفيذية" التابعة لـ"وزارة داخلية حماس"، من جهة أخرى، كلما ازداد انزلاق المجتمع الفلسطيني برمته نحو هاوية الحرب الأهلية. وفي هذه الأثناء المريرة تذكَّرت عصابة أولمرت الإرهابية، الحاكمة في تل أبيب، أن تحت رحمة جيش عدوانها شعباً محتلاً منقسماً على نفسه، فهوت هذا الأسبوع بالقبضة الغليظة على سكان رام الله، معربدة ومشيعة مشاهد القتل والقصف الأعمى والتنكيل، هذا طبعاً وسط صمت مطبق من المجتمع الدولي، إن كان هناك حقاً ما هو جدير بحمل اسم "المجتمع الدولي". أما بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى كـ"الشعبية" و"الديمقراطية" و"الجهاد"، فقد اكتفت بدور الوسيط الهامشي، غير المفيد في شيء، والذي يلعب في الواقع دور الكومبارس غير الفعال، أو بالأحرى دور الديكور الخلفي لهذا الواقع الفلسطيني المدلهم. ولا يبقى سوى الوساطات الخارجية الإقليمية التي لا تقل هي الأخرى سلبية في عدم فاعليتها.
ولا يبدو، في ضوء المؤشرات الحالية، أن تغليب صوت العقل والحكمة يقع على رأس أجندة زعماء حركة "حماس" الآن، للأسف، فحين أعلن "أبو مازن"، قبل يومين عن ضرورة دمج مسلحي "القوة التنفيذية" إلى أجهزة السلطة الأمنية، واعتبر بقاءها خارج المنظومة الأمنية الرسمية أمراً غير شرعي، جاءه الرد سريعاً، و"على الهواء" تقريباً من قادة "حماس" بأنهم قرروا زيادة عديد هذه القوة ليصل إلى 12 ألف مسلح. لغة الاستفزاز هنا لا تخطئها الملاحظة، ورفع قفاز التحدي لم يكن، على كل حال، هو أفضل رد على عرض الرئيس الفلسطيني.
إن بعض أسباب تعثر المشروع التحريري الوطني الفلسطيني منذ انطلاق نضال هذا الشعب المكافح، تعود لأسباب داخلية، وما نراه الآن من سلوك سياسي فج وغير عقلاني، هو أبلغ تعبير عن هذه الواقعة. فبدلاً من تصحيح خطأ سياسي، تراكَم على جنباته، وتؤسس عليه أخطاء أمر وأدهى. وبدل تغليب المصلحة الوطنية العليا، وتسريع "الحل الوطني"، تقع المراهنة على "الحل الفصائلي"، وبدل تقديم إحدى أعدل القضايا في العصر الحديث إلى العالم على حقيقتها باعتبارها سعياً شرعياً للتحرر الوطني، من احتلال استعماري استيطاني إحلالي، تتنافس الفصائل الفلسطينية، بكل أسف، في ترسيخ الصور المؤكدة للأزمة الداخلية، التي يراها العالم من خلال استشراء مشاهد العنف والإرهاب، والانفلات الأمني، واختطاف الأجانب من الصحفيين والعاملين في منظمات الغوث والإعانة الموجهة للمواطن الفلسطيني العادي. لقد آن الأوان لـ"حماس" ولحكومتها، أن تختار بين أن تكون جزءاً من سلطة فلسطينية شرعية قائمة على نظام المؤسسات، وبين أن تكون سلطة تنظيمية فصائلية، حتى لا نقول "منظمة سرية". وإن لم تستطع العمل وفق الأطر الرسمية، فلا أقل من الاعتراف بفشلها السياسي، في التأقلم مع الوضع. ولا ينفع هنا رفع قميص عثمان والقول إن "حماس" وصلت إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع، فالحركات السياسية تنتخب من أجل البناء ومن أجل العمل على تحقيق المصلحة الوطنية العليا، وليس الأجندات الفصائلية. وعموماً في منطق السياسة يكون تقديم تنازلات توافقية عادة دليل عافية ومرونة، وإلا فالاعتراف بالفشل فضيلة. فهل تقدم "حماس"، على إحدى الحُسنيين؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف