الأردن: إعدام صدام يقلب الرأي العام ضدّ حزب الله و حماس وإيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عمّان ـ خليل رضوان
أدّت الظروف التي أحاطت بإعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين فجر عيد الأضحى، الى انقلاب واسع في موقف الرأي العام الأردني من ايران و"حزب الله".
وفي وقت كانت الحكومة تخشى التعاطف العريض لإيران و"حزب الله" في الشارع الأردني لمواقفهما المناهضة لأميركا وإسرائيل، حتى بلغ هذا التعاطف ذروته في حرب إسرائيل على لبنان اذ رصدت حالات من التشيع بين المسلمين السنة، جاء اعدام صدام ليخلط الأوراق من جديد.
المخاوف الأمنية لدى الاردن لم تعد طيّ الكتمان من تنامي ظاهرة "التشيع السياسي الذي قد يقود الى التشيع الديني" بعد صعود نجم "حزب الله" في لبنان هذا الصيف وتحوّل أمينه العام السيّد حسن نصرالله وحاميه الإيراني الرئيس احمدي نجاد الى بطلين قوميين.
ونشطت حملة اعتقالات واستجوابات في صفوف الشيعة العراقيين بشبهة نشرهم مذهبهم في المملكة، فالأردن لا يمنع أحدا من ممارسة شعائره الدينية الخاصة به، لكنه لا يسمح بأيّ تبشير ديني مهما كان.
ورأى مراقبون أن صدام خدم الحكومة الأردنية في مماته كما خدمها في حياته، إذ حدث الانقلاب المنشود لدى الدولة لدرجة دفعت بمعارض مثل نقيب المحامين صالح العرموطي الى المطالبة بإغلاق السفارة الإيرانية في عمان الى جانب مطالبته بإغلاق السفارة الإسرائيلية، واتخذت أحزاب سياسية وقوى شعبية ونقابية الموقف نفسه.
وقال المحلل السياسي فهد الخيطان إن إعدام صدام حسين بما حمل من دلالات طائفية وقومية كان بمثابة صدمة لقناعات كثيرة استقرت في الوجدان الشعبي الأردني ولذلك شهدنا هذا التحول العميق في الموقف تجاه ايران بعد ما حدث يوم العيد في العراق. اضاف أن موقف ايران المعادي للسياسة الأميركية والإسرائيلية حقق لها شعبية واسعة في الشارع الأردني وإبان العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان حين حظيت ايران بدعم أكبر لوقوفها الى جانب "حزب الله" وسوريا في مواجهة "العدو المشترك".
في المقابل، كان الشارع الأردني غير راض عن السياسة الإيرانية تجاه العراق. ومع وصول المزيد من المعلومات عن التدخل الإيراني "الطائفي" في العراق ودعمه فرق الموت والميليشيات الطائفية ووقوفها خلف مخطط واسع لاغتيال المئات من العلماء والعسكريين العراقيين، بدأت الأصوات ترتفع مطالبة طهران بتغيير سياستها في العراق ودعم المقاومة العراقية التي تخوض مواجهة باسلة مع قوات الاحتلال الأميركي.
وكان السؤال في هذا المجال محيّراً بالنسبة للكثيرين، لماذا تدعم ايران المقاومة في لبنان وفلسطين وتقف ضدها في العراق مع أن العدو في الحالين واحد؟.
بعد إعدام الرئيس العراقي ساد انطباع عام لدى النخب السياسية المعارضة بأن ما يهم ايران هو مصالحها بالدرجة الأولى وأطماعها في العراق ورغبة دفينة بالانتقام من حكم صدام حسين، وإذا كان هذا الان يتطلب تحالفا سافرا مع أميركا في العراق فليكن.
وشكّل هذا الاستنتاج صدمة لكثيرين لم يرغبوا في الوصول إليه حفاظا على تماسك ما عرف بجبهة الممانعة في المنطقة، لكن الانسجام الذي ظهر في مواقف ايران وإسرائيل وأميركا بعد إعدام صدام حسين هو الذي استفز المشاعر القومية في الشارع الأردني ودفع بالمتظاهرين الى وضع الدول الثلاث في سلة واحدة وعلى لافتة واحدة أيضا.
الأطراف الأخرى في جبهة الممانعة وتحديدا "حزب الله" و"حماس" اللذين يكنّ الشارع الأردني احتراما كبيرا لهما، تضررا قليلا من جراء الموقف من ايران.
الملايين الذين وقفوا الى جانب "حزب الله" وهو يخوض حربا ضد إسرائيل، يتمنون منه موقفا غير الموقف الإيراني يؤكد فيه صورته كحزب عروبي خارج الحسابات الطائفية والمذهبية الضيقة، لكنه وللأسف لم يفعل ذلك حتى الان.
"حماس" المتحالفة كليا مع ايران تواجه المأزق نفسه، فهي من جهة أولى لا تجد حليفا غير ايران يقدم لها الدعم، ومن جهة أخرى تخشى أن يؤدي تحالفها مع طهران الى تأكل شعبيتها في الشارع وخاصة ان الأخيرة مستمرة في دعمها القوى الانعزالية في العراق.
وأبدى مسؤولون أردنيون قلقهم من ظهور حالات مقلقة حول بدايات انتقال الفرز الطائفي السنّي ـ الشيعي من العراق إلى الأردن بعد إعدام صدام الذي كان ولا يزال مضرب مثل لدول الجوار والإقليم في التعايش السلمي بين الطوائف والأعراق والاثنيات المختلفة التي تمازجت وتكاملت لتشكل هوية وثقافة وتراث مرحلة ما بعد الاستقلال.
ويرى الكثير من العراقيين تغييرا في مقاربة الأردنيين ولا سيما بعد خروج المارد الشيعي من قمقم النظام البعثي السابق في ظل جغرافية سياسية جعلت من ايران التي حاربت العراق بين عامي 1980 و1988 داعما لوجيستيا لهذا التحول.
وترى المحللة السياسية رنا الصباغ أن "تغلغل إيران في العراق وتغذية انطباعات حول تأييد شيعة العراق لعملية إزاحة نظام صدام البعثي، عمقت زيادة مخاوف الفرز الطائفي على خلفية الاصطفافات السياسية الجديدة في الإقليم، الأمر الذي بان جليا بعد إعدام صدام في عملية تشهد بدايات قلب المزاج الشعبي الأردني ضد ايران و"حزب الله" و"حماس" وكيلي طهران في العالم العربي".
ويردّد عراقيون مقيمون في الأردن قصصا مزعجة عن تنامي مسلكيات سلبية تعكس طريقة جديدة في التعامل معهم لم تكن موجودة قبل عام وخاصة في المناطق الشعبية والأحياء المكتظة وسط العاصمة مثل المحطة والهاشمي الشمالي وطلوع المصدار التي زارها بعض الصحافيين أخيرا، ويرافق ذلك ندّية وحدّة في التعامل بين العراقيين أنفسهم.
وتقول الصباغ ان "صداقات كثيرة انهارت بين عراقيين يقيمون في المملكة خلال السنتين الأخيرتين. وإن تعمقت بعد اتضاح دور الميليشيات الشيعية الصدرية والحكيمية وفرق الموت مقابل المقاومة السنية وعمليات القاعدة في عمليات ثأر مقززة تجلت بنثر جثث من دون رؤوس أو أطراف ملقاة على أكتاف الشوارع".
وانعكست مشاعر الكراهية بفعل الاحتقان والاقتتال الطائفي على الأردن المعروف بأنه دولة سنيّة خالية من الحواجز الطائفية أو المذهبية، ويتضح الانقسام والتوتر يوما بعد يوم.
لا شك في أن الاردن لن يفوّت تلك الفرصة الثمينة المتاحة الان اثر الانقلاب السياسي "الأبيض" في الشارع الأردني على خصومه السياسيين (ايران وحزب الله)، وفي المشهد الخلفي حماس وجماعة الإخوان المسلمين لتذكية هذا التنافر، وربما التعجيل في إجراء الانتخابات البرلمانية المقررة دستوريا في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل والمعلق موعدها حكوميا تحسبا من استغلال الإسلاميين للتعاطف الواسع للأردنيين مع "حماس" و"حزب الله" وإيران.