أم كلثوم: هل نسائلها عن مرض حب الطغاة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صافيناز كاظم
"قلبي يكمخ الشاي مثلك يا قوري"، هذا مطلع أغنية تراثية من أغنيات الشعب العراقي ومعناه: قلبي، من اشتعاله، يسوي الشاي مثلك يا إبريق. وقبل أن أكتب "إبريق" كدت أقول "براد"، فنحن في مصر نسميه "براد شاي"، نعم: الناس "تسخن الشاي" ونحن "نبرده"، وأنا أتمنى أن أفلح في تبريد ما يشتعل في قلبي من ألم وحسرة وغيظ بسبب هؤلاء الذين رأوا أنه من "الإنسانية" أن "يبقششوا" على السفاح من جيب الضحايا، وما دام المثل القائل "كبّب، سقّي، كُل يا مدهي" لا يزال هو المرشد في لغط المتكلمين فلماذا لا تسود صيحات الصخب المنادية بضرورة عودة المستبد الجزار السفاح بدعوى أنه الدواء الناجع لقهر المحتل الأجنبي، ولم شمل الأمة وانضباطها في زنزانة الخوف؟
كأن المستبد الجزار السفاح قد غادرنا، وكأنه ليس قرين المحتل الأجنبي، وكأنه ليس الذي مهد له وأفسح له السبيل ليغرس نصله المسموم في الجسد المنهك.
لم يتحول الجلاد إلى ضحية كما تصور البعض، كلا، فالذي رصدته أن من سالت دموعهم لحظة القصاص كانوا ينتحبون افتقادا لـ"قسوة الجلاد"، وإعجابا بثبات الدجال الذي أخذته العزة بالإثم وتزين له ولهم سوء عمله فرآه ورأوه حسنا.
تأملوا معي المعاني التي تغنى بها كبار مطربينا، وعلى رأسهم أم كلثوم وعبد الوهاب، تأملوا معي أغنية تدور مدلولاتها حول: "لي لذة في ذلتي وخضوعي/ وأحب بين يديك سفك دموعي"، وكانت من أشهر أغنيات أم كلثوم في مطلع القرن العشرين، وتابعوا القائمة الطويلة والتراث المتراكم من أغنيات وأشعار الحب المتسول الخانع الذي يرفع شعار غناه عبد الوهاب: "أحبه مهما أشوف منه ومهما الناس قالت عنه..... بيظلم فيّ وبحبه وده قاسي عليّ وبحبه...آه...آه...آه...أنا أحبه". وحين يخطر ببال مشمئز من هذا الانسحاق أن يقول: "حبك برص"، يطلع من يعود بعبد الوهاب يرد مؤكدا: "مولاي وروحي في يده/ قد ضيعها سلمت يده...."، وتزاحمه من تقول: "يا لايمين في الهوى حوشوا الملام عني".
ولأن أم الكلثوم هي قمة الغناء والطرب، فقد يجوز لنا أن نحملها مسئولية إشاعة مرض حب الطغاة، فلقد أبدعت، من بدايتها إلى نهايتها هي ومؤلفوها وملحنوها في تزكية ذلك الاتجاه المؤدي إلى الابتلاء بحب الظالم، المفتري، الوغد، الذي يمسح بالمغرمين البلاط ويعصرهم ويرميهم في الجردل، ثم يسعف بهم السقف - بصفتهم رأس عبد - ويملأهم بالعناكب ومع ذلك يغنون خلفها بتناحة:
"صعبان علي أقول لك كان والحب زي ما كان وأكتر/ وأفكرك بليالي زمان وأوصف في جنتها وأصور....أيام ما كنا احنا الاتنين: إنت ظالمني وأنا رااااااااضي! وحين يحاول أحدهم أن يستعين بعبد الوهاب: "أوعى يا قلبي تكون حنيت للي شكيت منه وبكيت...."، تأتي أم كلثوم بالحجة: "...إنت العذاب والضنى والعمر إيه غير دول؟"، ويستسلم القطيع لمصاص الدماء النموذج في أغنية: "يا للي كان يشجيك أنيني.. كل ما اشكي لك أسايا"، ومع هذه الاستكانة المروعة، لهذا الذي يشجيه الأنين، تصهلل أم كلثوم: "عزة جمالك فين من غير ذليل يهواك..."، ومعها جماهير السرادقات الذين وقعوا في براثن حب القتلة والسفاحين يواصلون التلذذ بجعير غليظ تبثه الفضائيات: "كان منايا يطول حنيني.. للبكا وإنت معايا"!