اغتيال الصحافي الأرمني ’’دينك’’ يضيف تحديات جديدة أمام تركيا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أنقرة - حسني محلي
في الوقت الذي كان فيه المسؤولون الأتراك وفي مقدمتهم رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان يطلقون تهديداتهم التقليدية الخاصة بكركوك فوجئ الجميع بخبر اغتيال الصحافي التركي الأرمني هرانت دينك رئيس تحرير وصاحب صحيفة ldquo;أغوسrdquo; الأرمنية الصادرة في أسطنبول.
وتتالت تصريحات كل المسؤولين الأتراك ومنهم رئيس الجمهورية أحمد سيزر ورئيس الأركان الفريق أول يشار بويك أنيت ورئيس الوزراء أردوغان وزعماء جميع الأحزاب السياسية الذين استنكروا جميعا اغتيال دينك واعتبروا ذلك جريمة تستهدف وحدة تركيا وسمعتها إقليمياً ودولياً. باعتبار أن دينك معروف على الصعيد الأوروبي والأمريكي بعد أن حكم عليه العام الماضي بالسجن لمدة 6 أشهر مع وقف التنفيذ لاستحقاره الأمة والدولة التركية عندما تحدث عن المجازر التي تعرض لها الأرمن قبل 90 عاما.
وكان هذا الحديث كافيا لإثارة ردود فعل عنيفة في الشارع السياسي والشعبي التركي حيث اعتبر وزير العدل والناطق باسم الحكومة جميل شيشاك التصريح بمثابة خيانة وطنية فيما تعرض دينك لهجوم عنيف من مختلف الأوساط التركية التي شنت هجوما قويا عليه بعد أن تبنت العواصم والمؤسسات الأوروبية أقوال الروائي أورهان باموك ومنحته جائزة نوبل للأدب اثر قوله إن الأتراك قتلوا مليون أرمني و50 ألف كردي.
وتعرض دينك طيلة الفترة الماضية لتهديدات مباشرة وغير مباشرة من مجهولين وأحيانا من رسميين. وهو ما تحدث عنه دينك في آخر مقال له في صحيفة ldquo;أغوسrdquo; حيث أشار إلى لقائه مع مساعد محافظ مدينة اسطنبول بحضور شخصين هدداه أمام مساعد المحافظ من دون أن تكون هذه التهديدات كافية بالنسبة لسلطات الأمن حتى تضع دينك تحت الحراسة المباشرة بحجة أنه لم يطلب ذلك.
ومهما كانت أسباب وظروف الاغتيال والمسؤولين عنه، فقد بات واضحا أن تركيا ستواجه مشاكل جدية في علاقتها المستقبلية مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن والرأي العام الدولي الذي تذكر بهذه الجريمة ما يردده الأرمن منذ 90 عاما عن المجازر التي يقولون إن الأتراك نفذوها حيث أقرت برلمانات 19 دولة حتى الآن قرارات رسمية اعترفت بموجبها بهذه الاتهامات فيما أصدر البرلمان الفرنسي قانونا يعاقب كل ما ينكر المجازر الأرمنية بالسجن لمدة 3 أشهر مع غرامة مادية مقدارها 45 يورو. في الوقت الذي يستعد فيه الكونجرس الأمريكي لمناقشة الموضوع في 24 ابريل/ نيسان المقبل وهو التاريخ الذي أصدرت فيه الحكومة العثمانية قرارها بتهجير الأرمن من المناطق التي كانوا يسكنونها جنوب وشمال شرق تركيا الحالية قبل 92 عاما. ويقول الأرمن أن حوالي 1،5 مليون منهم قد لقوا مصرعهم خلال عملية التهجير هذه.
ومهما كانت النتائج المباشرة وغير المباشرة على العواصم الغربية والرأي العام الدولي فقد بات واضحا أن أنقرة ستواجه قريبا أزمة جدية في موضوع المجازر الأرمنية حيث ستستنفر ياريفان ومعها منظمات اللوبي الأرمني في أمريكا وأوروبا كل إمكانياتها لتضييق الحصار على تركيا لإجبارها على القبول بالمجازر التي كان الصحافي هرانت دينك يؤكد على حقيقتها لأنه وعائلته كانوا ضحايا لها.
وفي الوقت الذي تتخوف فيه الأوساط السياسية من أن تضع جريمة الاغتيال حكومة أنقرة أمام تحديات جدية على صعيد السياستين الداخلية والخارجية حيث تستعد البلاد لانتخابات رئاسة الجمهورية في أبريل/ نيسان المقبل وسط استمرار الأوساط العلمانية والقيادات العسكرية رفضها انتخاب أردوغان لهذا المنصب بحجة حجاب زوجته الممنوع قانونيا ودستوريا في مرافق ومؤسسات الدولة الرسمية. فيما ترى أوساط أخرى في جريمة دينك مؤامرة لإلهاء تركيا عن قضاياها الأساسية وفي مقدمتها الوضع في العراق وكركوك خاصة. حيث فشلت أنقرة في مساعيها لإقناع واشنطن للتدخل لأقناع أو منع الأكراد من مساعيهم لضم كركوك إلى أقليم كردستان.
ويبقى الرهان على المرحلة القادمة التي يتخوف منها الكثير من الأتراك أن تشهد اغتيالات أخرى لتؤكد صحة الحسابات والسناريوهات المذكورة أعلاه خاصة مع استمرار تهديدات حزب العمال الكردستاني بالعودة للعمل المسلح ضد تركيا إذا لم تقم الحكومة بالخطوات العملية والجدية لحل المشكلة الكردية سياسيا وديمقراطيا والمقصود بذلك الاعتراف دستوريا بالهوية الكردية وإصدار عفو عام وشامل وغير مشروط على أعضاء وأنصار وأتباع الحزب. وبات واضحا أن تركيا ستشهد قبله تطورات مثيرة ومفاجئة ستحدد ليس مصير ومستقبل البلاد بل مصير ومستقبل حكومة العدالة والتنمية الحاكم بكل حساباته الداخلية والخارجية.