إلى مبارك: مصر تآكلت ولم يعد فيها سواك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بعد "أول ربع قرن" من حكمه
محمود الكردوسي
استهل الرئيس مبارك "ربع القرن الثاني" من حكمه وهو في كامل لياقته:
١- شهوة الحكم لم تخفت: "سأواصل معكم مسيرة العبور إلي المستقبل، متحملاً المسؤولية وأمانتها، مادام في الصدر قلب ينبض ونفس يتردد"... الرئيس في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة- ١٩ نوفمبر ٢٠٠٦
٢- الاستقرار مازال خيارًا استراتيجيا: "لو جئت بحكومة من الملائكة.. الناس سوف تسأل عن التغيير أيضًا"... الرئيس لمصطفي بكري- "الأسبوع" ١٥ يناير ٢٠٠٧.
٣- الشعب أصبح فوق الدستور: "لنفترض أن الشعب طالب باستمرار هذا الرئيس أو ذاك لأكثر من مدتين متتاليتين.. فلماذا أحرمه من ذلك؟"... الرئيس لمصطفي بكري- "الأسبوع" ١٥ يناير ٢٠٠٧.
٤- الدين لـ "الإخوان" والوطن لـ "الوطني": "من هنا أقول إن تيار جماعة الإخوان المحظورة هو خطر علي أمن مصر"... الرئيس لمصطفي بكري- "الأسبوع" ١٥ يناير ٢٠٠٧.
٥- السلام عقيدة: "أقسم بالله ما شممت رياح الحرب ولا أريد أن أشمها".. الرئيس ردًا علي سؤال يديعوت أحرونوت: هل كنتم تشمون رياح الحرب؟- "الأهرام" ٥ يناير ٢٠٠٧.
٦- السلام أمانة: "وأنا قلت هذا الكلام لأحد المسؤولين عندكم في أثناء الحرب"... الرئيس ردًا علي سؤال يديعوت أحرونوت: هل خسرت إسرائيل الحرب في لبنان؟- "الأهرام" ٥ يناير ٢٠٠٧.
٧- البحث عن مشروع وطني لم يتوقف: "حسنًا.. فربما عندما تبدأ إيران تشتغل يمكن تبقوا أصحاب في يوم ما وتشتغلوا ضدنا. لا.. أنا أشوف حالي وأدافع عن بلدي أنا وغيري"... الرئيس ردًا علي سؤال يديعوت أحرونوت حول الخطر الإيراني النووي علي مصر- "الأهرام" ٥ يناير ٢٠٠٧.
تسألني: لماذا "ربع قرن" بالذات وليس أربع فترات رئاسية وسدس مثلاً "أي ٤*٦+١"؟.. لأن فترة الحكم ستكون من الآن فصاعدًا، أي وفقًا للتعديلات الدستورية الأخيرة "يوبيلية"، أي كل ٢٥ سنة.
وبصفتي واحدًا من "الشعب"، الذي هو طبعًا فوق الدستور وتحت أمر الرئيس، فقد قررت أن أغامر وأتهور وأسأل سيادتكم: ألم تشعر بالملل؟. ألا تريد أن تستريح من مهنتك القاسية تلك .. مهنة الحكم؟. ألا تريد أن تجلس بين أولادك وأحفادك، تتأملهم سعيدًا مزهوًا وهم يمخرون عباب التاريخ متوجين بسيرتك؟. ألا يكفي ربع قرن لتدخل التاريخ ونخرج نحن من الجغرافيا؟.
ما الذي يغريك ويجعلك مصرًا علي حكم سبعين مليون مصري لا تعرف، ولا أحد يعرف، متي يكونون غلابة ومتي يكونون نماردة؟. لماذا تتحمل أعباءهم ومطالبهم ورذائلهم وهي لا تنتهي؟.
إذا كانوا قد صبروا عليك ربع قرن فلأنك كبيرهم: احترامك ضرورة، والخوف منك شجاعة، فلماذا تصبر عليهم أنت؟. لماذا لا تفسخ العقد من جانبك؟. هل في حكمهم سحر أو لذة؟. أهو قدر من أعلاك أم عمل من أسفلهم؟.
لو كنت مكانك يا سيادة الرئيس لجربت أن أترك المصريين يحكمون أنفسهم بأنفسهم وأرحت قلبي من هذا الهم الثقيل. وتأكد أنهم لو فشلوا سيعودون إليك زاحفين كما زحفوا إلي عبد الناصر عندما تنحي، رافعين راية: "نحن نستحقك وأنت تستحقنا".
لا تؤاخذني يا سيادة الرئيس: مصر بلدي كما هي بلدك، ولي فيها مثلما لك بالضبط. أنت ملاحها وأنا ملحها. أنت في الموقع "الأقوي" لأن لديك نظامًا وأمنًا وقمصانًا واقية وطوابير مريدين، وأنا في الموقع "الأفضل" لأنني "لا أملك شيئًا فيملكني" كما قال شاعر القضية محمود درويش.. أيام أن كان هناك شعر وكانت هناك قضية.
لكنني أري، رغم اتساع المسافة بين حاكم ومحكوم في بلدنا، أن من واجبي أن أذكرك بأن مصر أكبر من أن تظل خمسًا وعشرين عامًا أخري في "عصمة" رجل واحد، حتي لو أصبحت علي يديه قوة عظمي!. إذا لم تكن أنت مللت، فمصر ملت و"اتخنقت" ولم تعد "مستمتعة".
وإذا كنت تعتقد أنها "بنت ناس ومتربية" وستخجل قبل أن تثور أو تخون فأنت مخطئ يا سيادة الرئيس: لقد خانت عبد الناصر من قبلك في ١٩٦٧، لأنه انشغل عنه بغيرها، وخانت أنور السادات لأنه انشغل عنها بنفسه.. فما الذي تراهن عليه أنت؟
قل لي ياسيادة الرئيس: هل حقًا تشعر بنا؟. هل تعرف ما يجري لنا هذه الأيام؟. هل يعجبك حالنا- إن كنت ترانا أصلاً؟. هل تقرأ صحفك، بنات ديمقراطيتك التي تزهو بها؟. هل تقرأها بنفسك أم تُتلي عليك؟.
وإذا كانت تُتلي عليك فمن ذا الذي يضعها بين يديك بيضاء من غير سوء؟. هل تري صورتك في الفضائيات، أم تراك اكتفيت بـ "البيت بيتك" و"صباح الخير يامصر"؟. هل شاهدت هراوات أمنك وهي تحصد رعاياك في كل مظاهرة، لا تمييز بين قاضٍ وبائع مناديل في إشارة مرور؟.
هل شاهدت وجه أحمد سبع الليل "أحمد زكي في "بريء" عاطف الطيب ووحيد حامد" وهو يتوقف ذاهلاً، مراجعًا نفسه، عندما صرخ فيه متظاهر: "هتضرب أخوك"؟. ماذا قال لك رجالك يا سيادة الرئيس؟. هل قالوا لك إن الأمن يحميك، إذ يحطم كاميرا مصور صحفي أو تليفزيوني؟.
ماذا كان شعورك وأنت تري قاضيا يهان في عرض الطريق؟. ألا يوجد بين حوارييك من يحبك بصدق، ليحذرك من مغبة أن يأتي يوم يتوقف فيه سبع الليل "الحقيقي" فجأة عن ضرب شرفاء هذا الوطن. قل لي يا سيادة الرئيس: ماذا تريد من هذا المخلوق البائس، البغيض، الذي تسميه "قانون الطوارئ"؟.
من الذي أفتي لك بأن قانونًا كهذا سيحمي مصر من غائلة الإرهاب؟ لماذا تعاند وتأبي علي نفسك إلا أن تصدق بطانة السوء؟ لماذا لا تريد أن تصدق أن كل رأس يقطعها قانون كهذا ستثمر آلاف الرؤوس، وأن الجوع أصبح حزامًا ناسفًا حول البطون، مثلما أصبح القهر إصبعًا علي الزناد؟
قل لي بحق القسم الذي حكمتنا بموجبه: ألا تشم رائحة الفساد في كل موقع؟. ألا تريد أن تحاسب أحدًا؟. ألا تشعر أن كلمة "استقرار" أصبحت حقًا يراد به باطل؟. ألم يشفع لنا موتنا غرقًا وجوعًا واحتراقاً ويأسًا وقهرًا لكي تجرب كلمة "تغيير" ولو مرة واحدة؟.
انظر بنفسك يا سيادة الرئيس، ودعك من تقارير حوارييك، فكثيرها خادع، وبعضها مغرض: أصبحنا شعبًا كئيبًا ومكتئبًا، مريضًا وعاجزًا، تافهًا وعدوانيا، ويأكل بعضه بعضًا.
ولو سألت عن "سعر" المصري في بورصة البشر لاكتشفت أنه أرخص من نشارة الخشب، جرب مرة أن تكون مواطنًا عاديا لترانا علي حقيقتنا، وتري نظامك من الموقع "الأفضل" وليس "الأقوي"، امش متخفيا في شوارع القاهرة وتفحص وجوهنا لتعرف بالضبط: "مصر رايحة علي فين"!.
اشرد مرة عن موكبك وأسأل الواقفين في إشارة التحرير وقد أطفأوا محركاتهم والتهبت صدورهم غلاً وغيظًا: من الذي اعتقلكم هنا.. ولماذا؟..
ستكتشف أن شعبك لم يعد يريدك يا سيادة الرئيس إلا بقدر ما يخشي أن ينام بلا عشاء، وأن هذا يعني- إذا أمعنت النظر- أنه ينتظر حاكمًا أفضل، وإلي أن يأتي هذا الحاكم الأفضل سيظل كل منكما في حالة: هو يريد.. وأنت تفعل ما تريد.
مصر تآكلت يا سيادة الرئيس.. حتي لم يعد فيها دولة ولا نظام، بل أنت.. ولا أحد غيرك، أحزابها اهترأت، ومعارضتها خُصِيت، وقضاؤها انتُهِك، وإعلامها تخلف، وثقافتها شوهت، وبرلمانها يصفق لك وحدك، وأمنها يضرب شرفاءها ليحميك، ووزراؤها أشبه بأحجار علي رقعة شطرنج، ولو كنت مكانك لتركت الرقعة قبل أن تسمعها:"كش ملك".