زعماء آخرون لكل التركمان
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة 12 يناير 2007
ف. ستيفن لارابي ـ بروجيكت سنديكيت
الموت المفاجئ لأي دكتاتور يكاد يؤدي دوماً إلى إحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي. إلا أن خطورة الموقف تتضاعف حين يفرض ذلك تهديداً بزعزعة الاستقرار في إقليم كامل وإحداث حالة من الصراع على النفوذ بين القوى العسكرية العالمية العظمى ـ الولايات المتحدة، وروسيا، والصين.
كانت وفاة سابارمورات نيازوف دكتاتور تركمانستان مدى الحياة، والذي كان قد أعلن نفسه زعيماً لكل التركمان، على نحو مفاجئ في شهر كانون الأول الماضي، سبباً في تهديد الاستقرار في البلد الذي أصبح ذا أهمية متزايدة كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا. والأسوأ من هذا أن وفاته قد تؤدي إلى عواقب غير مباشرة في كافة أنحاء آسيا الوسطى بسبب غياب خليفة واضح له وبسبب ضعف مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات السياسية الأخرى هناك.
الحقيقة أن وفاة نيازوف تسلط الضوء على المشاكل الأعمق التي تعاني منها الأنظمة الحاكمة في آسيا الوسطى في فترة ما بعد الحكم السوفييتي، والتي تدار كلها، باستثناء قيرغيزستان، بواسطة زعماء من بقايا العصر السوفييتي، الذين على الرغم من أنهم ليسوا على نفس القدر من الأنانية وحب الذات مقارنة بالرئيس نيازوف، إلا أنهم لا يتسامحون إلا قليلاً مع أي انشقاق أو معارضة. وأغلب هذه الزعامات من المتقدمين في السن، حتى أن بعضهم يعاني من اعتلال في الصحة. وعلى هذا فمن المحتم أن تواجه آسيا الوسطى خلال السنوات القليلة القادمة تغييراً في الزعامات على العديد من الجبهات، ومن المتوقع في نفس الوقت أن تكون الأجهزة الأمنية ـ التي لعبت دوراً حاسماً في دعم أنظمة هذه البلدان، كما هي الحال في تركمانستان ـ من أهم الجهات الفاعلة في هذا السياق.
إن ما سوف تؤول إليه هذه التحولات يشكل أهمية كبرى لعدد كبير من الأسباب. الأول أن آسيا الوسطى تعد مصدراً مهماً للطاقة. فمنطقة بحر قزوين تنتج 2% إلى 3% من موارد النفط المعروفة على مستوى العالم ـ وهو ما يوازي كامل إنتاج بحر الشمال من النفط. ومع أن هذا يقل كثيراً عن مخزون المملكة العربية السعودية أو إيران من النفط، إلا أن نفط بحر قزوين قد يشكل أهمية كبرى إذا ما انخفضت معدلات إنتاج النفط في أماكن أخرى لأسباب سياسية.
تنتج كازاخستان القسم الأكبر من النفط في منطقة بحر قزوين، الأمر الذي يمنح هذه الدولة دوراً حيوياً في سوق الطاقة الإقليمية. فضلاً عن ذلك فقد تزايدت أهمية كازاخستان على الصعيد الإستراتيجي نتيجة للتوقعات الأخيرة بأن يتجاوز إنتاج حقل كاشاجان للنفط التوقعات الأولية بنسبة 25%.
كما أن كازاخستان وتركمانستان من بين الدول الرئيسية المصدرة للغاز الطبيعي. وتعتمد روسيا إلى حد كبير على الغاز التركماني للاستهلاك المحلي والتصدير إلى الخارج، وهو الأمر الذي قد يشكل أهمية قصوى مع ارتفاع الطلب خلال العقد القادم.
السبب الثاني أن تغيير الزعامات في وسط آسيا قد يغري القوى الخارجية باستغلال حالة عدم الاستقرار المترتبة على ذلك التغيير في توجيه صراعها من أجل فرض نفوذها هناك. ولأن الإقليم كان يشكل جزءاً من الاتحاد السوفييتي والإمبراطورية الروسية، ينظر الكرملين تحت زعامة الرئيس فلاديمير بوتن إلى المنطقة باعتبارها جزءاً من الامتداد الطبيعي للنفوذ الروسي. والحقيقة أن الجهود التي يبذلها بوتن لتحويل روسيا إلى قوى عظمى في مجال الطاقة واستخدام الطاقة كأداة لتوجيه السياسة الخارجية الروسية، تزيد من الأهمية الإستراتيجية التي تتمتع بها المنطقة.
فضلاً عن ذلك فقد سعت الصين طيلة العقد الماضي إلى تحسين الروابط التجارية بينها وبين آسيا الوسطى، الأمر الذي يعكس مصالحها المتنامية هناك. ولا تقتصر أهمية المنطقة على الوفاء باحتياجات الصين المتنامية من الطاقة، فالسلطات الصينية مهتمة أيضاً بالضغوط التي يمارسها الانفصاليون من السكان الأوغور في إقليم زنجيانج، وتأثير الروابط القائمة بين الأوغور ودولتي كازاخستان وقيرغستان المجاورتين.
ومثلها كمثل روسيا، ترغب الصين في تقليص الوجود العسكري للولايات المتحدة في آسيا الوسطى. ولقد سعت كل من القوتين إلى استخدام منظمة شنغهاي للتعاون ـ وهي المجموعة الإقليمية التي تضم، روسيا، والصين، وأوزباكستان، وقيرغستان، وكازاخستان، وطاجيكستان ـ كأداة للضغط على الولايات المتحدة وإرغامها على سحب قواتها العسكرية من المنطقة. إلا أن هذا التعاون يشكل زواجاً تكتيكياً قصير الأمد وليس تحالفاً إستراتيجياً ناشئاً. أما على الأمد البعيد فمن الأرجح أن تتحول روسيا والصين إلى قوتين متنافستين لاكتساب القوة والنفوذ في آسيا الوسطى.
وقد تنظر إيران أيضاً إلى التحولات في آسيا الوسطى باعتبارها فرصة لتوسيع نفوذها الإقليمي، ويرجع ذلك بصورة خاصة إلى الروابط العرقية والثقافية القوية التي تربطها بطاجيكستان، وإلى حدودها الطويلة مع تركمانستان. ومثلها كمثل الصين وروسيا، لا ترغب إيران في قيام الولايات المتحدة بسد أي خواء أمني قد ينشأ كنتيجة لتغيير الزعامات في آسيا الوسطى.
أما باكستان والهند - والأخيرة بصورة خاصة- فسوف تحرصان على المراقبة الدقيقة لما ستؤول إليه الأوضاع هناك. فلكل من الدولتين مصالح إستراتيجية متنامية في المنطقة. ومثلها كمثل الصين، تنظر الهند إلى آسيا الوسطى باعتبارها موردا مهما للطاقة في المستقبل. ونتيجة لهذا فقد شرعت الصين بهدوء في تعزيز روابطها العسكرية مع بلدان المنطقة، وبصورة خاصة طاجيكستان، حيث أنشأت لها قاعدة عسكرية صغيرة.
وأخيراً، قد تتسبب التحولات في آسيا الوسطى في التأثير بصورة واضحة على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. وما دامت الولايات المتحدة متورطة عسكرياً في أفغانستان، فلسوف يظل الوصول إلى المرافق في وسط آسيا على قدر كبير من الأهمية. وبخسارة فرصة استغلال القاعدة العسكرية في كارشي خاناباد في أوزباكستان، يصبح الوصول إلى مطار ماناس في قيرغيزستان الوسيلة الرئيسية لإعادة إمداد قوات الولايات المتحدة في أفغانستان من وسط آسيا.
إلا أن الوضع السياسي في قيرغيزستان أبعد ما يكون عن الاستقرار، حيث يتصاعد السخط الشعبي إزاء حكم الرئيس كورمانباك باكاييف. وقد يعجل تغيير الزعامات أو تزايد الضغوط الروسية والصينية على القيادات في قيرغيزستان بالدعوة إلى إعادة المفاوضات الخاصة بالاتفاق بشأن الوصول إلى مطار ماناس ـ أو حتى المطالبة بإنهاء المفاوضات برمتها.
أطلق المؤرخون على الصراع على السيادة في وسط آسيا بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية أثناء القرن التاسع عشر "اللعبة الكبرى". أما اليوم فقد ارتفع عدد اللاعبين وتصاعدت قيمة الرهان ـ أمن الطاقة في المقام الأول. لقد بات من المحتم أن تواجه الولايات المتحدة، والهند، وأوروبا، واليابان توتراً متزايداً بين احتياجاتها العسكرية في المنطقة على الأمد القصير وبين أهدافها بعيدة الأمد فيما يتصل بتعزيز الإصلاح السياسي من أجل ضمان شركاء أكثر استقراراً.
ولسوف ينحصر التحدي الأساسي خلال الأعوام القادمة في إيجاد التوازن المناسب بين هذين الهدفين. ونظراً للتوقعات الخاصة بتغيير الزعامات وزعزعة الاستقرار نتيجة لذلك، فقد أصبحت مواجهة هذه التحدي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى.
ف. ستيفن لارابي يشغل منصب الرئاسة الموحدة للأمن القومي لدى مؤسسة "راند" RAND، وهي منظمة بحثية لا تسعى إلى تحقيق الربح.
"الغد"