الأردن: أزمات العراق وفلسطين والثلوج... تعصف بحكومة البخيت
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إعدام صدام يثير إرباكاً حكومياً وتململاً نيابياً ...
عمّان - رنا الصباغ
دخلت حكومة رئيس الوزراء الاردني معروف البخيت العام الجديد على ساق خشبية، بعدما فشلت في إدارة سلسلة أزمات داخلية وخارجية متلاحقة ما عكس محدودية الخبرة وارباكاً في أداء الوزارات على رغم التعديل الحكومي الأخير, ما قد يدفع الى تقصير عمر الحكومة.
سياسيون وبرلمانيون اردنيون على صلة بمواقع القرار قالوا لـ "الحياة" ان سيناريو تغيير الحكومة اصبح وارداً بقوة، وتابع أحدهم: "يبدو ان الرئيس آتٍ من المؤسسة العسكرية وسيكون اقرب الى اليمين المحافظ". وأشار الى سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية ظهرت فيها حكومة البخيت وكأنها فقدت السيطرة تماماً، ولفت الى الارتفاع الجنوني لأسعار المواد الغذائية، لا سيما الرئيسة منها كالخضار والدجاج واللحوم". وأضاف: "يبدو أن السحر انقلب على الساحر لأن التعديل أضعف الحكومة بدلاً من أن يقوّيها ويجعل فريقها الاقتصادي أكثر تناغماً ضمن برامج محددة لمواجهة تحديات داخلية وخارجية في الأفق. فالحكومة تواجه تحديات تحسين الظروف المعيشية والاقتصادية ومكافحة الفقر والبطالة ومطالب شعبية متمثلة برفع رواتب موظفي الدولة، بينما تمر المنطقة بحروب أهلية في فلسطين والعراق، فيما يواجه لبنان أزمة سياسية طاحنة".
لاحت علامات ضعف الأداء حين ارتبكت الحكومة في التعامل مع اقتراح العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "وبصحبته" رئيس الوزراء اسماعيل هنية لعقد اجتماع في عمان في محاولة لحقن الدماء الفلسطينية وإنجاح جهود تشكيل حكومة وحدة وطنية قادرة على فك الحصار المالي والسياسي عن حكومة هنية، وسحب البساط من تحت أقدام اسرائيل والادارة الاميركية التي تصر على عدم وجود شريك فلسطيني فاعل للتفاوض معه.
الارتباك الثاني الذي صدّع الحكومة كان حين اجتاحت عاصفة ثلجية جنوب المملكة في 28 كانون الأول (ديسمبر) فعزلت قرى بكاملها لعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة وتوفير الآليات، وحاصرت اكثر من 3000 مواطن تقطعت بهم السبل ما اضطر الجيش الى التدخل. وكشفت تلك الأزمة عجز أجهزة الدولة عن التعامل مع "تحدٍ بسيط وان كان متوقعاً". ثم جاءت مشكلة نقص المحروقات واسطوانات الغاز - ملاذ الفقراء في موسم الشتاء - خلال عطلة العيد وهي مشكلة مستمرة.
يوم الأحد الفائت أقر البخيت أمام مجلس النواب بتقصير حكومته في التعامل مع العاصفة الثلجية، وأعلن تشكيل لجنة وزارية لمراجعة الاجراءات المتخذة على أن تقدم تقريرها بعد أسبوع تمهيداً لمحاسبة المقصرين.
وبعد انقشاع العاصفة ظهرت ازدواجية في الموقف إزاء التعامل مع إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين. فانتقد عدد كبير من الوزراء بيان الحكومة المحايد, الصادر قبل نشر تفاصيل الإعدام المسيئة والذي اكتفت الحكومة فيه بالدعاء من أجل "الحفاظ على وحدة العراق"، من دون إدانة طريقة الإعدام التي أججت المشاعر الشعبية وحولت صدام "الجلاد" الى "ضحية وبطل قومي". وتدافع كتّاب أعمدة في الصحف الرسمية والخاصة لانتقاد موقف الحكومة البعيد من نبض الشارع.
في المقابل أعتبر مجلس النواب الاعدام "عملاً طائفياً مسيئاً لمشاعر العرب والمسلمين في ما انطوى عليه من طائفية هدامة وحقد اسود".
ووصل الاضطراب الى ذروته حين وقَّع 28 نائباً من اصل 110 بياناً طالبوا فيه الحكومة بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع طهران "لدورها في إعدام صدام" و "لدورها الهدّام في العراق". وطالب النواب بطرد السفير الإيراني واستدعاء السفير الأردني من إيران، وحضوا الحكومة على اعتماد موقف صريح لا يقبل "اللبس او التأويل في استنكار الجريمة البشعة" معتبرين ان "من غير المعقول ان يكون الشعب حزيناً على إعدام صدام والحكومة غائبة ولا موقف لها".
وفي رده على النواب، قال البخيت ان الحكومة تفكر بطريقة مختلفة عما يفكر به "الأفراد"، "فالحكومة تفكر بالذي يهمها وهو ما يخدم مصلحة الاردن، ومصالحنا أن يبقى العراق موحداً وأبناؤه موحدين وان لا ننحاز الى اي طرف، فالانحياز الى جهة يضر بمصالح الاردن".
لكن البخيت ليس مسؤولاً وحده عن صوغ السياسة الخارجية لبلاده. فهي من صميم عمل مجلس سياسات الدولة الذي يجتمع مرة أسبوعياً في الديوان الملكي برئاسة الملك ومشاركة أقطاب الحكم وبالتنسيق مع المؤسسات الأمنية.
ويقر مسؤولون أردنيون بأن هامش المناورة ضيق أمام الأردن الرسمي حيال "الجرح" الذي تركه إعدام صدام في أول أيام عيد الأضحى، وبأن الحكومة تمشي على حبل مشدود هذه الأيام وتكافح لتفادي فتح ملف صدام مرة أخرى تحت ضغط الشارع، لأن ذلك سيضع الدولة بين فريقين متقابلين يصعب إرضاؤهما.
مسؤول آخر يرى أن من الضروري "القفز فوق قضية الإعدام والاستعداد لمواجهة التحدي الأكبر المتمثل بأخطار تقسيم العراق وتعميق الفرز الطائفي وانعكاسات ذلك على المنطقة والأردن". ويضيف: "إذا استعملنا مفردات تدين الإعدام وتنتقد ممارسات حكومة نوري المالكي وطريقة تنفيذ العملية وتوقيتها، قد نكسب الشارع لكننا سنخسر أميركا والغرب", في إشارة الى الثمن السياسي والاقتصادي الباهظ الذي دفعته المملكة بعدما رفضت الانضمام الى التحالف الذي أخرج العراق من الكويت عام 1991 وسط شارع أردني ضاغط باتجاه تأييد صدام، حليف المملكة العربي الأول لأكثر من عقدين.
قبل تداعيات الاعدام بأسبوع، وضعت تصريحات وزير التنمية السياسية الجديد محمد العوران، الأمين العام لحزب "الارض العربية" ذي الجذور القومية، الحكومة في وضع حرج لم تتمكن من إخفائه. وكان العوران قال خلال ندوة حول واقع التنمية السياسية وطموحها انها "لن تتحقق الا من خلال بنية تحتية سياسية تحتاج إلى حكمة وجرأة وقانون انتخاب عادل يلغي قانون الصوت الواحد، وقانون أحزاب يشعر المواطن معه ان لا خوف عليه من التزامه في العمل الحزبي وقانون اجتماعات عامة يحمي حقوق المواطنين ويحترمها".
هذا الكلام ينطوي على تقارب شديد مع موقف المعارضة ويتناقض مع الموقف الرسمي الذي يفضل إبقاء القانون الحالي للحد من نفوذ التيار الإسلامي، وحتى لا يفتح الباب مجدداً أمام إعادة مناقشة معاهدة السلام المبرمة مع إسرائيل عام 1994. وتخشى الحكومة أيضاً فرض تعديلات دستورية قد تعمق الاحتقان السياسي الداخلي في غياب أحزاب وسطية، قومية وعلمانية قادرة على موازنة نفوذ "الإخوان المسلمين". وكل هذا وسط شكوك متنامية في إمكان اللجوء الى الخيار الدستوري والتمديد للمجلس النيابي الحالي سنة أو اثنتين.
وتكمن مشكلة الحكومة، بحسب سياسيين وبرلمانيين ومسؤولين سابقين معارضين للبخيت الذي لم يأت من أوساط النخبة السياسية، في أن التعديل الذي أجرته زاد ضعفها عندما أصر البخيت على اختيار معظم وزرائه الجدد بنفسه، رافضاً الالتفات الى نصائح مقربيّن وأطراف أخرى أساسية. وتلقى الرئيس نصائح باستبعاد العوران من الطاقم الوزاري وإخراج وزراء يحملون حقائب سيادية وأخرى للخدمات بسبب ضعف إمكاناتهم. لكن الرئيس اجرى تعديلات طفيفة على فريقه الاقتصادي وأبقاه برئاسة نائبه ووزير المال زياد فريز. ولربما ساهمت الحيثيات التي رافقت التعديل والأزمات المتلاحقة في تعميق شعور أصحاب الشأن بأن الاجندة الداخلية المتمثلة بمكافحة الفقر والبطالة والفساد، لم ترتق إلى مستوى توقعات القصر.
لكن تلك الازمات عمقت انطباعات شعبية ونخبوية وفي اوساط اطراف أساسية في الدولة بأن حكومة البخيت لا تزال ثقيلة الحركة وتستجيب ببطء شديد للأزمات وتفتقر الى "مطبخ" حكومي قوي ومستشارين قادرين على استشعار الأخطار واحتوائها قبل تفاقمها (اظهر استطلاع للرأي أجراه مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية قبل ايام ان الوضع الاقتصادي لـ60.3 في المئة من الاردنيين بات أسوأ مما كان عليه).
بطء الأداء الحكومي ظهر واضحاً الشهر الماضي حين زار الملك عبدالله قرى جنوبية للتأكد من بدء العمل في مشاريع، كان وعد بها ابناء المناطق التي تفقدها قبل سنة، وخرجت الصحف لتؤكد ان الملك وعد ونفذ وان ذلك الأسلوب يجب ان يصبح اساس العمل الحكومي الذي يقاس ببرامج زمنية ضمن أطر واضحة.
ومع أن أطرافاً أساسية تُبدي انزعاجها من أداء الحكومة الذي تعتبره ضعيفاً، لا يتوقع سياسيون وبرلمانيون التقتهم "الحياة" تغييراً حكومياً وشيكاً، لكنهم لا يستبعدونه بعد نهاية الدورة الحالية والأخيرة لمجلس النواب في 28 آذار (مارس) المقبل.