الملك عبدالله الثاني: تغيّرت اللعبة واللاعبون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
على إيران الامتناع عن زعزعة الاستقرار في فلسطين ولبنان والعراق
إذا فكر العرب في تشكيل تكتل ليس منحازا لا للحلف الأميركي ـ الإسرائيلي ولا للحلف الإيراني ومن يدور في فلكه فهل هذا يشكل خيانة؟
علاقتنا مع الحركة الإسلامية أن دورها مرحب به طالما احترمت الدستور والقوانين وكانت أجندتها وطنية
هناك خطوط حمراء لا مجال للتهاون بشأنها
حوار- طارق الحميد
الأردن، رادار الأمن العربي، دولة بحكم الجغرافيا والتاريخ، تعد دولة مواجهة حقيقية. فيها تتلاطم أمواج التيارات العربية، بكافة مشاربها. ولأن للأردن دورا حيويا في أحداث الساعة، أهمه الرؤية الواضحة لملكها، التقت "الشرق الأوسط" الملك عبد الله الثاني في (بيت الأردن) مقر إقامته الدائم في عمان، غرب العاصمة، وجرى اللقاء بعد اجتماعه مع الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف، الذي يقوم بجولة على دول المنطقة.
كعادته كان الملك عبد الثاني واضحا، صريحا، مباشرا. ملك لا تحتاج إلى شرح مطول حين تسأله، فما أن تفتح الموضوع إلا ويدخل في إجابة مباشرة، مرفقة بمعلومة محددة. أهمية الحديث مع الملك عبد الله الثاني تكمن بأهمية الأردن، أرضا، وسياسة. من على حدودها تهب النسائم بكل ما لدى الجوار، من خير وشر. فحين خروجك من مطارها الدولي تشدك لوحة مكتوب عليها (الحدود السعودية - العراقية). وهذا يكفي. نموذجان لا يمكن تجاهلهما، نموذج للاستقرار، وهو السعودية، ونهج عدم التدخل في شؤون الغير، ونموذج آخر وهو العراق، بعد الانقلابات، وثلاثين عاما من حكم صدام حسين الملتهب بالحروب، ومن بعد ذلك سقوط النظام وشبح الحرب الأهلية، وبالتالي نزوح أسرى إلى الأردن بلغ عددهم سبعمائة ألف.
وليس بعيدا من كل ذلك إسرائيل واحتلالها للأراضي الفلسطينية، والأردنية، أيضا من قبل، واليوم وسط كارثة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين تطل فتنة داخلية بين الفلسطينيين أنفسهم. وإذا ما كنت واصلا إلى مطار عمان من لندن فان نقطة الدخول إلى الأجواء الأردنية تبدأ منذ خروجك من أجواء العاصمة السورية دمشق، والتي يقول الملك عبد الله الثاني عن العلاقات معها "على المستوى السياسي، للأسف ليست بالمستوى الذي نتمنى".
وبعيدا عن الحدود، يأتي شبح الإرهاب، حيث يؤكد العاهل الأردني أن جميع الأعمال الإرهابية التي تأذى منها الأردن كان مصدرها، وعناصرها من الخارج. وأجاب بلا تردد عن مصادر تمويل الجماعات الإرهابية بالسلاح قائلا "للأسف من بعض دول الجوار".
من الحديث مع الملك عبد الله يتضح قلقه على القضية الفلسطينية، وما يحدث بين الفلسطينيين، ويجوز هنا القول انه كان منزعجا لما يدور في الساحة الفلسطينية وكذلك من الأوضاع في العراق ولبنان. لكن من حديثه تلمس انه أكثر تفاؤلا بالعام 2007، على اعتبار أن العام الماضي كان أكثر قسوة، لكنه عام تعلم منه الجميع، حسب تعبيره، قبل أن ندلف في لب الحوار.
في حوارنا حذر من التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وكذلك من اللعب على الطائفية، وحذر من انه إذا لم يكن هناك حل للقضية الفلسطينية هذا العام فالجميع سيدفع الثمن. وحذر إيران من زعزعة استقرار فلسطين، ولبنان، والعراق.
وفي الحديث معه بين رؤيته حول التعامل مع كافة التيارات في بلاده، بما فيها الجماعات الإسلامية، محذرا بأنه لا تساهل مع من يتبعون أجندة غير الأجندة الأردنية، مبينا الخطوط الحمراء لأي جماعة قائلاً إن على الجميع أن يعمل وفق النظام الأردني. وأكد على ضرورة الديموقراطية، لكنه حذر ممن يستخدمون الديموقراطية فقط لمرة واحدة، من اجل الوصول لغايتهم.
ولم يتردد الملك عبد الله الثاني بالكشف عن رؤيته إزاء سياسة المحاور في المنطقة بالقول "هل إذا فكر العرب أن يشكلوا تكتلا ليس منحازا لا للحلف الأميركي - الإسرائيلي، ولا للحلف الإيراني والدول والتنظيمات التي تسير في فلكه، فهل هذا يشكل خيانة.. إن الخيانة هي أن تذهب بعيدا وان تتحالف مع أعداء الأمة ضد تطلعاتها". وهنا نص الحوار:
* جلالة الملك، قامت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس بزيارة للمنطقة من أجل الدفع بعملية السلام في فلسطين ومن أجل الوضع في العراق.. كيف يقيم جلالتكم هذه الزيارة؟ وكيف ترون السياسة الأميركية بشكل عام في المنطقة في هذه المرحلة؟
- لقد بدأنا نلحظ في الآونة الأخيرة من المسؤولين الأميركيين، جدية أكثر في موضوع القضية الفلسطينية. وخلال زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش للأردن، ولقائي مؤخرا بوزيرة الخارجية الأميركية رايس، لمسنا استعدادا والتزاما أميركيين للمضي قدما في اتجاه تنفيذ رؤية حل الدولتين.. وكذلك بدأنا نسمع منهم طروحات تركز على مواضيع الحل النهائي مثل القدس واللاجئين.
ما أود قوله أن اللعبة تغيرت بعد حرب لبنان، واللاعبين تغيروا أيضا، وعلى الجميع وفي مقدمتهم إسرائيل، إدراك أنه ما لم نتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية هذا العام، فإن الجميع سيدفع الثمن.. على إسرائيل أن تدرك أن إيجاد حل عادل يضمن إعادة الحقوق المشروعة للفلسطينيين، ويؤدي في نهاية المطاف إلى إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية، تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل، هو الضمانة الأكيدة لإرساء الأمن والاستقرار في المنطقة. وبغير ذلك، فإن المنطقة ستقبل على كوارث جديدة على شاكلة ما جرى في لبنان. ما أود قوله هو أن القضية الفلسطينية هي جوهر الصراع في المنطقة، ونأمل أن يدرك المجتمع الدولي أن قضايا المنطقة مترابطة وان التعامل معها وفق منظور شمولي يحقق مصالح الجميع وينهي حالة الشعور باليأس والإحباط لدى شعوب المنطقة ويسد الطريق في وجه انزلاق المنطقة نحو هاوية التطرف والعنف والإرهاب، هو الأساس الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
* جلالة الملك، أطلقتم مصطلح الهلال الشيعي، الأمر الذي أثار عاصفة نقد كبيرة، خصوصا من قبل الأحزاب ذات السمة الشيعية في العراق ولبنان، هل ترى أن هذا المصطلح مازال صائبا، وهل ترى انه فهم كما كنت تريده؟
- أنا لا أفضل الدخول في متاهة التوصيفات التي تنطلق هنا وهناك، وأدرك أن الشيعة العرب يؤمنون بأمتهم وعروبتهم، ولا يريدون لها إلا الخير والوحدة. عندما تحدثت عن الهلال الشيعي، كان الحديث عن التحالفات السياسية، ولم أقصد التصنيف المذهبي للمعنى، بل نحن ننظر للأمور من زاوية ضرورة الحفاظ على استقرار المنطقة وأمنها، ولا ننظر إليها من زاوية تحقيق المصالح الضيقة.
والمسألة ليست مجرد شعارات بقدر ما نركز اهتمامنا على واقع وأخطار وتحديات كبيرة وعديدة تعيشها منطقة الشرق الأوسط برمتها في اللحظة الراهنة وتتهدد امن ومستقبل شعوبها التي تعاني وما زالت من آثار الحروب والاقتتال واستعار العنف والاقتتال الطائفي، والتي كنا حذرنا منها ومن نتائجها وتداعياتها الخطيرة مرات عديدة. نحن من عترة آل البيت، والهاشميون على مر التاريخ كانوا دوما وما زالوا وحدويين يجمعون شمل الأمة ويخدمون قضاياها ويستظل بظلهم كل من نأى بنفسه عن أهواء الفتن والطائفية البغيضة التي تفتت كلمة الأمة وتبدد طاقاتها ومقدراتها... فلا مجال إذا أردنا الخير لامتنا، وتأمين مستقبل زاهر لأبنائها، إلا أن يعمل مسلموها سنة وشيعة على تعظيم الجوامع ونبذ الخلافات فيما بينهم وعدم فتح المجال لأي تدخل أجنبي في شؤونهم.. ورفض أية إملاءات خارجية تقوم بها بعض الدول التي تريد هذه المنطقة ساحة لتنفيذ مخططاتها على حساب مصلحة الشعوب وأمنها واستقرارها. وكما يعلم الجميع، فإن الشيعة والسنة قد تعايشوا ومنذ فترة طويلة بتوافق وانسجام في عدة دول في منطقة الشرق الأوسط، ونأمل أن يتواصل هذا التعايش اليوم، كما يأمل الأردن بتجنب إثارة الاختلافات الدينية والطائفية، بهدف خدمة الأجندة السياسية لأي دولة، لأن مثل هذا التوجه سيجلب الدمار لمنطقتنا وسيتهدد الأمن العالمي.
* جلالة الملك، تعليقا على مصطلح الهلال الشيعي، روى لي معنيون بالعراق أن مسؤولا إيرانيا رفيع المستوى قال تعقيبا على تصريحكم، إن إيران تتطلع إلى بدر شيعي، وليس فقط إلى هلال شيعي، هل اكتمل البدر فعلا برأي جلالتكم؟
- مرة أخرى لا نريد الدخول في متاهة التوصيفات، نحن نتعامل بجدية مطلقة مع التحديات التي تواجهنا وتواجه مستقبلنا، ونسعى بكل حزم للحفاظ على مصالح الأمة وهويتها، ونقف ضد كل من يحاول أن يدس السم في جسدها. وكل محاولات النيل من مقدراتها ستبوء بإذن الله بالفشل من خلال المزيد من الوعي والإدراك الحقيقي لما يحدق بنا من مخاطر. ونأمل من القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة أن تتعامل مع قضايا المنطقة من منطلق الحرص على أمنها وسلامتها وسلامة شعوبها وليس من منطلق المصالح الضيقة وبسط الهيمنة وتوسيع دائرة النفوذ.. وبالنسبة لإيران، فنحن نود أن نرى علاقة متوازنة وإيجابية بين العراق وبين إيران، وبين الدول العربية وإيران، ومع ذلك، نرى أن على إيران، أن تمتنع عن السعي لزعزعة الاستقرار في فلسطين ولبنان والعراق وأية أجزاء أخرى في المنطقة، حتى يتاح لنا التقدم باتجاه بناء هذه العلاقات.
* جلالة الملك، كيف ترون الدور الإيراني في المنطقة، وخصوصا في العراق؟
- الوضع في العراق كما تعلم وتشاهد على ارض الواقع، معقد وخطير للغاية، ويؤلمنا أشد الألم ما نراه من استمرار لأعمال العنف ومحاولات بغيضة لا تمت للدين ولا للإنسانية بصلة لإذكاء الاقتتال والانقسام الطائفي بين أبناء الشعب الواحد سواء من داخل العراق أو خارجه، وإننا إضافة إلى ما أسلفنا سابقا نأمل أن تنصب جهود كل الدول المجاورة للعراق بما فيها إيران على مساعدته للخروج من محنته وأزمته الراهنة والحيلولة دون انزلاقه إلى حرب أهلية شاملة تتجاوز آثارها وتداعياتها وانعكاساتها العراق لتصيب المنطقة بأسرها وتزيد من حالة الاحتقان فيها. ما أود قوله أن إيران أحد الجيران الأقوياء للعراق، ولها أذرع فيها، ولكن ما نأمله أن تكون أذرع خير، لأن الفتنة الطائفية في هذا البلد إذا استمرت فستحرق الأخضر واليابس وتجرف معها دول المنطقة كلها.
* جلالة الملك، هل تخشون من احتمال تقسيم العراق؟ وما مدى جدية هذا الخطر؟
- إذا استمر الوضع على ما هو عليه وتواصلت حدة العنف والفوضى الأمنية واستمرت محاولات عرقلة الجهود المبذولة لتحقيق الوفاق الوطني بين أبناء الشعب العراقي، فإن هناك مخاوف حقيقية من تقسيم العراق إلى دويلات ضعيفة متطاحنة تتصارع على مصالح آنية ضيقة على أنقاض دولة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ، وسيكون الخاسر الأكبر فيها الشعب العراقي بجميع أطيافه ومكوناته.
* المد الطائفي الذي يبرز في العراق ما تأثيره، وكيف السبيل لمواجهته؟
- لا يختلف اثنان بأن مثل هذا المد إذ قدر له أن يتعمق ويتغلغل سيكون تأثيره سلبيا للغاية ولن يخدم أحدا.. وستنعكس آثاره المدمرة على الجميع، حيث سيكرس نزعات الانقسام والتمحور والانعزال والانغلاق والتفتت، وستغرق هذه المنطقة في مناحرات قاسية وعاصفة لا يعرف احد مداها.. وعلى علماء الدين وقادة الرأي والفكر رفع صوتهم عاليا لمواجهة هذا المد والتوعية والتحذير من خطورته على أمن وسلامة أبناء المنطقة وشعوبها، وعلى دول المنطقة وقادتها العمل سويا، لبلورة مواقف متسقة وموحدة، للتصدي لهذا التحدي الخطر ووقف امتداده وانتشاره.
* تردد حديث في فترات عن "القنبلة الديموغرافية" في الأردن بسبب العدد الكبير من اللاجئين في أراضيه، كيف ترون هذا الأمر؟
- قدر الأردن دائما أن يضحي وأن يكون الملاذ الآمن لضحايا الحروب في المنطقة، بل هو أكبر بلد في العالم يستقبل اللاجئين والهاربين من جحيم الحروب بالنسبة لعدد السكان. إن استقبال الأردن لهذه الموجات من اللاجئين، والتي فرضتها ظروف قسرية، كان لأسباب إنسانية بحتة.. فهؤلاء وجدوا في الأردن الملاذ الآمن الذي يوفر لهم سبل الحياة الكريمة والمستقرة، ولكنها حملتنا أعباء إضافية، وشكلت ضغطا على البنية التحتية والخدمات.. واستنزافا لمواردنا الطبيعية.. ولكننا ومع وجود جملة هذه الأعباء، لن نتخلى عن تأدية دورنا الإنساني واستضافة الأشقاء حتى تتاح لهم، وتتهيأ أمامهم الظروف الملائمة للعودة إلى بلدانهم.
* جلالة الملك، هناك عدد كبير من اللاجئين العراقيين في الأردن من بينهم بعثيون، وعدد من أفراد أسرة صدام حسين ومسوؤلين عراقيين سابقين، ما الضغط الذي يشكله وجود كل هؤلاء في أراضيكم، وهل يجعلكم هذا أكثر قلقا من تداعيات الوضع العراقي؟
- الحمد لله أننا لم نسمع بأي مشكلة رافقت الوجود العراقي في الأردن، فنحن برغم صغر حجم إمكاناتنا ومواردنا الطبيعية نتشارك مع إخوتنا العراقيين لقمة العيش، ونوفر لهم كل التسهيلات والخدمات المتاحة وفقا لذلك، حتى تتهيأ لهم فرصة العودة إلى بلدهم والمشاركة في عملية بنائه وإعادة إعماره. والأردن كما تعلم ومنذ نشأته كان وما يزال موئلا لكل من استجار به، وبخاصة لأشقائه العرب، لكن الأمر المهم هو أن كل من يعيش على تراب الأردن، يجب أن يلتزم بقوانين وأنظمة هذا البلد وبالمحافظة على أمنه واستقراره، بمن فيهم الإخوة العراقيين المقيمين في الأردن. وأود أن أؤكد مرة أخرى أننا في الوقت الذي نعزز فيه علاقاتنا التاريخية مع إخوتنا العراقيين سواء داخل العراق، أو من خلال العراقيين الموجودين بيننا والذين يربوا عددهم عن 700ألف، فلن نسمح في المقابل أن يستخدم الأردن ساحة لإثارة أية مشاكل تجاه العراق.
* أثار إعدام صدام حسين وبعده برزان وعواد البندر سجالا كبيرا في العالم العربي والعراق، ما رأيك بهذا الحدث؟
- لقد ثارت ضجة كبيرة في الشارع العربي عقب إعدام صدام حسين، حتى أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي اعترف أن هناك أخطاء ارتكبت خلال عملية الإعدام. كان يمكن أن يتم التعامل مع هذا الموضوع بشكل لا يغذي الطائفية والعنف.. وكنا نتمنى أن يكون التعامل بشكل آخر مع هذه المسألة.. لكن ما يهمنا الآن هو أن يتجاوز العراقيون تداعيات ما جرى، وأن يعملوا على تفويت كل من يستهدف عرقلة جهود توحدهم وتماسكهم، ونأمل من كافة القوى السياسية العراقية، وبغض النظر عن انتماءاتها الدينية والمذهبية والعرقية، أن تغّلب لغة الحوار نهجا وطريقا وصولا لتحقيق الوفاق الوطني، وتحفيز كافة مكونات الشعب العراقي، للانخراط في العملية السياسية بما يحفظ بلدهم ومستقبله وسيادته ووحدة أراضيه.
* نشهد الآن صراعا بين فتح وحماس، في فلسطين، وبين قوى 14 آذار وحكومة فؤاد السنيورة من طرف وقوى المعارضة بقيادة حزب الله من طرف آخر في لبنان، هل نحن إزاء انقسام بين محورين: المحور العربي المعتدل وفيه السعودية والأردن ومصر، وآخر فيه سورية كطرف عربي وحيد بدعم إيران، هل تتفق مع هذه القراءة؟
- كثر الحديث مؤخرا عن سياسة المحاور والأحلاف وتصنيفها على أساس هذا محور الاعتدال وهذا محور التطرف.. أنا من المؤمنين بشكل قوي بأن يكون لدى العرب صوت واحد وموقف موحد، وان هناك يكون تفاهم عربي إزاء ما يجري حولنا، وأن تكون هناك مواقف عربية موحدة ومتوافقة تجاه مختلف التحديات التي تواجه شعوبنا في هذه المرحلة، وأن تترجم الأقوال إلى أفعال.... ما يجري في المنطقة يقلقنا كثيرا، لأننا نعرف أن انعكاساته ستكون خطيرة، وهذا بصراحة يستدعي منا جميعا، أن نعمل سويا وأن يكون صوتنا موحدا، لدرء مثل هذه الأخطار. أنا أود أن أتساءل أنه إذا كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تصنفان على أنهما محور، وإيران وبعض القوى والتيارات السياسية وسورية، تصنف على أساس أنها محور آخر... فهل إذا فكر العرب أن يشكلوا تكتلا ليس منحازا لا للحلف الأميركي - الإسرائيلي، ولا للحلف الإيراني والدول والتنظيمات التي تسير في فلكه، فهل هذا يشكل خيانة.. إن الخيانة هي أن تذهب بعيدا وأن تتحالف مع أعداء الأمة ضد تطلعاتها. نحن نريد موقفا عربيا موحدا. إذا كان لأميركا موقفها وكان لإيران موقفها، فلماذا تستكثرون على العرب أن يكون لهم موقف موحد ومستقل.
* جلالة الملك، تزايد الحديث مؤخرا عن وجود اتصالات بين الجانب الإسرائيلي والجانب السوري، كيف ترون مسار مفاوضات السلام بين سورية وإسرائيل، وفي حال تقدم هذا المسار، كيف ستنعكس الأمور على الأردن فيما يخص العلاقات بينكم وبين السوريين؟ وإلى أين وصلت علاقتكم مع سورية؟
- أبدأ حيث انتهى السؤال. العلاقات مع سورية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي تسير بشكل طبيعي، وهناك تبادل للزيارات والخبرات في مجالات التعليم والبنوك والأنظمة المالية. لكن على الصعيد السياسي، فإن العلاقات للأسف ليست بالمستوى الذي نتمنى، هذا من جهة، أما من ناحية انطلاق المفاوضات على المسار السوري، فالأردن ومنذ انطلاق عملية السلام في مدريد كان يؤمن بضرورة إحراز تقدم على كافة المسارات خلال عملية المفاوضات، بما في ذلك المسار السوري - الإسرائيلي. ونحن مع أي خطوة تشكل دفعا حقيقيا للعملية السلمية، وصولا إلى تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم. لكن لا بد أن ندرك أن القضية الفلسطينية التي تشكل جوهر الصراع العربي الإسرائيلي هي الأساس، فلا بد من حشد التأييد والدعم الدولي لتحريك واستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الذي يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، على التراب الوطني الفلسطيني.. وبدون تحقيق ذلك، فلن يكون هناك سلام شامل وعادل في المنطقة.
* تتميز الأردن عبر تاريخها السياسي الطويل بسمة تميزها عن اغلب الدول العربية وهي قدرتها على إدماج الأحزاب الأصولية، واعني الإخوان المسلمين على وجه التحديد، في اللعبة السياسية، في حين تشهد كثير من الدول العربية توترا كبيرا في هذا المجال، برأيكم لماذا هذه الخصوصية الأردنية؟
- الأردن بطبيعته، منفتح على جميع التيارات السيــاسيــة والفكرية، وهذا هو الأساس في العملية الديمقراطية التي نسعى إلى تجذيرها حتى نضمن مشاركة الجميع في عملية البناء ورسم المستقبل. ولا شك، أن الحركة الإسلامية في بلدنا، هي جزء من منظومة العمل السياسي ونسيجنا الوطني.. وكان لها إسهاماتها في الحياة العامة والمشاركة الفعالة في العمل السياسي.. فهم ممثلون في البرلمان، كما شارك عدد من رموزهم في عدد من الحكومات الأردنية، وهذا ينسجم مع الانفتاح والتوجه الديمقراطي والتعددية السياسية التي يشكل ترسيخها أولوية من أولوياتنا.
* جلالة الملك، وصف الرئيس المصري حسني مبارك الإخوان المسلمين بأنهم خطر على امن مصر، كيف تنظرون إلى الحركة الإسلامية في بلادكم خصوصا في ظل حدوث مواجهات بين الحكومة الأردنية وعدد من تيارات الحركة الإسلامية؟
- كما أسلفت سابقا، فإن الحركة الإسلامية جزء من النسيج الوطني والسياسي في بلدنا، ونحن نرى أن بعض رموزها وقياداتها على درجة من المسؤولية وهم مثل غيرهم من أبناء الوطن حريصون على أمن واستقرار الأردن، وكلنا في مركب واحد، ونسير في اتجاه واحد، هو بناء المستقبل الأفضل لهذا البلد، والاستمرار في مسيرة البناء والإنجاز والتطوير، وقد يكون هناك اختلافات في وجهات النظر تجاه بعض القضايا، لكن في النهاية الجميع يجب أن يلتقي على مصلحة البلد ومستقبله.. ونحن لا نقيم الأمور على قاعدة هذا إسلامي وهذا يساري وهذا قومي.. المعيار لدينا هو مصلحتنا الوطنية التي تبقى فوق كل اعتبار. إن ما نود قوله في علاقتنا مع الحركة الإسلامية أن دور هذه الحركة مرحب به ومقدّر طالما احترمت الدستور والأنظمة والقوانين، وطالما كانت أجندتها وطنية أولا ودائما. ولن نتساهل مع أي جهة توجهاتها خارجية أو لها أجندة غير الأجندة الأردنية. ثم أن هناك مسألة أخرى وهي أن على جميع التنظيمات السياسية المنبثقة عن الديمقراطية أن تحترم الديمقراطية في كل الأزمان والأوقات، وأن لا تستخدم الديمقراطية لمرة واحدة فقط أي للوصول إلى الأهداف التي تسعى إليها ثم تنقلب على الديمقراطية، فهذا غير مقبول إطلاقا.
* جلالة الملك، مما يميز تجربة بلادكم في هذا الأمر أن القصر الملكي ظل خط الأمن للأردن في مواجهة التصاعد الأصولي، وقبله القومي، وغيره من التيارات التي اجتاحت العالم العربي، كيف استطاع القصر فعل ذلك؟
- نحن مظلة للجميع، وأبوابنا مفتوحة أمام الجميع، من كافة الأطياف والتيارات والقوى السياسية وبغض النظر عن الأصول والمنابت، ونعتمد سياسة الاعتدال والوسطية والتواصل والترابط مع أبناء شعبنا، ونقبل الرأي الآخر ونتحاور بصراحة مطلقة تجاه كل القضايا وما يشغل الأمة وما يحيط بها من تحديات، وهناك في المقابل خطوط حمراء يدرك الجميع أن لا مجال للتهاون بشأنها، وهي متصلة بأمننا الوطني ومتانة جبهتنا الداخلية، التي لا نسمح مطلقا لأي جهة أو فئة مهما كانت انتماءاتها العبث بها أو اختراقها. وبالمحصلة هذه المعادلة شكلت للجميع مرشدا وموجها تمكنا بحمد الله من خلالها وفي إطارها من حماية بلدنا والسير به نحو مزيد من القوة والمنعة والإنجاز.
* شهد الأردن صراعا مع الإرهاب الأصولي وعمليات دامية مثل عملية تفجير الفنادق، هل ترى أن الدولة الأردنية تدير ملف التعاطي مع الإرهاب بشكل يرضيك كملك للبلاد، خصوصا أن هناك معلومات تشير إلى محاولات إرهابية فاشلة كان القصد منها النيل من سلامة جلالتكم؟
- دعني أجيب على الشطر الأخير من السؤال في البداية، نحن بحمد الله واثقون بأننا نسير بالاتجاه الصحيح وأنا أضع سلامة وطني وأبناء شعبي قبل سلامتي وأمني الشخصيين ولا يرعبنا أحد ولا نخاف من أحد، ولدينا أجهزة أمنية واعية وموضع فخرنا واعتزازنا، وهي مؤهلة ومدربة تواصل الليل بالنهار سهرا على إدامة وصيانة أمن الأردن وشعبه، كما أن أبناء شعبنا يعون تماما أن هناك جهات تستهدف النيل من هذا البلد وإضعافه، وقد انكشفت مخططات هذه الجهات والجماعات الإرهابية، وتحطمت مؤامراتها بفعل متانة جبهتنا الداخلية، وإخلاص الأردنيين لوطنهم وولائهم لأمتهم. ونحن نفخر بوقفة الأردنيين الشجاعة وتصديهم لكل المحاولات الإرهابية التي استهدفت ترويع المواطنين الآمنين. * من أين يأتي الدعم للجماعات الإرهابية في الأردن؟ من أين يأتي السلاح مثلا؟
- أود أن أوضح أن معظم العمليات الإرهابية التي تأذى منها الأردن كان مصدرها خارجيا، وعناصرها أيضا... وبعد أن فشل تنظيم القاعدة في تجنيد عناصر أردنية في عملياته، غيّر إستراتيجيته نحو استخدام عناصر غير أردنية. أما بالنسبة للسلاح الذي يستخدم في العمليات الإرهابية فهو للأسف من بعض دول الجوار.
* هل ترصدون عناصر "القاعدة" في العراق خصوصا في ظل وجود أردنيين بينهم؟
- إن أجهزتنا الأمنية المناط بها مسؤولية الحفاظ على أمن واستقرار هذا البلد، على درجة عالية من الكفاءة والاقتدار، وهي تقوم بعملية تتبع مصادر الجماعات الإرهابية وخلاياها حتى تتمكن من الحيلولة دون تنفيذ عملياتها الإرهابية.. ولأننا نعلم حجم التهديد الذي يواجهه الأردن، فإن إستراتيجيتنا الأمنية تقوم على كشف أية محاولة قبل وقوعها.. وبين فترة وأخرى، تمكنت أجهزتنا من إحباط وإفشال العديد من العمليات الإرهابية.
* جلالة الملك، شهدت السعودية مؤخرا تنظيما جديدا لكيفية انتقال الحكم داخل الآسرة الحاكمة، باعتبار الأردن يتبع النظام الملكي، هل ترون أن هناك حاجة تدعو في الأردن إلى إيجاد صيغة ما لترتيب بيت الحكم، وعملية اختيار الملك؟
- لدينا بحمد الله دستور يعد من أفضل الدساتير وأكثرها حداثة. وهذا الدستور الذي يحظى بتوافق واحترام الجميع له في الأردن، يتضمن مواد واضحة لا لبس فيها، حول نظام الحكم في الأردن.. ولا أعتقد وفق هذه المنهجية أننا بحاجة إلى إجراء تعديلات أو تغييرات بشأن ذلك الأمر.
* رفعتم شعار "الأردن أولا" و"كلنا الأردن" ما الذي تحقق من هذه الإستراتيجية حتى الآن؟
- ملتقى كلنا الأردن، شكل نهجا سياسيا وطنيا لتفعيل المشاركة الشعبية في عملية تحديد أولوياتنا الوطنية في هذه المرحلة. وكانت الأطياف السياسية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني ممثلة في هذا الملتقى، الذي نرى فيه عملية منهجية متواصلة نعمل من خلالها على تحقيق وتنفيذ رؤيتنا لبناء الأردن الأفضل والنموذج، وهذا لا يتحقق بين ليلة وضحاها.. لقد وضع المشاركون في الملتقى آليات وبرامج عمل، لترجمة ما تم التوافق عليه إلى واقع ملموس.. وأعتقد أن "كلنا الأردن"، لن يكون مجرد شعار، وإنما هو إطار عملي نرتقي من خلاله إلى ترتيب بيتنا الداخلي وإدامة مسيرة التقدم والازدهار في هذا البلد، على قاعدة أن الجميع شركاء في تحمل المسؤولية وفي عملية صناعة القرار.. إن ما نسعى إليه هو أن يكون هدف كل أردني وأجندته أردنية أولا، وأن لا يكون هناك تقاطع أو تباين بين انتماء الإنسان لوطنه وانتمائه لأمته العربية والإسلامية.
* جلالة الملك قلتم في تصريحات صدرت عنكم مؤخرا، أن الأردن يسعى لتطوير برنامج نووي للأغراض السلمية والطاقة.. فهل قمتم بأية خطوات بهذا الاتجاه؟
- نحن نعتمد بشكل رئيسي في تأمين احتياجاتنا من الطاقة على استيرادها من الخارج، الأمر الذي يشكل علينا أعباء مالية كبيرة، خاصة في ضوء ما تشهده أسعار المشتقات النفطية من ارتفاع متزايد. ونحن ومنذ سنوات نبحث عن مصادر بديلة للطاقة، كالصخر الزيتي واستخدام الطاقة الشمسية.. كما كان من بين البدائل المطروحة هو التفكير في الاستخدامات السلمية للطاقة النووية لتوليد الكهرباء واستخدامها لتحلية المياه كخيار مستقبلي. ودعني أقول أن استخدام الطاقة النووية له ظروفه وتحدياته، ومن أبرزها الطلب المتزايد على الطاقة وارتفاع أسعارها والاعتماد المتزايد على النفط المستورد ونقص وقلة المصادر المائية.. والأردن جزء من المنظومة الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تطوير برامج نووية سلمية، لمساعدتها في تلبية احتياجاتها المتزايدة للطاقة، وضمن القوانين والأنظمة والتعليمات الدولية.