القناة الرابعة ترسل بلير إلى محكمة جرائم الحرب
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد "فضحها" وزير الداخلية السابق ديفيد بلانكيت و"اغتيالها" بوش
بعد فيلمها "موت رئيس"، الذي اثار الكثير من الجدل قبل شهور، اطلقت القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني فيلمها الجديد "محاكمة بلير"، في اطار سلسلة من الدراما الوثائقية، بدأتها عام 2005 بـ"السكرتير الاجتماعي جدا"، الذي تناول قصة سقوط وزير الداخلية السابق ديفيد بلانكيت، على خلفية علاقاته الجنسية واستغلاله منصبه وزيرا لمصالح شخصية. ولعب دوره برنارد هيل وأدى دور بلير، روبرت ليندسي، الذي يعود الى هذا الدور في الفيلم الجديد، الذي قال عنه انه "دراما كوميدية تلقي بعض الضوء على ما هو راهن". لكن رسالة الفيلم قد تمضي الى ابعد من ذلك، اذا ما اخذت على محمل الجد، باعتبارها "تحرض الناس على التفكير في العالم المحيط بهم"، على حد تعبير ناطق رسمي. ومع ان الفيلم لا يقدم محاكمة لبلير يدافع فيها عن نفسه، الا انه ينبه رئيس الحكومة البريطانية الى ما يهدد مستقبله. فكاتب السيناريو، اليستير بيتون، الذي يعي مدى اهتمام بلير بمكانته التاريخية، يعلن بوضوح ان الفيلم كان فكرته الخاصة عن موقع تلك المكانة بين صفحات التاريخ: انها محكمة جرائم الحرب اذن، حيث قرر ان يرسل رئيس حكومته، على خلفية تورطه في الحرب على العراق.
يلتقط بيتون السمة الابرز لدى بلير "ثيمة" يشتغل عليها: العناد السياسي والتمسك بمنطقه الخاص، الذي بات يحكم جميع مواقفه ويتحكم بقراراته، بدءا من اصراره على وجود اسلحة دمار شامل في العراق، ورفضه فض الشراكة الخاسرة مع بوش، وإدارته ظهره للرأي العام البريطاني، الذي نبه مبكرا الى مخاطر زج البلاد في الحرب، الى رفضه دعوات للانسحاب منها، انتهاء برفضه التنازل عن رئاسة الحكومة لخلفه وزير الخزانة غوردون براون حتى الآن.
بيتون يلخص كل ذلك في المشهد الأول، الذي يتكرر قبل المشهد الأخير حين نرى الشرطة تقود بلير الى سيارة تنقله الى مطار هيثرو، لتسليمه الى محكمة جرائم الحرب الدولية في لاهاي. المشهد يقدم بلير يتحدث عن رغبته في الاعتراف الكنسي بـ"خطاياه" امام قس كاثوليكي، لكنه سرعان ما يتردد ثم يقرر مغادرة الكنيسة رافضا الاعتراف. العام هو 2010: هيلاري كلينتون في البيت الابيض تستعد لانتخابات فترة رئاسية ثانية، بعد ان ادخلت تعديلات اساسية على سياسة اميركا الخارجية، في اعقاب فشل هجوم اميركي على المنشآت النووية الايرانية في اواخر فترة حكم ادارة بوش، الذي خرج من البيت الابيض عام 2008. بينما يستقيل توني بلير ويغادر "10 داوننغ ستريت"، قبل اسابيع فقط من موعد اجراء الانتخابات العامة، حيث ينتظر ان تعرض عليه الامم المتحدة "موقعا مهما" مثلا. ويفكر في الوقت نفسه، في انشاء "مؤسسة بلير للعدل والسلام الدوليين، والتفاهم بين الاديان"، او يقوم بإملاء الفصل الاخير في مذكراته، التي يشير فيها 29 مرة الى ان "التاريخ يقف الى جانبي".
لكن الحملة لجلبه الى المحكمة الدولية تتزايد وتقطع طريقه الى تقاعد يحقق له تلك الطموحات، إذ تصدر الامم المتحدة قرارا بإنشاء محكمة خاصة لـ"غزاة العراق"، بهدف تحسين سمعتها. يستدعي سفيرها في لندن بلير ويبلغه "سوف نقول عنك ـ في الامم المتحدة ـ اشياء غير سارة، لكننا لا نعنيها حقيقة". ومنذ تلك اللحظة يتصاعد الحدث الدرامي: بلير الذي تطارده محنة العراق وعشرات الجثث التي تسقط يوميا هناك، يهلوس معظم الوقت ويرى احلاما كابوسية، تنقلها لنا الكاميرا في مشاهد مغلفة بسخرية سوداء: بلير يغسل يديه في المطبخ ويفركهما بقسوة بفرشاة خشنة (كمن يحاول ازالة آثار دماء عالقة)، يتخيل انتحاريا عربيا، يشاهد طفلا عراقيا قتيلا ملقى في حي فقير في بغداد... الخ.
الفيلم وضع في اطار كوميدي ساخر فقدم مشاهد عدة تضمنت مفارقات لا يمكن تغافل رمزيتها:
ـ شيري (زوجة بلير ولعبت دورها فوبيي نيكول) تتجول في سيارة زوجها في ادجوار رود، حيث تنقل الكاميرا صورة حية لمظاهر الحي "العربي": مطاعم لبنانية، ارجيلات، محجبات، منقبات، ملتحون..الخ. شيري التي ترغب في شراء بيت في ادجوار رود، تمتعض وهي تعلق على ما تشاهده: "كأننا نعيش في بيروت". فيرد بلير مطمئنا: "لكن اسرائيل لن تقصفه على الأقل".
ـ يصاب بلير بنوبة قلبية، ينقل بعدها الى مستشفى حكومي، حيث يبقى في قاعة الطوارئ ملقى على النقالة لمدة اربع ساعات، من دون ان يراه طبيب. يبدأ في لعن النظام الصحي في بريطانيا، ويصيح "لم اكن انتظر كثيرا في مرات سابقة". وتعقب شيري، "هذا عندما كنت رئيسا للوزارة، اما الآن فأنت في مستشفى حكومي".
ـ مشهد لوزير الخزانة غوردون براون يتناول مشروبا وهو يشاهد بمتعة كبيرة، المرة تلو الأخرى، تسجيلا لوقائع القاء القبض على بلير، تمهيدا لنقله الى المحكمة الدولية في لاهاي. في تعليقه على فيلمه، يقول الكاتب اليستير بيتون، "لقد حاولت تجنب تقديم صورة كاريكاتورية لبلير". لكن بلير مسكون بالدمار الذي تسبب به لنفسه. هذه دراما وثائقية "تقول ما نشعر به ولا نقدر على قوله بصوت عال".