جورج بوش سيقرر مهاجمة إيران !
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس 25 يناير 2007
كامل زهيري
"رئيس المستنقعات" من مستنقع الحرب علي العراق إلي حرب نووية محدودة
زرت أمريكا بين عامي 1961 و1962 أيام الرئيس جون كنيدي. وأمضيت سبعة شهور بدعوة من جامعة أنديانا. ومنها شهر في الجامعة. والبقية في جولة من الشاطئ إلي الشاطئ. ومنها شهر في مجلة "نيوزويك الأسبوعية". وشهر في "سان فرانسيسكو كرونيكل" اليومية.
وحين قتل الرئيس كنيدي في ولاية دالاس كتبت مقالاً في "روز اليوسف" بعنوان: "شجاع سقط"!.
وعدت الآن إلي ما كتبت في روز اليوسف وصباح الخير لأنني عدت من أمريكا بكتابي "ممنوع الهمس عن مشكلة الزنوج". وعدت إلي ما حيرني وكان لابد أن أنقله إلي القراء عن تصاعد اليمين المتطرف في أمريكا منذ أكثر من أربعين عاماً.
وفي "روز اليوسف" 9 ديسمبر 1963 كتبت مقالاً بعنوان: "كيف يفكر الرجعيون في أمريكا؟!".
وبدأته بدهشتي أن الأطفال في ولاية دالاس رقصوا بعد موت الرئيس الأمريكي.
وقلت:
رقص الأطفال في ولاية دالاس لأن رئيس جمهوريتهم قتل. وسالت دماؤه!.
وهذه الصورة الغريبة التي تشبه صورة الهنود الحمر الذين يعرضهم الأمريكيون في أفلامهم باشمئزاز واستخفاف. وقد هجموا بحرابهم. وداست سنابك خيولهم جماجم وعظام الأطفال. أصبحت اليوم تتكرر.
ولكن يا للغرابة.. أن تصل مدينة تدعي لنفسها الفضل والرقي إلي ذلك المستوي العجيب من الجهل والكراهية والتعصب.
وقلت في مقال 9 ديسمبر 1963:
ولكن الحديث عن الكراهية والتعصب في أمريكا ليس بسيطاً.
نستطيع أن نفسره في حكم سريع وجملة مقتضبة. لأن للكراهية والتعصب أسباباً كثيرة متعددة. بعضها تاريخي وفكري. وبعضها سياسي واجتماعي.
وأمامي هنا كتب ثلاثة. ألفها مؤلفون تتفاوت أهميتهم وخطورتهم.
ولكنهم جميعاً ينفثون هذه الكراهية ويفلسفونها. ويعتقدون أنها أصوب السياسات التي لابد أن يؤمن بها الأمريكيون.
فهناك كتاب "ضمير محافظ" كتبه السيناتور "بيري جولد ووتر" عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس.
وهناك كتاب "في داخل جمعية جول بيرش" التي أسسها "روبرت ويلش" وهو داعية يميني متعصب أشد التعصب. متطرف أشد التطرف. حتي يحسبه المرء "مهووساً". ولكنه يدعي أن له أنصاراً عديدين مجهولين. وهو يوزع النشرات ويظهر أحياناً في التليفزيون في البرامج المهمة التي يحيط بها ويهتم بها الجمهور.
وهناك كذلك كتاب ثالث بعنوان "دعونا من الليبرالية". ومؤلفه شاب جامعي في حزب الجمهوريين. يدعون أن له مستقبلاً باهراً واسمه "ويليام باكلي".
وقد حضرت له محاضرة في جامعة "آنديانا" وسط أمريكا. حين كنت أزورها عام .1960 ولمحت في باكلي هذا سيطرة غريبة علي جماهير الطلبة. لأنه يتكلم وكأنه ممثل كلاسيكي. في صوته بحة هاملت. وصرخة يوليوس قيصر. وتجعيرة ممثلي إيطاليا القدامي من أساتذة يوسف وهبي!.
وهو يلتزم بالكلام الأنيق والدقيق. ويرفع صوته ثم يخفضه طبقاً لقواعد الخطابة الكلاسيكية المحبوكة!.
والعجيب أن له سحراً علي بعض جمهوره.. لأنك لن تستطيع أن تعثر علي شاب فياض الحماسة. أبيض الوجه. أنيق الملبس. يتكلم بذلاقة. فتتوقع أن يكون متحرر الفكر. ولكن التناقض بين مظهره الأنيق وفكره العتيق يكسبه شيئاً من المغناطيسية التي تهز أفئدة بعض الشباب والفتيات..
وهذا الخطيب الكاتب يهاجم الليبرالية. ويهزأ بالنظام الرئاسي.
وكان يعلق سخطه علي كنيدي في عام 1961. واستهزاءه بسياسة "الحدود المفتوحة" التي أعلنها كنيدي.
وخلاصة فكره أن تكف الحكومة الفيدرالية في واشنطن عن التدخل في شئون الولايات. وأن تعود إلي سياسة الحكومة "السلبية" لتدع المواطنين يعيشون كما يريدون!.
وقد سمعت أحد المستمعين أثناء المناقشة التي تلت محاضرة ويليام باكلي يتهمه بالرجعية. ويعلن سخطه علي اليمين ويقول ما معناه:
إلي أين تدفعون بأمريكا؟!..
وقال هذا المستمع ساخراً: إن باكلي لو عينوه رئيساً لشركة فوكس السينمائية. وهي المعروفة بشركة "فوكس للقرن العشرين" فسوف يحولها برجعيته إلي شركة "فوكس للقرن السادس عشر"!.
وفي نفس المقال كتبت:
وعلي الرغم من اختلاف هذه الشخصيات الثلاث. لأن ويليام باكلي أستاذ جامعي. وبيري جولد ووتر شيخ في الكونجرس. وروبرت ويلش داعية متهوس.. إلا أنهم جميعاً يجمعون علي رأي واحد.. وهو معارضة أي تدخل من الحكومة الفيدرالية مهما كانت دوافع هذا التدخل.
وإذا كان روبرت ويلش أكثرهم هوساً. فإن باكلي أكثرهم عقلاً. وبير جولد ووتر أكثر خطراً.
لأن بيري جولد ووتر شيخ من أعضاء مجلس الشيوخ. وهو يمثل ولاية تكساس. ووراءه ملوك المال وأمراء البترول. والمتمردون في الجنوب ضد سيطرة الشمال.
.. وهو خطر لأنه يتكتك للزحف من ولاية دالاس في الجنوب إلي الشمال. حتي يرشحه حزب الجمهوريين في مؤتمره القادم لمنصب الرئاسة.
وليس أمام بيري من عقبات إلا شخصيتان هما "نيكسون" و"روكفلر" حاكم ولاية نيويورك. وتتأرجح الأسهم بين الثلاثة.
وحين كنت في أمريكا كان روكفلر يسبق بيري جولد ووتر. وكان ترتيب النجوم الثلاثة.
روكفلر أولاً. ويليه نيكسون. وبعدهما جولد ووتر.
لكن روكفلر فاجأ جهور محبيه بتطليق زوجته بعد عشرة طويلة دامت لعشرين عاماً. فانطلقت صحف نيويورك "المثيرة" تشيع الخبر وتعلن أنه تزوج من سيدة أخري!.
وحدث في نفس الوقت حادث أليم. لأن روكفلر فقد ابنه في المحيط الهادي. وطار والده يبحث عنه.
وقد رأيت روكفلر خطيباً في حفل أقامته جمعية صحفية في أقصي الجنوب في مدينة ميامي بولاية فلوريدا المضيئة بالشمس والدفء في عز الشتاء!.
وكانت الجمعية الصحفية قد دعت إلي احتفال فخم مترف في فندق تكلف ثلاثة ملايين دولار.. وقد صنع نسخة طبق الأصل من قصر فرساي بفرنسا. والفندق نفسه كان يحمل اسم "فرساي".
وسمعت روكفلر المليونير الخطيب. وهو يحذر من خطر الحرب الذرية القادمة. وكان يدعو كل الأمريكيين إلي بناء مخابئ حديثة مزودة بالماء والهواء والأكل.
وكان يتكلم وكأن الحرب العالمية الثالثة علي الأبواب.
وقال روكفلر في محاضرته بفندق فرساي الأمريكي في ميامي فلوريدا: إنه أمر بإقامة المخابئ وتزويدها بأحدث المعدات حتي لا تفاجئ الحرب أهل ولايته!.
* * *
كان يمكن أن يمر ما سمعته وما رأيته وما قرأته لو لم أر بعيني مشهداً لا أنساه" وأنا أتوجه إلي مجلة "نيوزويك" في نيويورك. وكنت مدعواً لأحضر اجتماع مجلس التحرير للمرة الأولي.
وقبل الصعود إلي الطابق الثاني عشر تيسر لي الوقت أن أتجول بين المحلات العديدة أسفل البناء.
وأذكر أنني تعجبت أن فترينات عديدة كانت تعرض نماذج للمخابئ عند حدوث الحرب القادمة.
وتقف داخل الفترينات نماذج لمولدات الكهرباء. والثلاجات. وأنابيب البوتاجاز. والأغطية. والمساند والسجاجيد!.
وكان اللقاء مع مجلس التحرير. والمجلة لها مديران: الأول للمادة الصحفية.. والثاني للإخراج والصور والرسوم.
ولم يجلس رئيس التحرير. بل كان يتحدث بسرعة المونولوجست. عبارات خاطفة يحدث بها رؤساء الأقسام: قسم الأحداث الداخلية أو "الأمة" والخارجي. ثم قسم "الكتب والفنون والآداب" أو ما يسمونه "الكتاب الخلفي".
وبعد دقائق فهمت أنهم يبحثون عن صورة الغلاف..
وكان جواهر لال نهرو مدعواً لزيارة الولايات المتحدة ضيفاً علي كنيدي. وعلي المائدة كان جهاز التليفون مفتوحاً لنسمع مراسل المجلة في "واشنطن". ومراسلها في "دلهي".
ودار الحوار علي نوع الصورة.. هل ينشرون صورة نهرو بوردته التي يعلقها في صدر ثوبه الهندي. فيبدو الترحيب به. أم يصنعون لنهرو صورة صامدة صامتة؟!..
وكان المسئولون عن بقية الأقسام أسرع من رئيس التحرير الذي ظل واقفاً.. وقال محرر مادة الغلاف عن نهرو: إنه أحضر أكثر من عشرين مرجعاً وسيذهب إلي البيت للكتابة.
وانتبه الحاضرون إلي أنني أجلس صامتاً.. وكان السؤال السريع:
ما رأيك؟!..
ولم أنس منظر المخابئ التي رأيتها قبل ساعة في محلات ناطحة السحاب.. فقلت:
"لا أخفي دهشتي.. فأنا قادم إلي أمريكا بعد أن مررت علي بلجراد وباريس وبرلين. ولم أحس في قلب أوروبا وهي قلب الحرب الباردة أن الحرب الذرية قادمة علي الأبواب.. وقد أذهلني ما رأيت من استعدادات المخابئ في قلب أمريكا.. وهو ما يحيرني"..
وحتي أخفف وقع الصراحة التي لم أملك كتمانها.. قلت:
ما هو تأثير ذلك كله علي الأطفال.. لماذا لا تسألون تلاميذ المدارس عن الحرب الذرية القادمة؟!..
وانتهي الاجتماع دون تعليق..
وبعد يومين كان اجتماعي عند مدير التحرير للقسم الفني والإخراج..
فقال لي بلطف.. وأمامه مئات من رسوم أطفال المدارس عن الحرب القادمة. وفهمت أن المجلة بفضل الفاكس وكان أيامها بدعة. طلبت من كل المراسلين جمع الصور التي يتصورها أطفال المدارس عن الحرب القادمة في كل الولايات الأمريكية.
واختار مدير التحرير رسماً واحداً ليضعه في الصفحة الثالثة وقال من جديد: إنها فكرتك!.
* * *
ولو لم أسمع روكفلر في محاضرته بميامي فلوريدا. ولو لم أقرأ ما يكتبه اليمين الزاحف منذ أربعين عاماً. ولم أر بعيني نماذج المخابئ في المحلات التجارية. لما صدقت ما أسمعه الآن وأقرأه عن شطط وجموح الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس الذي يظن أنه صاحب رسالة وهي القضاء علي معسكر الشر في العالم. ليقيم نظاماً عالمياً جديداً.. أو علي الأصح "عالماً جديداً بلا نظام"!. ولهذا حرصت علي إعادة نشر ما نشرته "صنداي تايمز" 7 يناير 2007 في عددين من "من ثقب الباب". خاصة أن جورج بوش يريد كما قال فرانسيس فوكوياما. وكان من المحافظين الجدد. ولكنه انشق وقال: إن المحافظين الجدد يدعون إلي ضرب المواقع النووية. وهذا هو الجنون كما قال..
وقال: إنه سمع من عدة مصادر أن جورج بوش يريد أن يثبت أنه قادر علي اتخاذ القرار أياً كان اتجاه الرأي العام.
وكان فوكوياما قد دعا إلي استقالة رامسفيلد.
ولا يتوقع أن توقف معارضة الديمقراطيين بوش عن الحرب. طالما تمسك بوش بأنه القائد الأعلي للقوات المسلحة الأمريكية.
والأهم أو الأخطر أنه قال:
وحتي لو عارض الديمقراطيون ميزانية الحرب. فسوف يلجأ جورج دابليو لتعويض النقص في الميزانية إلي الضغط علي بعض الدول العربية لتعويض النقص في الميزانية بدعوي أنه يحارب التطرف الإيراني.
وقد كان السؤال منذ شهر:
هل تتكرر تجربة 67 بأن تترك أمريكا حليفتها إسرائيل لتشن الحرب النووية المحدودة. وهي تعطي وتغطي. أم أن الرئيس الملهم جورج دابليو لن يترك هذه الفرصة دون أن يشن الحرب بالاتفاق مع إسرائيل طبعاً.
وبعض الآراء قالت: إن ديك تشيني وكونداليزا رايس علي علم بكل التفاصيل.
ثم ظهر صقر آخر من صقور اليمين الأمريكي المتطرف وهو نائب رامسفيلد السابق. ونائب وزير الدفاع السابق. ليقول ريتشارد بيرل. بوضوح شديد:
"إن الرئيس جورج بوش سوف يصدر قراراً خلال فترة توليه الحكم بالهجوم علي إيران إذا تأكد سعيها للحصول علي أسلحة نووية".
ولو تحققت أمنية أو توقعات ريتشارد بيرل فمعناها أن رئيس المستنقعات الملهم سينتقل من مستنقع العراق إلي مستنقع الحرب النووية علي إيران.
رغم أن الأكفان الطائرة إلي الولايات المتحدة لا تتوقف. بل وتزداد. ورغم أن الحرب علي العراق كلفت طبقاً للإحصائيات الرسمية وكما أذاعها موقع "ثمن الحرب":
378 بليون أو تريليون أو مليار دولار.
وشاشة الموقع الأمريكي عليها عداد بالأرقام يتحرك دون توقف. وكل يوم 255 مليون دولار. وكل ساعة 11 مليون دولار. واحسبها بالدقيقة منذ بدأت أيها القارئ العزيز قراءة هذا المقال.
ولن أضيف أكثر من أن موقع "ثمن الحرب" يضع تحت هذا العداد المتحرك عدة أسئلة:
كم كان يمكن أن نبني مدارس ومستشفيات وجامعات وحدائق؟!
ولا يذكر الموقع الذي بدأه الصحفيان ماتسالاس وفياسترن شيئاً عن المخابئ!.
ولكن أخبار إسرائيل تقول: إن أغنياء إسرائيل أنفقوا عشرات الآلاف من الدولارات علي بناء المخابئ النووية في شمال تل أبيب. وهرتزليا وكفار شمر ياهو. ر وكفار نيفرا.... والقائمة طويلة.. ولكم أصحاب الملايين اشترطوا علي شركة بناء المخابئ أن تبقي أسماءهم سراً. حتي لا يتطفل الفقراء علي مخابئ الأغنياء!.
ولن أقول: "صدق أو لا تصدق".. لأن بوش ناوي علي الحرب.