جريدة الجرائد

بلير.. الأخ الأكبر

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

20 يناير 2007

خيري منصور

أطلقت صحيفة ldquo;الاندبندنتrdquo; على رئيس الوزراء توني بلير لقب الأخ الأكبر، وذلك بسبب ما سمته التلصص على أوضاع المهاجرين الى بريطانيا، وبالتالي التشبه بما فعله الرئيس بوش عندما سمح بالتنصت على الهواتف، واختراق أدق الخصوصيات بحجة الاحترازات الأمنية. والقارئ البريطاني لصحيفة ldquo;الاندبندنتrdquo;، سرعان ما يتسلم الرسالة، فالأخ الأكبر هو الاسم الذي يلعب دور البطولة في واحدة من أشهر روايات القرن العشرين، وهي رواية جورج أورويل ،1984 التي ألفها هذا الكاتب الإنجليزي المتشائم من مستقبل البشرية عام 1948.

الأخ الأكبر في الرواية تلاحق صورته الناس في كل مكان في الشوارع وغرف النوم والحافلات والحمامات أيضاً، إنه موجود في كل الأمكنة سواء من خلال صوره المتكررة أو الحالة الشبحية التي جعلت الناس يرونه على مدار الساعة، وإذا كانت رواية أورويل قد حاولت التنبؤ بمستقبل النظم الشمولية أو ldquo;التوتاليتاريةrdquo;، وبالتحديد الأحزاب الشيوعية، فإن الرأسمالية أيضاً لم تنجُ من هذه النبوءة، فهي التي تتولى تحقيقها الآن على الأقل في النطاق الأنجلوساكسوني، بدءاً من التلصص على الناس حتى

انتهاك خصوصياتهم من خلال رصد المكالمات الهاتفية والتقاط الصور.

ومن المعروف أن بريطانيا يوجد فيها أكثر من أربعة ملايين كاميرا موزعة في الشوارع والساحات العامة، مما دفع أحد المواطنين الإنجليز الى التندر على هذه الظاهرة قائلاً: سيأتي علينا يوم يصبح فيه لكل مواطن كاميرا، وذلك يوازي مقولة سابقة هي لكل مواطن شرطي.

ومن الواضح أن الإنجليز والأمريكيين بدأوا يشعرون بالاختناق والحصار، لأن كل حركة محسوبة وما من أسرار مسموح بها خارج الرصد والحواسيب وآلات التصوير.

فهل تصبح حرية الإنجليزي هي الثمن المطلوب من أجل تحقيق أمنه؟

الاستفتاءات التي راجت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول بينت في أكثر من ولاية أمريكية أن هناك متضررين من هذه المقايضة غير العادلة، وبعضهم رأى أن الحياة لا تساوي شيئاً إذا كان ثمن استمرارها هو الحرية. وعلّق آخر قائلاً، إن الموتى هم وحدهم الأحرار في مقابرهم، لأنهم لا يخافون الموت مرة أخرى.

هذه بعض محاصيل الحرب على الإرهاب، بل هي من نتاج الفلسفة المبتكرة التي تبرر الانتهاك والتلصص تحت مختلف الذرائع.

والنبوءات غالباً ما تجد مجالاً حيوياً للبرهنة على صدقها خارج النطاق الجغرافي الذي تولد فيه.

فالثورة الشيوعية قامت في موسكو وليس في شتوتجارت الألمانية أو ليفربول البريطانية ونبوءة جورج أورويل تتحقق الآن في لندن وواشنطن.

ونبوءة كونديرا التشيكي الذي قال إن الدولة الحديثة تزداد كثافة والفرد يزداد شفافية لم تصدق على براغ بقدر ما صدقت على عواصم أوروبية لم تشهد الدبابات الروسية في شوارعها كما حدث في ربيع براغ عام 1968.

إن العالم بدأ يضيق على ساكنيه، والوعود بالمزيد من الليبرالية المحسّنة والمعدّة للتصدير معفاة من الضرائب انتهت الى وعود عرقوبية، فالانكفاء أوشك أن يتحول الى دول تشبه الجيتوهات، وما كان وعداً بتحليق الإنسان خارج جاذبية الحدود الإقليمية أصبح حالة من التشرنق، وكأن التاريخ في ألفيته الثالثة يسير الى الوراء.

فأية مفارقة هذه.. حيث يتزامن التقدم التكنولوجي بكل منجزاته مع تخلف لا يليق بالقرن التاسع عشر؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف