جريدة الجرائد

لبنان: انقلاب «حزب الله» المتدحرج .. صعوداً

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك



إياد ابو شقرا


اتخذ القرار إذاً، وأعطى السيد حسن نصر الله، أمين عام "حزب الله" وزعيم المعارضة اللبنانية، الضوء الأخضر للخطوة التالية في الانقلاب الذي يقوده ضد الحكومة في لبنان.

السيد حسن، كما أضحى واضحاً للجميع، رجل سياسة بارع ومتمكن، أدرك منذ بعض الوقت أن خير وسائل الدفاع الهجوم. ولذا، في حربه السياسية ـ المدروسة بعناية أكبر من حرب أسر الجنود الإسرائيليين في يوليو (تموز) الماضي ـ، قرر استباق المساءلة عن الانفراد بقرار الحرب والسلم بالعمل على إسقاط الحكومة الحالية ... رغم أنها فاوضت بكفاءة على وقف العدوان على لبنان، كل لبنان.

وبما أنه كان لا بد من تبرير يمهّد لمكافأة الحكومة بإسقاطها ... اختار "السيد" سلاح التخوين. وهكذا، فجأة، تحوّلت الحكومة التي كانت قبل 12 يوليو قناة تفاوض موثوق لوقف العدوان الإسرائيلي إلى "حكومة (جيفري) فيلتمان" (السفير الأميركي في بيروت). وغدت زمرةً من "الخونة" و"العملاء" الذين حرّضوا الأميركيين والإسرائيليين على شن العدوان وتآمروا معهم قبله وإبانه وبعده. عند هذه النقطة يفترض أي عاقل أن يكون "الفضح" و"المقاطعة" هما الخيار الأمثل، بالذات، عند حزب مثالي ومبدئي كـ"حزب الله". غير أن "السيد" اقترح بدلاً من ذلك تشكيل حكومة "وحدة وطنية" مع نفس "الخونة" و"العملاء المتآمرين" مع إسرائيل وأميركا! ... نعم، حكومة "وحدة وطنية" مع شخصيات وقوى ثبت للحزب وأمينه العام، بالدليل الدامغ، مدى خيانتها وعمالتها للعدو.

ولكن حتى هذه النقطة يمكن تجاوزها، رغم خطورتها، على أساس أن مطلب حكومة "الوحدة الوطنية" صدر أيضاً في "توارد خواطر" مدهش عن دمشق. وبالتالي، لعل "السيد" ارتأى مصلحة عليا في مراعاة رغبة الحليف الاستراتيجي الذي يعرف، بحكم خبرته العريضة بالشأن اللبناني، مَن هم الخونة والعملاء الذين يسهل استئجارهم، ومن هم الأشراف الأطهار الذين هم كأمرأة قيصر ... فوق مستوى الشبهة.

وجاءت قضية إقرار المحكمة الدولية، كما هو معروف، لتحمل معها أزمة استقالة الوزراء الشيعة التي هدف منها "حزب الله" تسريع إطاحة الحكومة ... على وقع الخطب المجلجلة من قياداته سواء في المناسبات التأبينية لشهداء العدوان أو الملتقيات الأخرى مع "الحلفاء" الذين يستخلصهم الحزب اليوم ويراهن على وفائهم لهم، ولذا يستخدمهم "واجهة" لاستراتيجيته السياسية.

بالأمس، قرّر "السيد"، باعتباره القائد الفعلي للمعارضة، الانتقال إلى مرحلة تالية في حملته الانقلابية التي تطورت من المظاهرات إلى الاعتصامات وصولاً إلى الإضراب العام وما بعده، وذلك توازياً مع ارتفاع سقف مطالبه السياسية ("الثلث المعطل" ثم حكومة "الوحدة الوطنية")، الذي فرضه ـ حسب كلامه ـ رفض الحكومة التعامل إيجابياً معها. وأهم مطلب مطروح اليوم في هذه المرحلة التالية هو "الانتخابات المبكرة".

هنا ينبغي التوقف قليلاً لبحث هذا المطلب...

الانتخابات المطلوبة هنا غايةً لا وسيلة، بينما الانتخابات في كل دول العالم الديمقراطية وسيلة لا غاية.

فـ"السيد" و"الحزب" يريدان خوض انتخابات مبكرة قبل أن يجتاز البرلمان المنتخب بصورة حرة وديمقراطية نصف مدته الدستورية، لأن ثمة تحالفاً تكتيكياً انتقامياً عقده "الحزب" ـ الحليف الاستراتيجي لدمشق باعترافه العلني ـ مع تيار مسيحي متشدد كان حتى الأمس القريب يدّعي أبوة القرارات الدولية والأميركية المتخذة ضد "الاحتلال السوري" و"ميليشيا حزب الله"!

لا بأس، ولا حاجة لنكء الجراح. فلعل البعض اهتدى، والله يهدي من يشاء. ولكن ثمة ظروفاً وشروطاً لعقد الانتخابات، منها على سبيل المثال ... مبدأ العدالة.

فلا يجوز أن تجرى انتخابات تخوضها قوى وطوائف مسلحة ضد قوى وطوائف منزوعة السلاح.

ولا يجوز خوض انتخابات بين قوى لها حساب مالي جارٍ مع الخارج ومشاريع تشغّل عشرات الألوف وتعيلهم بعيداً عن رقابة الدولة، وقوى مقابلة تخضع حساباتها ومشاريعها للرقابة.

ولا يجوز خوض انتخابات في مناخ استقطاب طائفي مقيت، وفي ظل خطاب سياسي تحريضي خطير، لا يمكن إلا أن يفضي إلى.. إما تنامي الشعور بالخوف أو بالإحباط والكره.

إن الانتخابات كما يطرحها "حزب الله" اليوم، في مكوناتها وارتباطاتها، أقرب إلى حرب هيمنة وتصفية حسابات وتدمير مؤسسات الدولة ضد فريق من اللبنانيين ... قد يكون أكثرية وقد لا يكون. وفي هذه الحالة، ينعدم الإجماع الوطني حول سلاح المقاومة، وتسقط فعلياً شرعيته لأنه بات مستخدماً في الصراع الداخلي، مهما كان النفي الكلامي جذاباً.

ثم كان لافتاً أن يلمِّح "السيد"، بالأمس، إلى مؤامرة لـ"تهجير" الشيعة عبر محاولة منع المواطنين النازحين بفعل العدوان الإسرائيلي من العودة إلى ديارهم. ولكن كم كان التصريح سيكون أكثر فائدة من التلميح لو أن "السيد" وضع بعض النقاط على الحروف، واتهم الجهات المتآمرة علانية.

ثم إن تطرق "السيد" الى التلاعب بالشأن الديموغرافي يأتي في توقيت غريب، متزامناً تقريباً مع هواجس غريمه الحالي وحليفه السابق وليد جنبلاط الذي أعرب عن تخوفه من عمليات شراء الأراضي الواسعة النطاق في منطقتي الجبل وجزين ... ولكن بأموال شيعية!

أخيراً، من الكلام السلس والشعارات المبدئية المتعالية على الأحقاد يظهر للبعض أن "السيد" متنبه تماماً للحالة العراقية، ويهمه تجنيب لبنان مآسيها. غير أن الكلام الجميل والنية الطيبة غير منسجمين البتة مع ما يفرض على اللبنانيين أن يعيشوه يومياً من الشحن التحريضي والتعبئة الشارعية التي قد تتفجر فتناً ودماء في أي لحظة.

فهل ما زال هناك من كابح أو وازع.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف