جريدة الجرائد

بين «الحل» العراقي .. و«الحل» السويسري

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إياد أبو شقرا

التقيت بالأمس بصديق ناقشني بخصوص مقالة لي نشرت يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي حول لبنان، اعتبرت أن استقالة الوزراء الشيعة أكدت "... أن محاولات التمويه أضحت مستحيلة. وأن لبنان (غدا) بحاجة إما إلى مؤتمر تأسيسي جديد قد لا يكون حظه من النجاح أكبر من حظوظ سابقيه ـ وآخرهم "الطائف" ـ ، أو إلى ترتيب بنيوي مختلف تماماً عما جرّبه اللبنانيون من قبل، أو إلى "العرقنة" الكاملة المفضية إلى المجهول".

ومما قاله لي، إنه استنتج من كلامي تفضيلي الحل الثاني.. أي "ترتيب بنيوي مختلف عما جربه اللبنانيون من قبل". ومضى قائلاً إن كلامي "يدعو إلى خطوة باتجاه التقسيم أو الفيدرالية... أو على الأقل اللامركزية الإدارية". لكنه ـ أي صديقي ـ ليس واثقاً "من أن الظروف داخل لبنان وحوله تسمح بذلك مع أن حلاً كهذا يبدو أهون الشرّين. بل أن اتفاقات الطائف نفسها نصّت على اللامركزية الإدارية وإنشاء مجلس شيوخ".

وتابع الصديق "أنت تعرف، ولا شك، أن اتفاقات الطائف لم تطبّق إلا بالنسب الموافقة لمصالح أهل الحل والعقد في دمشق، وأن ثمة "فيتو" سورياً على اللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ. بل وتعرف أيضاً أن اتفاقات الطائف لقيت رفضاً معلناً من قبل المتطرفين المسيحيين الساخطين على تقليص امتيازات رئيس الجمهورية، وتحفظاً مستتراً من المتطرفين الشيعة الذين تقبّلوا الطائف على أساس أنه مجرد "محاصصة" مؤقتة يمكن قبولها مرحلياً بالتوازي مع ما تقدمه لتنامي حجم الكتلة السكانية الشيعية في البلد ونفوذها فيه. واليوم ـ والكلام ما زال لصديقي ـ تفضح وثيقة تحالف "حزب الله" مع جماعة ميشال عون الحقيقة المغيّبة عن الموقف الفعلي للجانبين من الطائف، وزكّت هذا الانكشاف مقالات صحيفة "كيهان" الإيرانية حول أن حصّة شيعة لبنان من الطائف ما عادت تتناسب مع حجمهم السكاني ونفوذهم السياسي.

وخلص صديقي إذ ذاك إلى التساؤل "هل في ضوء التطورات المحلية، وما تستثمره إيران استراتيجياً، وفي موقف دمشق المكشوف إزاء الوضع اللبناني ... أي إمكانية لإقرار ما تحبذه"؟

طبعاً، وافقت صديقي على كلامه لأنه لا يخلو من الواقعية.

فمشروع إصلاح بنية الكيان اللبناني لا يمكن أن يقتصر على المعطيات اللبنانية وحدها. وشخصياً، من منطلق إيماني بالعروبة التقدمية الديمقراطية، أخدع نفسي إذا توهّمت ولو للحظة إمكانية ايجاد حلول "انعزالية" لكل كيان من كيانات المنطقة على حدة.

فكياناتنا غير معزول أحدها عن الآخر، و"حدودنا" الجغرافية حدود اعتباطية رسمها المحتل (او القوة المنتدبة). وبالتالي، سيكون من الغباء الانزلاق نحو إدانة أنفسنا نحن العروبيين التقدميين والديمقراطيين بأننا ننفذ هدف العدو الداعي إلى تدميرنا... بينما الذي يفعل ذلك حقاً هو الأنظمة الطائفية والديكتاتورية الموغلة في الفساد والقمع الدموي... المتشدقة بـ"صمود" كاذب و"عروبة" مزيفة تمعن صباح مساء في إهانتها وتشويهها.

إن الترابط العضوي بين كيانات المنطقة يفرض التفكير جدياً في استحالة إنجاز تحول حقيقي نحو الديمقراطية والسلم الأهلي في بلد ما... قدره أنه يجاور بلداً ينتهج نظاماً فاشياً قمعياً.

يستحيل السير قدماً في مشروع "الدولة" في أي بلد عربي تقاسمه حدوده بلدان شقيقة ترفض الاعتراف به كـ"دولة".

يستحيل الرهان على تعايش أو تفاعل حضاري داخلي سليم يحفظ حقوق الطوائف ويكبح أطماعها في أي كيان عربي ... في ظل كيانات طائفية مجاورة.

يستحيل الحفاظ على الأمن في أي كيان عربي ما لم تؤخذ في الاعتبار طبيعة المتغيرات الإقليمية التي ستمسّ نسيجه الداخلي ... شاء أهله أم أبوا.

إن هجمة "المحافظين الجدد" الأميركيين على المنطقة العربية بحجة ضرب "الإرهاب" ونشر الديمقراطية، ربما كانت لها مقاصد طيبة. ولعلها في فترة من الفترات أقنعت أصحابها بأن الديمقراطية الحقيقية تمنع تنامي الإحباط ... الذي هو الأرض الأخصب لنمو "الإرهاب".

ولكن ما حصل في العراق دلّ على اختلاف أولويات التحالف الأميركي المحافظ الذي خطّط لغزو عام 2003. فالكتلة الصهيونية الليكودية التي شقت الإجماع المحافظ وبادرت إلى انتقاد تعاطي واشنطن مع الملف العراقي أدركت ـ منذ فترة ـ أن الغاية الأولى على قائمة أولوياتها الإقليمية تحققت بزجّ العراق في حرب أهلية ستؤدي لسنوات عديدة مقبلة إلى تحييده عن الصراع العربي الإسرائيلي. وهي حالياً تتابع بعناية الغايات التالية التي قد لا تتفق تماماً مع شركائها في التحالف المحافظ الذي يشكل الرئيس جورج بوش واجهته. الاختلاف الكبير بين مرئيات لجنة بيكر ـ هاملتون للوضعين العراقي والإقليمي وبين الاستراتيجية التي أعلنها بوش أخيراً سيشكل، إذاً، حالة مفصلية ... على كيانات المنطقة التحسب لتداعياتها، وبالذات العراق ولبنان وفلسطين.

أمام هذه الدول، طبعاً، إما خيار الحرب الأهلية على "الطريقة العراقية"... أو التفكير جدياً بصيغة تعايش غير إلغائي، وغير تهميشي، تحفظه "لامركزيات" أو "فيدراليات على النمط السويسري".

بناء على ما أعرفه عن واقع العراق ولبنان وفلسطين ... أنا ممن يفضلون النموذج السويسري، وبخاصة عندما تستوعب الدول الجارة ما حصل لألمانيا مرتين خلال القرن العشرين!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف