صفوت الشريف: أميركا عطلت الحوار الوطني بين الأحزاب لمدة عامين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الشريف يفتح النار علي الإخوان وواشنطن
مبادرة الرئيس بالتعديلات الدستورية مصرية خالصة والفضل وراءها للأحزاب والقوي السياسية
حوار:أنور الهواري وعادل صبري
الحوار مع رجل بحجم صفوت الشريف من الأمور الصعبة للغاية.. فالرجل خصم سياسي، بما يمثله من قيادته لأركان الحزب الوطني وقدرته علي توجيه دفة الأمور داخل البرلمان والحكومة. في نفس الوقت يملك كنوز المعلومات التي تدور في المطبخ السياسي، في وقت تشهد فيه البلاد حراكاً سياسياً موسعاً، حول التعديلات الدستورية ووضع إطار جديد لنظام الحكم سيوجه البلاد خلال المرحلة المقبلة. حرصنا في هذا الحوار أن نركز علي ما يدور في المؤسسات السياسية والتشريعية، من أفكار حول التعديلات الدستورية،
فإذا به يكشف لنا عن دور القوي الأجنبية في عرقلة التطور الديمقراطي، وحرص جماعة تتمسح في الدين، في إشارة واضحة للإخوان علي استغلال عاطفة التدين لدي المصريين، في تقويض نظام الحكم والخروج علي الشرعية.
ويشرح الشريف علي مدار الحوار الذي ينشر اليوم وغداً رؤيته حول آليات الإشراف القضائي علي الانتخابات، ومقولة سيد قراره، وشكل نظام الحكم في التعديلات الجديدة وفيما يلي نص الجزء الأول من الحوار:
* الوفد: هل التعديلات الدستورية مبادرة مصرية لا يد للخارج فيها وما مدي صلاحيتها كمشروع حكم للمستقبل؟
** صفوت الشريف: التعديلات الدستورية جاءت كمبادرة من الرئيس وبخطوة مهمة للغاية، فهي لم تأت فجأة، وإنما أخذت تتراكم في معانيها ومضامينها وفلسفتها عاماً بعد عام.
ففي مرحلة من المراحل، كان الرئيس دائماً حينما يسأل عن الدستور، يقول إن الدستور ليس وقته الآن، وإنما له وقت مناسب حينما نصل إليه نتحدث فيه. وكان النقد شديداً في هذا الوقت حول أسباب عدم مناقشة الدستور باعتباره ليس كتاباً منزلاً، إلي أن جاء عام ،2002 الذي نعتبره نقطة تحول كبيرة في فكر الحزب الوطني الديمقراطي، حيث طُرحت ورقة مبادئ أساسية جديدة، وأصبح كل قارئ ومحلل سياسي قادراً علي أن يستنبط أننا علي أبواب مرحلة جديدة. وفي عام ،2003 طرحنا أول ورقة حول حقوق المواطنة والديمقراطية، ونوقشت مع الرئيس، حيث توقف أمام ما ورد بها من معان وفلسفة، لأنها كانت في الواقع مهمته، وطرحت علي المجتمع لأول مرة كلمة المواطنة وحقوق المواطنة، ووجد فيها المحللون أننا نتجه اتجاهاً جديداً في فكرنا.
وفي عام ،2004 ازدادت الفكرة عمقاً وكانت ورقة حقوق المواطنة أكثر تفصيلاً، ونادي بها الرئيس مبارك في اجتماع مشترك لنواب مجلسي الشعب والشوري في نوفمبر 2004 بعد أن طالب باجراء حوار بين الأحزاب في افتتاح مؤتمر الحزب الوطني في سبتمبر 2004 وبدأ خلال هذه الفترة حوار تأجل بعض الوقت وترجع أسباب تأخر هذا الحوار عن موعده المقرر في سبتمبر عام ،2003 إلي أن الرئيس مبارك رأي أن هناك محاولات خارجية بالتدخل في مبادراته وأفكاره وأن جهات معينة مثل الولايات المتحدة وغيرها تريد ان تنسب أي تطور ديمقراطي في مصر الي أفكارها ودعوتها، وبالتالي إذا كان الحوار الوطني قد جاء في هذا التوقيت خلال عام ،2003 مع الإرهاصات الموجودة في المجتمع بشكل عام، كانت ستفسر علي أنها ضعف أو تجاوب أو خضوع لإرادة خارجية، فكان الرفض من جانب الرئيس كاملاً لهذا الاتجاه.
واجتمعت الأحزاب في نوفمبر 2004 حيث تحاور "15" حزباً. ورغم ما يقال عن هذا الحوار، إلا أنه كان مختلفاً عن أية حوارات أخري، وأصبح من الواضح اننا مقبلون علي استفتاء، وطالبت الأحزاب السياسية الرئيس مبارك، بالتزامن مع طرح الحزب الوطني لأول مرة بورقة عمل تقول اننا كأحزاب مع مبادرة لتعديل الدستور لمادة أو أكثر عام ،2004 فطلب الرئيس أن نضع أمامه عملية التعديل الدستوري، ورفعنا مذكرة من الأحزاب المتحاورة الي الرئيس بهذا الشأن وكانت استجابة الرئيس لمبادرته بالتعديل الدستوري، في يناير ،2005 تلي ذلك طرح الرئيس مبادرته بتعديل المادة "76" من الدستور.
صحيح أن الرئيس قد يكون في ذهنه في هذا الوقت تعديل المادة "76" ومبادرات أخري، ولكن الحق يقال انها واكبت حوار الأحزاب، وما صدر من بيان عن حوار الأحزاب مطالباً الرئيس بذلك، ووضع أمامه أهمية تعديل الدستور في مادة أو أكثر.. إذن هي مبادرة من الرئيس مبارك استوحاها من واقع أننا في حاجة اليها من واقع ممارسة اقتصادية، وسياسية وتطور اجتماعي كبير في المجتمع، جعل الواقع قد تجاوز الدستور وأن الواقع السياسي والاقتصادي قد تجاوز عدداً من نصوص الدستور، وأن المتغيرات العالمية أيضاً قد تجاوزته لأنه وضع عام 1971.
لذا جاءت المبادرة بالتعديلات وجاءت من الرئيس وليست تجاوباً مع أية ضغوط أو أية مطالب، ورأي الرئيس أن تخرج في وقت يكون فيه انحسار للمد الديمقراطي الذي كانت تنادي به بعض الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية. فهي مبادرة مصرية.. مصرية.. مصرية، لواقع مصري ومستقبل شعب نريد له أن يحدد الأطر الأساسية لنظام حكمه، واقتصاده، وأيضاً لنظام مشاركته السياسية في صنع القرار.
* الوفد: لماذا صدرت المبادرة في إطار المنافسة علي الانتخابات الرئاسية؟
** الشريف: المبادرة بتعديلات الدستور حقيقية، وتصادف أن طرحها الرئيس في الانتخابات التنافسية علي الرئاسة، فأصبحت عقداً اجتماعياً بين الرئيس ومن أعطوا أصواتهم له، وجاءت وفاء لما وعد به وما طرحه في برنامجه الانتخابي واستمدت المبادرة بذلك المشروعية السياسية وهي أساس المشروعية الدستورية.
وهذه المبادرة لم تعد ملكاً للحزب الوطني، ولكن ملك للشعب، بكل مؤسساته وأحزابه.
* الوفد: هناك من القوي السياسية في الدولة من تقول: إن التعديلات الدستورية غير دستورية وتتنافي مع نصوص الدستور؟
** الشريف: يؤسفني أن أسمع أصواتاً تقول ان التعديلات الدستورية، متنافية مع الدستور، فلم أسمع أبداً أن دستوراً تكون مواده غير دستورية.
فالدستور هو الأعلي والأسمي والذي ينظم الحياة، ولا يطعن بعدم دستورية الدستور.
أري هناك من يحاول أن يعترض علي حق رئيس الجمهورية في تعديل الدستور، والدستور وضع الآلية وحددها بوضوح والدعوي باطلة، بل ومنفرة ومشوشة للمجتمع.
علينا أن نسمو فيما يمس الوطن فوق أي خلاف سياسي أو حوار غير موضوعي.
الذين يقولون إن الإجراءات غير دستورية بنوا آراءهم علي فكر يعد للانقلاب علي الشرعية والدستور.
والمعركة الآن بين من يقبل الشرعية ويحترمها ويصونها باعتبارها صمام الأمان وآخرين لا يقبلونها ولا يريدون الامان لهذا البلد. فليس هناك خلاف علي التعديلات الدستورية، ولكن الخلاف من قلة تريد أن تفرض إرادتها علي الأغلبية الشعبية ولن تسود إلا سيادة الشعب القادر علي الحفاظ علي شرعيته وعلي سيادته ولا يقبل الوصاية من أحد.
واهم من يتصور أنه يفرض وصاية علي هذا الشعب. ومخطئ أيضاً من يتصور أنه يستطيع ان يستغل عاطفة التدين للنيل من أركان الشرعية.
هناك من يظن أنه يستطيع باستخدام عاطفة التدين ان يقوض أركان الدولة ويجعل دين الشعب في تنافر مع دولته.
* الوفد: الناس في الشارع لم تشعر بعد بقضية الدستور، فكيف نحقق ملكية الشعب لهذه المبادرة التي طرحها الرئيس؟
** الشريف: لابد أن يستشعر المواطن بنفسه قيمة هذه المبادرة، أنها انطلقت له ولأجله وأن نبسط له مفاهيمها، بعيداً عن الفقهاء الدستوريين والسياسيين والنخبة ولهم قدرهم، ولكن حينما تتعامل مع المجتمع لابد ان تضع في اعتبارك طبيعة هذا المجتمع، وثقافة هذا المجتمع، وكيف توصل الرسالة للمواطن المصري، أياً كان موقعه علي خريطة مصر. وأعتقد ان هذا الجهد مطلوب من كافة الأحزاب السياسية وليس الحزب الوطني منفرداً، لأن التوافق ما بين الأحزاب السياسية جميعاً علي المواد المطروحة لا خلاف عليه، ولكن الأحزاب تطلب وتأمل أن يصيب التعديل مواد أخري. وبرؤية الرئيس مبارك هذه المرحلة تتحمل هذا التعديل، والذي تعهد به في برنامجه الانتخابي، ووجهات النظر متباينة في هذا الشأن. فمطروح النقاش ووجهات النظر حول بعض الموضوعات، ولكن ما نحن متفقون عليه، لابد ان نتولي جميعاً تنفيذه، بدعم ثقافة المجتمع، وتفهمه بالنسبة للدستور وشرح تأثير هذا الدستور علي حق المواطن، في ممارسة حقوقه السياسية، بل والاقتصادية والاجتماعية.
* الوفد: هذا التصور يمكن أن تمارسه النخبة الاجتماعية ولكن رجل الشارع سيظل بعيداً عما يدور حول الدستور؟
** الشريف: نحتاج الي بذل جهد جماعي خلال الشهرين القادمين من أجهزة الإعلام، وبمشاركة رجال الفكر، والدور الأكبر يظل قائماً علي الاتصال المباشر والشخصي، لذلك بدأنا إجراء اتصالات مع المهنيين وأمانات الشباب والمرأة والفلاحين من اجل تحرك هذه الأمانات، علي مستوي الشارع السياسي. ودعوت "450" من القيادات الشبابية بالجامعات للاجتماع في مقر الحزب الوطني، يوم "30" يناير الحالي، وهؤلاء ليسوا من الحزب الحاكم، ولكن حينما يتحدث الحزب مع الناس في قضايا وطنية ينزع ثوب الحزبية الضيق وتكون رؤيته أكثر اتساعاً وستكون هناك لقاءات أخري مع الشباب علي عدة مستويات، في الجامعات، لطرح المواد الدستورية التي سيتم تعديلها وتعريفهم بمدي تأثيرها عليهم باعتبارهم جيل المستقبل.
وتعقد اللقاءات في القاعة الكبري بمقر الوطني في كورنيش النيل، للاستماع اليهم، وتلقي ما يعن لهم من أسئلة والإجابة علي ما يدور حول هذه الأمور، وسيتم ذلك علي مستوي شباب العمال والفلاحين وغيرهم، لأن الدستور يعالج واقعاً، ويستشرف المستقبل. وقد قرأت ما نشرته "الوفد" بعنوان "دستور يا اسيادنا" ـ حول جهل شباب الجامعات بالدستور ومناقشاته ـ والواحد يري ذلك ويحزن، لأن مسئوليتنا أن نصل للشباب بهذه الرسالة حول الدستور، ولكن عزائي أن المشكلة تأتي في غياب الاهتمامات والأولويات لدي الشباب حول هذه القضايا، فلا يلامون علي ذلك، حيث تركيزهم ينصب علي الدراسة بينما قلة منهم هي التي تندمج في العمل السياسي، وهي التي يكتب عليها منذ صغرها السير في هذا الاتجاه.
* الوفد: في جولة "الوفد" بالجامعات حول قضية الدستور، لم تجد أغلبهم عندهم فكرة عن القضية برمتها؟
** الشريف: تكلمت مع الدكتور هاني هلال وزير التعليم العالي، حول أهمية عقد دورات في معهد القادة بحلوان ووافق معي علي أنه سيعقد الدورات، لشرح التعديلات للطلاب، ومن المهم أن تخصص حصة في المدارس الثانوية، لعرض القضايا المطروحة حول الدستور، لتعليم التلاميذ وأسباب هذا التعديل، كما حرص الحزب علي الالتقاء بنحو "160" من أساتذة الجامعات، وجلست معهم ليوم كامل، بحضور الدكتور علي الدين هلال والدكتور مفيد شهاب والسيد جمال مبارك، حيث تناقشنا في حوار موسع بشأن التعديلات الدستورية.
والمجلس الأعلي للسياسات الذي يضم نخبة لا يجب أن يتوقف دورها علي ابداء الرأي فقط، ولكن ينتقل الي حمل هذه الرسالة للآخرين. ودائماً أقول لهم: إن العمل الوطني، والانتماء الحزبي ليس زواجاً عرفياً، ولكنه زواج شرعي لابد أن تتوافر فيه العلانية، والعلانية أن تقول للناس وتوضح لهم، وتساهم في تنويرهم.
* الوفد: هناك مخاوف من أن تخضع نصوص التعديلات الدستورية لمحترفي الصياغة، فلا تأتي كما نشتهي كما حدث في المادة 76؟
** الشريف: الذي حدث من تعديلات في المادة "76" من الدستور، كان يقع لأول مرة في تاريخ مصر وكان عليها أن تكون مادة متكاملة في صياغتها، وأركانها لأنها تخص رأس الدولة واختيار رئيس الدولة وكان ذلك أمراً غائباً تماماً عن الدستور، وليس تعديلاً بل إضافة كاملة وإقراراً لمبدأ جديد بأن تكون هناك انتخابات تنافسية، وكان الخلاف والحوار حول الضوابط بالنسبة للمستقلين أو الأحزاب. أو أسلوب إدارة الانتخابات من خلال لجنة الانتخابات الرئاسية، كانت مادة صعبة وفيها آراء متباينة، تختلف عما هو مطروح.
فالمواد المطروحة الآن لن تتم الا بوضوح الرؤية في النص وتقر نظاماً ديمقراطياً يقوم علي المواطنة، التي تعني المساواة في الحقوق والواجبات وأن المصريين أمام القانون سواء، لا فرق بينهم في دين أو جنس ولا أصل. فلن يكون هناك تلاعب في هذه المواد. فالمادة "5" علي سبيل المثال ستنص علي أن النظام الحزبي قائم علي التعددية الحزبية وأنه لا يجوز أن ينشأ حزب علي أساس ديني أو طائفي أو جنسي.
أمور واضحة محددة، وبالتالي الرئيس حدد المواد، ولن يكون هناك أي لبس في هذه المواد.ومجلسا الشعب والشوري والأحزاب الممثلة في المجلسين، سيبدون آراءهم بكل حرية، وسوف يكون الصالح العام هو الذي يفرض نفسه.
* الوفد: هناك تداخل في بعض النصوص ومهام السلطات التنفيذية والتشريعية، مثل منح رئيس الجمهورية صلاحيات حل مجلس الشعب والحكومة معاً؟
** الشريف: في الدستور الحالي إذا مانشأ خلاف بين الحكومة ومجلس الشعب واستفحل هذا الخلاف وسحبت الثقة من الحكومة، عن طريق البرلمان، ينص الدستور علي أن يطرح الرئيس في استفتاء عام هذا الخلاف وهي حماية كبيرة للحكومة. الآن أصبح من حق المجلس أن يسحب الثقة من الحكومة الجديدة، بعد أن تتقدم ببياناتها للبرلمان، بحيث لا يمنحها ثقته. وتصبح الحكومة مقالة بقرار رئاسي بدلاً من استفتاء الشعب، وذلك لتحقيق التوازن بين السلطتين كرئيس للسلطة التنفيذية، ويملك حق حل البرلمان.
وقد يقول البعض أن مجلس الشعب منتخب والحكومة معينة، لكن الذي يقيل الحكومة هو الرئيس، والذي يحل مجلس الشعب هو الرئيس المنتخب، وليس الذي جاء عن طريق الاستفتاء. لأنه لو ظلت الأمور ما بين سحب الثقة وبين حل البرلمان أمراً متداولاً ومتكرراً، لا يمكن ان نحكم الأمور وأن يتحقق الاستقرار. وفي الدستور الآن يحق للرئيس حل مجلس الشوري إذن أصبح هناك توازن ومساواة لمجلس الشوري، مع الشعب وتحقيق الاستقرار والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
* الوفد: وضع سلطة حل البرلمان وإقالة الحكومة في يد رئيس الجمهورية، ألا يعد ذلك خروجاً علي المبادئ العامة التي ساقتها التعديلات الدستورية بأنه سيتم تقليص سلطات الرئيس؟
** الشريف: ليس لازماً أن تزيد تلك السلطات في يد الرئيس، في الأصل قلت هذه السلطات.. ويعتبر الرئيس في نظام رئاسي فأصبح له حق اصدار قرار بتشكيل الحكومة، وهذه الحكومة تصدر بياناً أمام البرلمان فإذا رأي النواب سحب الثقة من الحكومة، يقيل الرئيس الحكومة التي لا تعجب البرلمان. وهذا بالاضافة الي أن الرئيس تنازل عن سلطته في أن يشكل الحكومة، ومن حق المجلس ألا يقبل بيانها، فتقال الحكومة.
* الوفد: في النظم الرئاسية نعرف أن رئيس الدولة ينتخب من الشعب مباشرة ورئيس الحكومة يختار أيضاً من الشعب مباشرة، ألا يتعارض هذا مع النظام الرئاسي المعمول به طبقاً لهذه التعديلات؟
** الشريف: نحن لم نأخذ بهذا النظام، فنحن نظام شبه رئاسي ولذلك من المهم ان نعلم هذه الحقيقة، وهو يعني لنا أننا نقوي السلطة التنفيذية، ودور البرلمان في نظام شبه رئاسي وليس في نظام برلماني ولا رئاسي بحت.. فلذلك تعتمد فلسفة التعديل علي تقوية السلطة التنفيذية بأن يشارك مجلس الوزراء الرئيس، ويصبح له العديد من الاختصاصات التي ينفرد بها، وبعضها يشارك بالرأي وفي الوقت ذاته تقوية البرلمان، تشريعياً ورقابياً وبالنسبة للموازنة العامة وفي الوقت ذاته تعزز وتدعم استقلالية القضاء، وهذا يؤدي الي تقوية السلطات الثلاث في نظام شبه رئاسي.
* الوفد: وعد الرئيس والحزب الوطني بالبدء في حوار حول التعديلات الدستورية قبل تقديمها للبرلمان، وبعد ان دخلت مجلسي الشعب والشوري، علي أي شيء سيتم هذا الحوار، حول النصوص أم المبادئ، رغم اعتراض البعض حالياً علي التعديلات من حيث المبدأ؟
** الشريف: المبادئ لا خلاف عليها، وحدثت لقاءات قبل تقدم الرئيس بمبادرته بالتعديلات وتوجيه خطابه لمجلسي الشعب والشوري وأجريت لقاءات تبادل كل طرف وجهات النظر حول هذه التعديلات. وقد كان "الوفد" في مقدمة الأحزاب التي شاركنا معها في حوارات حيث التقيت مع رئيس الوفد محمود أباظة وعدد من المساعدين، واستمعنا اليه حول وجهة نظره كاملة علي مدي ساعات، واستمع إلينا أيضاً. وما طرحه "الوفد" في مجلس الشوري يستحق ان يقال عنه انه قد ارتفع كعهده في المواقف الوطنية الي الرؤية الوطنية، التي تضع مصلحة الشعب فوق كل اعتبار، وهذا تم ايضاً في مجلس الشعب، حيث قرأت "بالوفد" وجهة نظر الأستاذ محمود أباظة كاملة حول أنه يوافق علي التعديلات، التي وردت في المشروع، وله رؤية أيضاً في المواد التي لم ترد، ومن حقه ان يقول هذا، ومن حقه أيضاً أن يؤكد مراعاة بعض القضايا المهمة عند صياغة نصوص التعديلات. والتقينا مع حزب التجمع، لتبادل وجهات النظر، وكانت محل احترام، وهذا بالاضافة الي الحوار المفتوح علي شاشات التليفزيون، التي شارك فيها عدد كبير من رؤساء الأحزاب ومن الحزب الوطني الدكتور علي الدين هلال والدكتور حسام بدراوي والدكتور رمزي الشاعر والمستشار محمد الدكروري، وبحضور الأستاذ محمود أباظة والدكتور رفعت السعيد وغيرهم في أكثر من برنامج. وأعددنا حصراً للتعديلات التي طرحها "الوفد" ونشرت في صحيفة الوفد قبل تقديمها للبرلمان، وأيضاً ما أعلنه التجمع في صحيفته، وما نشر لأحزاب التجمع والناصري والوفد معاً، وكان محل احترام وتحليل كبير، حيث وضع أمام فقهاء القانون الدستوري، خاصة أن الرئيس مبارك طالب بتفريغ كل ما تذكره الأحزاب والمجتمع المدني وغيرهم، بحيث تكون خريطة الرأي أمامه، وهو يصيغ ما سيطلبه من مجلسي الشعب والشوري.
ونحن هنا نتكلم عن حقائق.. وأستطيع ان استخرج من الورق الذي أمامي حالياً آراء الأحزاب السياسية وكل القوي السياسية في كل مادة من المواد، حتي الأحزاب المختلفة مع بعضها البعض والقوي السياسية غير المنضوية تحت الأحزاب. فقد كان الرئيس جاداً في دراسة هذه الأفكار.
* الوفد: هل تضمن هذه التعديلات اجراء انتخابات، نضمن من خلالها تداول السلطة، بين الأحزاب علي الأقل؟
** الشريف: أي انتخابات تعتمد علي المشاركة الواسعة بها، باعتبارها هي أساس العمل الديمقراطي، وأرجو أن النظام الذي سيحدد اجراءات المشاركة أن يتيح ضعف عدد اللجان الموجودة حالياً للاقتراع، بما يحقق المشاركة الحقيقية، لأن عندنا الآن "30" ألف لجنة فرعية والحد الأدني "1200" ناخب والأقصي "1700" ناخب، معني هذا أن اللجنة لا يمكن ان تستوعب اكثر من "200" ناخب، حيث ان متوسط بقاء الناخب داخل اللجنة نحو "3" دقائق، يعني "600" دقيقة بمتوسط "10" ساعات للتصويت في الاقتراع، فمن البداية هنا مكتوب علي المشاركة أن توأد في ظل استمرار عدد اللجان الفرعية علي هذا المستوي.
وأعتقد ان أساس الديمقراطية، مشاركة المواطن وان يمارس حقه الانتخابي في اختيار رئيسه أو نائبه. فلابد ان تتسم بالمشاركة والنزاهة ووجود مندوبين للمرشحين لمراقبة العملية الانتخابية.
* الوفد: التوجه حالياً لتعديل المادة "88" من الدستور الخاصة بالاشراف القضائي، هل نحن في طريقنا لعمل هيئة مستقلة أم لجنة علي نمط اللجنة الرئاسية، وقد علمنا ان بعض قيادات "الوطني" تعد نصاً لهذه المادة، بحيث يسمح لهذه اللجنة أو الهيئة، الاستعانة بالموظفين في الجهاز الحكومي لإدارة الانتخابات، رغم ما يترتب علي هذا من مخاوف التزوير لصالح مرشحي الحكومة؟
** الشريف: أؤمن بوجود الاشراف القضائي هذا الاشراف يكون سابقاً علي العملية الانتخابية، بمعني انه يجوز الطعن في أي مرشح في فترة من الفترات التي يعلن فيها وزير الداخلية فتح باب الترشيح، وإلي أن يغلق باب الترشيح يستطيع ان يتقدم المواطنون للقضاء بأي اعتراض في صفة المرشح او غيره مثل توافر الشروط من عدمه. وهذا الاجراء يتم قبل الاعلان عن الكشوف النهائية للمرشحين، حيث يستطيع القضاء تنقيتها بمعرفته. وعلي ضوء التجربة، أري أن تتم العملية الانتخابية تحت إشراف لجنة عليا مشكلة من رجال قضاء سواء كانوا حاليين أو سابقين. وهذه اللجنة تكون مستقلة ولها ولأعضائها حصانة، وتباشر اللجنة العملية الانتخابية طبقاً لما يحدده القانون سواء من بداية الترشيح، أو قيد الجداول حتي إعلان النتيجة، اما أن يكون الإشراف القضائي في ظل النظام الموجود حالياً، مع الرغبة في توسيع اللجان الانتخابية من "30" الفاً الي "60" الفاً تدريجياً، معني هذا انه لا يمكن بأي حال من الأحوال يكفي "60" الف لجنة والتجربة السابقة كشفت ان وجود الانتخابات علي مراحل مختلفة "3 مراحل" وكل مرحلة تحتاج الي اسبوعين للانتخابات واسبوع للاعداد، معني ذلك ان الانتخابات اذا اجريت طبقاً لنظام الأشراف القضائي الحالي، ستجري علي "4" أو "5" أو "6" مراحل لمجلس الشعب، وكذلك في انتخابات الشوري معني ذلك ان تتعطل كفة العدالة عدة أشهر في البلاد، هذا في الوقت الذي نتطلع فيه الي تحقيق العدالة الناجزة وهي الحصن لكل المواطنين، والتي أعتقد انها لن تتحقق في ذلك النظام الحالي للاشراف القضائي علي الانتخابات.
ومن المقترح أيضاً، وجود لجان عامة، ليست بالمفهوم الحالي، حيث يوجد مستشار في كل دائرة انتخابية، ولكن ان تكون اللجنة العامة في تشكيلها واتساعها بأن يكون هناك اشراف من اللجنة العامة علي مستوي مراكز الاقتراع، أو علي التجمعات الانتخابية المختلفة طبقاً لطبيعة وجغرافية وعدد اللجان. وهذا ما نعتقد انه الحل الأمثل.
وهذه اللجنة الاشرافية تختلف عن اللجنة الرئاسية، لأنه يجوز الطعن في قراراتها بينما اللجنة الرئاسية محصنة لا يجوز الطعن في قراراتها. أما هذه اللجنة فيمكن الطعن علي قراراتها حتي أثناء العملية الانتخابية أو الطعن في قراراتها بعد اعلان النتيجة أمام محكمة النقض، وبذلك يتمكن المواطن من الطعن علي قرارات هذه اللجنة أمام القضاء الإداري ومحكمة النقض.
* الوفد: إذا كانت الهيئة الاشرافية علي الانتخابات ستتمتع بهذه السلطات لماذا لم تمس التعديلات المادة "94" من الدستور، كيف تصبح محكمة النقض هي جهة الفصل في صحة عضوية النواب بعد اعلان النتيجة، ونتوقف عن مبدأ "المجلس سيد قراره"، التي يرفعها مجلس الشعب؟
** الشريف: إذا ما توافرت الأركان المختلفة فيما هو صادر من محكمة النقض يأخذ بها مجلس الشعب ولكن يجوز لمجلس الشعب، باعتبار أننا هنا أمام سلطتين منفصلتين، قضائية وتشريعية، لا يجوز الخلط بينهما وان يمنح اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلسي الشعب والشوري حق مراجعة تلك الأحكام، وأحياناً تجد اللجنة حقائق أو أخطاء مادية موجودة. علي سبيل المثال ماذا لو وجدت محكمة النقض أخطاء في حسابات تجميع الاصوات بصناديق الاقتراع، وكشفت عن خطأ مادي في الجمع!! لذلك اعتقد ان مجلسي الشعب والشوري باعتبارهما مؤسسات تمثل السلطة التشريعية لابد ان يتمتعا بمواد المادة "94" من الدستور.
هيمنة الحزب الوطني علي السلطة والدولة آن لها أن تسقط وتزول
علي حكومة نظيف أن تتوقف عن قصم ظهر الصحف.. فمؤسسات الرأي ليست شركة قطاع عام
لن نسمح بتشكيل مجالس إدارات الصحف علي الهوي وعلينا ضم شخصيات معارضة وأخري آملة في التصحيح
في الجزء الثاني من الحوار مع السيد صفوت الشريف رئيس مجلس الشوري والأمين العام للحزب الوطني، فجر مفاجأة، لم تكن متوقعة، من ذكرها علي لسان رجل يتبوأ مثل موقعه. كشف صفوت الشريف عن موافقة رئيس الجمهورية عام ،2002 علي أن يبدأ العمل في إسقاط هيمنة الحزب الوطني علي السلطة والدولة. وقال: "آن لهذه الهيمنة أن تسقط وتزول" مشيراً الي أن ذلك سيأتي تدريجياً، لأنه من الصعب تغيير النفوس والعادات. ويبشر الشريف بأن الدولة ستشهد "حالة فوران تشريعي"،
بعد التعديلات الدستورية، لتوائم القوانين مع نصوص وروح الدستور في شكله الجديد. في الوقت نفسه يؤكد أن مجلس الشوري في طريقه لأن يصبح مجلساً تشريعياً مكملاً لمجلس الشعب بمشاركته في تشريع القوانين وسن المعاهدات.
ويؤكد الشريف عدم رغبته في أن يكون مجلس الشوري منافساً للشعب، مشيراً الي صعوبة تحقيق ذلك، خاصة لعدم وجود آلية تضمن حل المشاكل التي قد تطرأ في حالات الخلاف علي الموازنة، وسحب الثقة من الحكومة.
ويشرح الشريف تحليلاً دقيقاً يذكره لأول مرة عن المؤسسات الصحفية القومية من الداخل، مطالباً الحكومة بعدم التدخل في شئونها باعتبارها ملكاً للشعب، ومحذراً المسئولين بها من تشكيل مجالس إدارات علي هواهم، وفيما يلي نص الحلقة الأخيرة من الحوار:
* الوفد: متي نري السلطة تتداول في مصر خاصة وأن التعديلات الدستورية لم تمس الاختصاصات الجوهرية المخولة لرئيس الجمهورية؟
** الشريف: لا يوجد الآن ما نسميه حكماً أبدياً في مصر، فالشعب هو صاحب الحق الأصيل في التغيير، وهو الذي يملك قرار تداول السلطة عبر صندوق الانتخاب. وأصبحت إرادة الشعب ممثلة الآن في اختياره لرئيسه، ونائبه، وتداول السلطة بأن تأتي برئيس من خلال صندوق الانتخاب وأن تأتي بنائب من خلال الصندوق أيضاً. تداول السلطة لا يأتي بالإهداء أو غصباً أو أن تمنع الآخرين عن هذا الحق بأن تعطيه لغيرهم.
البعض يريد العودة الي ما كان عليه الوضع الخاص بفترات رئاسة الجمهورية، الي ما كان موجوداً في دستور ،1971 والذي عدله الرئيس السادات عام ،1980 ولكن عندما نريد العودة بالدستور الي ما كان عليه فهل يعني ذلك ان نعود الي عصر الاستفتاء.
بالطبع ليس هذا مطلوباً. فقد كانت المادة المعدلة في ظل الاستفتاء غير مقبولة، لأنها كانت تجعل الرئيس غير منتخب من الشعب مباشرة، ولكن من المجلس النيابي.
* الوفد: توجد رغبة في التغيير وروح للنهوض بالحياة السياسية في مصر، ولكن البعض يري أنه الدستور الحالي بنصوصه لا يستوعب طموح الناس في حياة سياسية جديدة؟
** الشريف: الدستور المصري دستور متكامل، ومتميز ودائم وجاء باستفتاء شعبي. وتلجأ عادة الدول الي وضع دساتير جديدة، حينما يكون هناك تغيير في نظام الحكم، كأن تلغي الملكية، وتقيم نظاماً جمهورياً، أو أن يكون هناك نظام حزب واحد فأصبح نظاماً تعددياً، أو أن يكون مثل دول أوروبا الشرقية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي فتقيم لنفسها دستوراً.
أما نحن فدولة تقوم علي مؤسسات ودستور راسخ ولنا تاريخنا في العمل الدستوري ولسنا في حاجة بأن نبدأ جمعية تأسسية لنضع دستوراً جديداً، ولا داعي له.
المواد التي ستعدل في الدستور، والتي تبلغ "34" مادة، منها ما يقرب من"14" مادة، تدور حول تنقية المواد من السلوك الاشتراكي، وهي مختصة بالنظام الاقتصادي، وغير ذلك من أمور لازمة، ولكن لسنا في حاجة لتعديل دستوري جديد. نقوي مجلس الشعب، أو نضع تنظيماً جديداً كاملاً للمؤسسة التشريعية، أو بالنسبة للقضاء أو مجلس الوزراء، لاننا بصدد دستور متكامل، نقدر من خلاله علي القيام بهذه النظم التي نريدها. ولسنا في حاجة الي ان نفتح الأبواب لحوارات ومناقشات تفتت ولا توحد، لتثير الحفيظة لدي البعض، وتضيع معها مصلحة الوطن.
* الوفد: حدث تطور في مجلس الشوري من حيث الأداء، وكنا نعتقد ان التعديلات الدستورية ستمنح المجلس فرصاً أوسع لكي يمارس دوراً تشريعياً ورقابياً، علي نمط مجلس الشيوخ في دستور 23... فلماذا خرج الشوري بخفي حنين؟
** الشريف: كلفني الرئيس مبارك منذ توليت هذه المسئولية ـ عام 2003 ـ قائلاً: اختيارك لهذا الموقع، لكي تجعله جناحاً يستعد ان يكون تشريعياً في المستقبل، وانه اذا لم يستطع مجلس الشوري أن يثبت ذاته في التشريع، وكذلك في الرقابة في حدود ما هو منصوص عليه في الدستور، وأن أحول له كل مشروعات القوانين، حيث يضم الأخيار والخبرة، وعليكم ان تثبتوا أنكم أهل لمستقبل تتولون فيه مسئولية أكبر، وقال الرئيس إذا لم يثبت مجلس الشوري هذه القدرة، يصبح وجوده في حد ذاته أمراً يحتاج الي اعادة نظر.
* الوفد: هل نتوقع أن يكون لدينا عما قريب نظام المجلسين؟
** الشريف: نعم.. ولكن من المهم ان يؤخذ تدريجياً، فقد أصبح لمجلس الشوري طبقاً لما أراده الرئيس أن تكون موافقته أساسية بالنسبة للتشريعات المكملة للدستور هذه التشريعات لها درجة من السمو الدستوري.. ولا يمكن لأحد أن يلغيها الا بتعديل الدستور.. وأيضاً في ذات الوقت يطلق رجال الفقه الدستوري عليها القوانين العضوية، الي جانب موافقة المجلس علي المعاهدات الدولية، والتعديل الدستوري لمادة أو أكثر والاتفاقيات الدولية، ومعاهدات الصلح، وما يمس الأمن القومي للدولة. وبهذا الشكل نستطيع ان نطلق علي مجلس الشوري مجلس الشيوخ، حيث ان اختصاصاته الآن تصل الي هذه المرتبة، بالاضافة الي أن الرئيس مبارك، من حقه طبقاً للدستور، أن يحول الي المجلس كافة مشروعات القوانين التي يراها مناسبة. وفي واقع الأمر أن الرئيس يحول للمجلس كافة مشروعات القوانين، وبالتالي تكون موافقة المجلس ضرورية وحتمية، وأخري موافقته من حيث ابداء الرأي. وأجد في هذه حكمة وأنه حتي نصل الي المرحلة التي يتحول فيها المجلس الي مجلس تشريعي بالكامل، يجب أن تأخذ الممارسة بعض الوقت حتي لا تعطل مسيرته. وطلب الرئيس بذلك الأمر فيه نوع من التدرج والتأني وإرساء الممارسة. فعلي سبيل المثال لو اختلف المجلسان الشوري والشعب، في أمر ما فعلي الأقل أن نضع آلية لحل هذا الأمر، وإعمال هذه الآلية. وعلي كل حال الهدف موجود بتحويل مجلس الشوري الي مجلس تشريعي حقيقي، وإنما يتم ذلك علي مراحل. وهذه المرحلة التي نحن فيها حالياً هي التي طرحها الرئيس مبارك.
* الوفد: إذن في العام القادم سنري مجلس الشوري قادراً علي محاسبة الحكومة من خلال الاستجواب وطلبات الاحاطة وسحب الثقة!!
** الشريف: هذه مرحلة متأخرة، ولكن الآن نتحرك في إطار اقرار القوانين والاتفاقيات، مع ذلك فان المجلس له طبقاً للدستور ان يتقدم النواب باقتراح برغبة حول قضية أو موضوع ما في أي وزارة وغيره، وهذا الحق لم يكن مفعلاً من قبل، أصبح مفعلاً وهو يوازي طلب الاحاطة. ولدي المجلس حق طلب المناقشة والتوقيع عليه من "20" عضواً وفعل.. وكان طلب المناقشة يعرضه عضو واحد نيابة عن العشرين عضواً، نسمح لخمسة أعضاء بمناقشة الموضوع وعرض آرائهم علي المجلس، في حضور الوزراء، ونستطيع ان نعدل في لائحة المجلس باضافة بعض الآليات المختلفة التي تحقق نوعاً من استيضاح الحقيقة، من الحكومة. ويكفي أن الحكومة تسأل في مجلس الشعب وأخري في الشوري، والنواب في نهاية الأمر هم نبض الشعب. وبالنسبة لي أنا مع أن يمارس مجلس الشعب سلطة المساءلة للحكومة، علي أن يتفرغ مجلس الشوري لتقديم تقارير مهمة لمستقبل البلد، وكم تقدم الشوري بدراسات عظيمة عن التخطيط للطاقة النووية، ورفع الأداء في المؤسسات التعليمية وهيكلة الدولة، لأنه يضم نخبة سواء من المنتخبين أو المعينين، ومعهود له بالتقارير الاستراتيجية، فليكن لدينا مجلس دائماً يخرج خارج نطاق المشاحنات اليومية، وعندما تكون أمامنا قضية مهمة، لدينا الاقتراح برغبة ولذا أنا مع ان يكون لمجلس الشعب المساءلة، وان يكون له سحب الثقة من الحكومة، وتعديل الموازنة، فماذا لو عدل مجلس الشوري الموازنة بطريقة وبأولوية معينة ومجلس الشعب بطريقة أخري. من الذي يحسم هذا الخلاف. فلا نصعب علي انفسنا الأمور، فالقضية ليست قضية انحياز لمجلس، ولكنه انحياز لمبدأ ولمصلحة عامة ومصلحة الوطن. فيلتكامل المجلسان.
* الوفد: مازالت القيود تفرض علي الأحزاب من خلال لجنة الأحزاب، مما أعطي الفرصة للتنظيمات السرية بفرض وجودها في الشارع السياسي، في الوقت الذي التزمت الاحزاب بالعمل داخل مقارها فقط!!.
** الشريف: لا يوجد أي تدخل من لجنة شئون الأحزاب في أعمال الأحزاب القائمة. وإذا حاولنا ان نصلح ذات البين في بعض الأحزاب يكون قرار المحكمة الإدارية العليا ما يشير الي خطأ التدخل. بل هناك من إدارة الفتوي والتشريع بمجلس الدولة، ما ورد في تقرير فليكن موقف اللجنة سلبياً حيال الصلح.
وبالنسبة لميلاد الأحزاب، حدد القانون شروطاً معينة لانشاء الأحزاب، واليوم يحدد الدستور شروطاً معينة، منها ألا يقوم حزب علي أساس ديني أو طائفي أو فئوي وحدد القانون أن أي حزب يقوم لابد أن يكون متواجداً جغرافياً تواجداً علي مستوي الدولة، حتي لا يكون ممثلاً لمحافظة بعينها او اقليم بعينه. وحدد الدستور أن تكون برامج الأحزاب بعيدة عن الخضوع لدولة أجنبية، وألا تكون له أية علاقات غير سوية، أو برامجه تتنافي مع الدستور.
فإذا أطلقنا الأمور علي عقالها، يقوم الحزب في هذه الحالة منافياً للدستور، والقانون والقيم، ويخطر وزير الداخلية مع ذلك باقامة الحزب، ثم يبدأ الوزير التحري عن الأحزاب ويلجأ الي القضاء يطالب بايقاف هذا الحزب أو ذاك.. ماذا سيكون الوضع ساعتها.
الآن نحن بصدد قرارات لجنة إدارية دورها تري مدي تطابق الأحزاب مع الدستور والقانون، وتعلن رأيها إن كان معيباً كان بها، وإن جاء غير ذلك فعلي المؤسسين للحزب أن يلجأوا الي القضاء لأن قرارها إداري يجوز الطعن فيه فليس قرارها محصناً، ولا قضائياً، بل ادارياً، والدليل علي أن لجنة شئون الأحزاب تتوخي الحقيقة أن كثيراً من قراراتها الادارية تؤيدها المحكمة.
والذي حدث في الأحزاب الأخيرة التي عرضت علي القضاء الإداري ـ 12 حزباً جديداً ـ وقع بسبب تعديل قانون الأحزاب، وطالبت لجنة شئون الأحزاب بأن يطبق ما ورد بالقانون والقرارات الجديدة علي الأحزاب التي تحت التأسيس. وكان هناك خلاف في الرأي حول تطبيق هذا الأمر، فلجأوا الي القضاء الذي أكد ان لجنة شئون الأحزاب كانت علي حق. لذلك فإن البديل للجنة شئون الأحزاب إقامة أحزاب لا تتفق مع الدستور ولا القانون، وأن تحصل علي نشأتها مجرد اخطار وزارة الداخلية التي تبدأ أجهزة الأمن التابعة لها بالتحقق من ذلك لاحقاً، ثم ترفع ذلك للقضاء أو تتخذ قراراً إدارياً، بايقاف الحزب.
فما هو الحل إذن إذا كان كل حزب يولد بمجرد الاخطار، فجهة الاخطار من حقها ان تتخذ قراراً إدارياً بوقف النشاط وفي هذه الحالة ايضاً نحتاج الي تعديل في قانون الأحزاب، فالصيغة الموجودة حالياً، صيغة مقبولة، فلا تنسوا ان مصر مستهدفة وأن كل دولة تريد ان تتدخل في شئونها وتنشئ كيانات تحقق مصالحها.
* الوفد: الحزب الوطني يهيمن علي مؤسسات الدولة بينما الأحزاب الأخري لا تجد فرصة في الوصول الي جمهورها عبر هذه المؤسسات وخاصة الإعلام والأجهزة الحكومية، فمتي يفطم الحزب الوطني عن كيان الجهاز الحكومي؟!
** الشريف: الدعوة قائمة داخل الحزب الوطني منذ عام 2002 بأن ننسي نظام الحزب الواحد، ونعزز ثقافة التعددية لأن قوة النظام في وجود الاحزاب السياسية، وليس في هيمنة حزب واحد علي السلطة والدولة. فهذه الهيمنة لابد ان تسقط وتزول تدريجياً وأنا من الذين يطالبون بذلك واعتقد ان الوضع الآن أصبح مختلفاً تماماً عن السنوات السابقة وان لم يكن حدث بشكل كامل. ولاحظ اننا نريد ان نخرج من عباءة سنوات طويلة، فنحن نطالب بالتغيير ونتبني التغيير والرئيس مبارك علي رأس هذا التغيير ولكن إدارة هذا التغيير عملية صعبة، لأنه من الصعب تغيير النفوس، والعادات.
* الوفد: هناك سعي الي جعل الإدارات المحلية لديها المزيد من السلطات، رغم استمرار الحكومة في التخطيط المركزي وتفاوت امكانات المحافظات، لماذا تصر الحكومة علي تطبيق هذا النظام رغم وجود مخاوف من أن يحدث شقاق بين المحافظات؟
** الشريف: يوجد في التعديلات الدستورية مادة تختص بدعم الادارة المحلية، بحيث يكون لدينا ظهير دستوري لما سوف يتم من تعديلات جوهرية في قانون الإدارة المحلية، وهذا القانون يحتاج الي دراسة مطولة ومتأنية، بما يعزز اللامركزية مالياً ورقابياً وإدارياً.
* الوفد: نفهم من ذلك ان قانون الادارة المحلية سيأتي عقب التعديلات الدستورية مباشرة!
** الشريف: التعديلات الدستورية، سيعقبها عدة تعديلات في قوانين مختلفة، أولها قانون مباشرة الحقوق السياسية، والخاص باختيار النظام الانتخابي الأمثل، وقانون الإدارة المحلية، والقانون الخاص بالإرهاب، وكل هذه التشريعات أساسية مهمة، وفي كل الأحوال مطلوب من الحكومة أن تبدأ في تصحيح العديد من التشريعات، أو اصدار تشريعات جديدة، بعد الانتهاء من التعديلات الدستورية.
ولابد للحكومة أن تقوم بدور كبير في تنقية القوانين بما يتفق مع التعديلات الدستورية.
وقد بدأت وزارة العدل الاعداد لهذا الأمر من أجل تصويب أو تصحيح أو تعديل أو اصدار قانون جديد يتواءم مع التعديلات الدستورية المتوقعة.
* الوفد: بصفتك مسئولاً عن ملف الصحافة القومية كرئيس للمجلس الأعلي للصحافة، كيف تري وضع المؤسسات القومية الآن؟
** الشريف: كنت حريصاً منذ تولي هذه المسئولية، علي اعادة هيكلة هذه المؤسسات والتطبيق الكامل للقانون والتغيير الشامل لرؤساء المؤسسات ورؤساء التحرير، وهي خطوة من الخطوات المهمة الي جانب تشكيل مجالس الادارات، والجمعيات العمومية بطريقة ليست نمطية، كما كان متبعاً من قبل. فقد أضيف للجمعيات العمومية شخصيات مستقلة، وأخري محايدة، حيث كانت المؤسسات في الماضي تختار مجالسها من المنتخبين والمعينين ايضاً وتخطر المجلس بذلك فقط. في هذه المرة لم تتدخل المؤسسات في اختيار المعينين في مجالس اداراتها، الذي يعتبر من حق المالك، وهو مجلس الشوري أن يختارها ولذلك كانت الجمعيات العمومية جادة للغاية بما تملكه من شخصيات مهمة اقتصادية وإعلامية وصحفية في الجمعيات العمومية، وكذلك ايضاً في مجالس الإدارة لم نسمح بعمل مجالس علي الهوي، أو كل واحد يأتي بمجلس اللي علي هواه، ففي المجالس شخصيات معارضة ورافضة وأخري آملة في التصحيح، في مجالس الادارات. فقد كنت حريصاً علي أن أخلق عملاً مؤسسياً داخل كل مؤسسة قادراً علي التخطيط وعلي المحاسبة، لأنه لو تحول مجلس الشوري أو المجلس الأعلي للصحافة إلي وزارة شئون الصحافة القومية يكون خطأ جسيماً. ولابد ان تدار هذه المؤسسات وهي مؤسسات رأي في المقام الأول وليست مصنعاً ولا شركة من شركات القطاع العام. ولابد من الحفاظ علي هويتها والفكر الخاص بها وتعزيز استقلاليتها لانها تتعامل مع الكلمة والرأي العام، وتخوض عملية التنوير في المجتمع. وقد تمت هذه العملية بنجاح، بعد ان احتاجت الي جهد في بداية العمل بها.
ومنذ ان تمت هذه التعديلات والتصحيحات في اعتقادي الكبير، طبقاً للمتابعة التي تتم في تقدم واصلاح مالي ومهني كبير والارقام تقول انه رغم المصاعب المالية، وما تباشره الحكومة فجأة من مطالبة المؤسسات الصحفية بأن تسدد كل ما عليها من تراكمات منذ سبعينات القرن الماضي، فتنبري الحكومة وتطالب المؤسسات بما فوق طاقتها. وأنا في الحقيقة أتساءل أين كانت الحكومة طوال تلك الفترة الماضية، فلم تحصل ضريبة الدمغة أو مستحقاتها من التأمينات أو الضرائب أو الجمارك.
فقد كان هناك وجهة نظر سائدة في الماضي ان هذه المؤسسات تعيد بناء نفسها، وتطوير آلياتها، لتكون قادرة علي المنافسة في ظل وجود صحافة عربية بدأت تعلو نبرتها وتزيد في تسويقها فتركت للمؤسسات مساحة من الحكومات المتعاقبة لكي تستطيع ان تبني صروحاً أو مطابع او تطور من ادائها. وفجأة وكأن الاصلاح لابد ان يتم دفعة واحدة، فالمؤسسات الآن تخرج من عنق الزجاجة وتسدد الضرائب والتأمينات ومستحقاتها من الكهرباء والمياه وغيرها، وأيضاً تتحمل سداد قروض متراكمة لدي البنوك، مع ذلك تحقق ارباحاً وتقدماً، علينا ان نعاونها لا أن نقصم ظهرها، وبهذه الروح مطلوب من الحكومة أن تبحث التراكمات المختلفة نتيجة فترة زمنية تمتد لعشرات السنوات. فالقروض المستحقة للبنوك لا حديث عنها، لأنها أموال بنوك، والمؤسسات الصحفية قادرة علي التعامل مع البنوك باعادة جدولة ديونها اسوة بما حدث مع رجال الأعمال، وهناك مناقشات حول معدلات الفائدة، وهي محادثات عادية، أما ما بين المؤسسات والدولة فعلينا أن نتعامل معه بالحكمة والرؤية المستنيرة، بتقدير ظروف فرضتها السياسات الاقتصادية في الماضي، مثلث علي المؤسسات عبئاً وعجزاً، فقد حصلت علي قروض بالدولار عندما كان الدولار يوازي "3" جنيهات وقفز الآن الي الضعف، سعر الورق كان منخفضاً، ارتفع في السوق العالمية.
وأضيفت أعباء علي المؤسسات دون ان تزيد من اسعار البيع، فمازال السعر في حدود الجنيه بينما رفعت الصحف الأخري أسعارها.
وقد طلب رؤساء الصحف اليومية زيادة الأسعار بنسبة "25%"، فقلت لهم اين دراسة الجدوي لهذه الزيادة، فأنا لا أوافق كمجلس أعلي للصحافة علي الرفع بدون موافقة المجلس الذي يمنحه القانون هذا الحق بصفته المالك للصحف. وكان طلبي منهم ان يوافوني بدراسات تسويق واخري للجدوي والمنافسة الداخلية والخارجية، وقلت ان المجلس الأعلي للصحافة لا يخطر برفع السعر، وانما يوافق علي رفع السعر.
وتعرض هذه الدراسة علي أول اجتماع للمجلس الأعلي للصحافة وحسبنا انه لأول مرة يتم عرض تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات عن المؤسسات الصحفية علي المجلس الأعلي للصحافة، واللجنة المختصة بذلك فيه وأيضاً علي اللجنة المختصة في مجلس الشوري، التي تتابع هذا الأمر، وقد شكلت لجنة علي مستوي حرفي وقانوني عال برئاسة الدكتور علي لطفي رئيس مجلس الوزراء الأسبق وانتهت من تقريرها بعد الالتقاء بالمهنيين بالمؤسسات الصحفية واستمعت الي رؤساء المؤسسات السابقين والحاليين وانتهي التقرير وفي شهر فبراير سيعلن التقرير للمناقشة. ويتعامل التقرير مع كل التداخلات والحلقات المختلفة فالمؤسسات القومية واعدة ولها تاريخها ودورها التنويري، وهي جزء من تراث هذه الأمة، وثقافتها، وليست ملكاً للحكومة ولا رؤساء تحريرها ولن تكون، لان الدستور قال انها مستقلة كما انتهي عصر ان تكون تلك المؤسسات حكراً علي فرد او مجموعة فهي ملك المجتمع ومجلس الشوري يباشر حق المجتمع.