جريدة الجرائد

العراق من العنف الطائفي إلى خطر التقسيم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الجمعة 12 يناير 2007

إسحاق نقاش

بعد انقضاء أكثر من عام على الانتخابات البرلمانية التي شهدها العراق في شهر ديسمبر من عام 2005 وما أسفرت عنه من صعود حكومة شيعية إلى السلطة لفترة أربع سنوات مقبلة، يبدو أن البلاد تشرف اليوم على حرب أهلية واسعة قد تفضي ليس فقط إلى تقسيم العراق، بل أيضاً إلى زرع بذور عدم الاستقرار في عموم منطقة الخليج، فضلاً عن إعادة صياغة الشرق الأوسط برمته. فلفترة وجيزة عقب الانتخابات تصورنا أن آفاق التسوية والتعايش بين حكومة جديدة، يسيطر عليها الشيعة، وبين السُّنة باتت وشيكة، إلا أنه طيلة المدة التي سبقت إعدام صدام حسين في الشهر الماضي، تقهقرت إلى الوراء آمال التصالح. فقد أدت عملية الإعدام إلى تأجيج العلاقات بين السُّنة والشيعة لتصل إلى نقطة الانفجار، مثيرة بذلك العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد أخطأت في اعتمادها الكلي على الشيعة لإعادة إعمار العراق.
وتُعزى العلاقة المتردية بين السُّنة والشيعة في العراق إلى تضافر مجموعة من العوامل يأتي في مقدمها تفجير المزارات الشيعية في سامراء على يد "جهاديين" سُنة، وهو العمل الذي أدخل البلاد في دوامة العنف والانتقام المتبادل. وقد شكلت تلك التفجيرات في شهر فبراير الماضي، فضلاً عما تلا ذلك من اقتتال طائفي للسيطرة على بغداد، مؤشراً واضحاً على فشل الولايات المتحدة في توفير الأمن للعراقيين، وهو ما أضعف كثيراً العملية السياسية الناشئة في البلاد. وفي خضم العنف الطائفي المستشري، فقد الشيعة الثقة في قدرة الأميركيين على حمايتهم وجعلهم ذلك يلتفون حول ميلشياتهم المسلحة التي يشكل "جيش المهدي" التابع لرجل الدين المتشدد مقتدى الصدر أبرزها في الساحة العراقية. وأمام هذا الوضع لم يجد السُّنة من حل سوى تأييد التمرد والاحتماء به.
وطيلة فترة الأحد عشر شهراً التي أعقبت تفجيرات المزارات الشيعية، توقفت الحكومة العراقية عن إبداء أية إشارة تفيد بأنها مستعدة للتعاون مع السُّنة، وفشلت تماماً في القيام بخطوات حقيقية لاستكمال ترتيبات اقتسام السلطة. ومن جانبهم رفض السُّنة العراقيون تقبل واقع فقدانهم للسلطة، ورفضوا التصالح مع حقيقة وجود حكومة شيعية تحكم العراق؛ وبدلاً من ذلك أصروا على مطلبهم في الحصول على 40% من مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية (رغم أنهم بالكاد يشكلون 20% من مجموع سكان العراق). وهكذا وصلنا اليوم إلى مرحلة حرجة للغاية تواجه فيها الولايات المتحدة، إلى جانب الدول المجاورة للعراق، تداعيات العنف في بلاد الرافدين وتهديده للاستقرار في الشرق الأوسط، فضلاً عن مكانة واشنطن في المنطقة. ويبدو أن العراقيين شرعوا مسبقاً في تحضير أنفسهم لإمكانية تقسيم العراق كما تدل على ذلك المعركة الجارية حول بغداد والتي تسعى الميلشيات الشيعية من خلالها إلى طرد السُّنة من أحياء بكاملها على أمل أن يتمكن الشيعة في المستقبل من ضم العاصمة بغداد، بعد إفراغها من السُّنة، إلى المحافظات التسع الجنوبية ذات الأغلبية الشيعية. والأكثر من ذلك لم يعد الصراع الطائفي منحصراً في العراق، بل امتد إلى لبنان والدول النفطية في الخليج لتتوتر العلاقات بين المسلمين السُّنة والشيعة في المنطقة.
ورغم عدم وجود أية ضمانة تؤكد أن اتخاذ إدارة الرئيس بوش لمسار معين سيمنع انزلاق العراق إلى حرب أهلية وتقسيمه، فإن ذلك لا يمنع من المحاولة. فالعراق ينطوي على أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة، لذا فإن أية تجزئة للعراق ستنال من المكانة الأميركية في المنطقة. ولعل الأخطر من ذلك هو تدخل القوى الإقليمية مثل إيران وسوريا، وخاصة تركيا التي لن تسمح بتقسيم العراق وقيام دولة كردية على حدودها. ولتفادي الخسارة المادية والبشرية الهائلة في حال اندلاع حرب أهلية تؤدي إلى تقسيم العراق لابد أن تبذل الولايات المتحدة محاولات اللحظة الأخيرة لجمع العراقيين حول طاولة النقاش. وحتى يحافظ العراق على وحدته يتعين على الولايات المتحدة البدء بتأمين بغداد كشرط أساسي لإنعاش العملية السياسية. وتحتاج الإدارة الأميركية أيضاً إلى إشراك دول الجوار لإخماد العنف في العراق وإعادة إدماجه ضمن محيطه العربي.
ولابد لأية مقاربة إقليمية ناجحة أن تشرك السعودية باعتبارها قائدة المسلمين السُّنة، ونظيرتها الشيعية إيران، في إطار من التعاون الثنائي ينكبُّ على حل القضايا الأمنية التي تكاد تمزق العراق وتمتد إلى عموم المنطقة. والواقع أن ذلك التعاون، الذي بدونه يستحيل إنجاح أية مبادرة إقليمية، مازال بعيد المنال في ظل أجواء عدم الثقة السائدة بين البلدين. وفي النهاية ومهما بلغت الجهود الأميركية لا تستطيع الولايات المتحدة إرغام العراقيين على التوصل إلى توافق سياسي بينهم، لأنها مسؤولية العراقيين بالدرجة الأولى، لاسيما الرموز الدينية مثل علي السيستاني الذي آثر في الشهور الأخيرة الانسحاب من الحياة السياسية. وفي هذا الإطار يتعين على الشيعة توسيع الائتلاف الحاكم ليشمل السُّنة وتحجيم نفوذ مقتدى الصدر داخل الحكومة، وهي الخطوة التي لا تتعارض بالضرورة مع وحدة الصف الشيعي.
وبالإضافة إلى ذلك يتعين على جميع الأطراف العراقية من أكراد وسُنة وشيعة الاجتماع مجدداً لاستكمال كتابة الدستور العراقي، والاتفاق على آليات عادلة لاقتسام عائدات النفط، وحل الميلشيات المسلحة، أو إدماجها في الجيش العراقي.


أستاذ الدراسات الإسلامية وشؤون الشرق الأوسط بجامعة "برانديس" الأميركية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف