الجزائر: بحثٌ عن صيد أكبر لطي فضيحة مجموعة الخليفة الأخطر منذ الاستقلال
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
التحقيق مع 104 متهمين ومثول وزراء سابقين أمام المحكمة العليا ...
الجزائر - محمد المقدم
مثُل وزراء سابقون نهاية الأسبوع الماضي أمام المحكمة الجزائرية العليا وينتظر أن يستدعى آخرون في إطار التحقيقات القضائية التي شرعت فيها العدالة الجزائرية في محاولة لطي أخطر فضيحة مالية تعرفها الجزائر منذ الاستقلال سنة 1962.
وتم الاستماع للوزراء في المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة قضائية تختص بالتحقيق مع كبار المسؤولين والوزراء، بصفتهم "متهمين" وتزامن ذلك مع تحقيق محكمة الجنايات لمجلس قضاء البليدة "50 كلم جنوب العاصمة" تقدماً في محاكمة المتورطين في الفضيحة المالية لمجموعة "الخليفة" التي كلفت الدولة بحسب تقديرات أولية أكثر من 2.4 بليون دولار هُرّبت إلى الخارج ووُزّعت في شكل هدايا ورشاوى.
وقال محللون إن السلطات الجزائرية ترغب من خلال هذه المحاكمات تأكيد رغبتها في محاربة الفساد الذي هز القطاع المصرفي بين 1998 و 2005 حيث تم تسجيل العشرات من الفضائح المالية على مستوى البنوك خلفّت في مجموعها خسائر مالية قدرت بأكثر من ثمانية بلايين دولار.
ويعتقد قانونيون بأن استدعاء المحكمة العليا وزراء سابقين وحاليين يندرج في إطار سعي السلطات الى البحث عن "صيد أكبر" يقدم كقربان لطي "فضيحة الخليفة" بصفة نهائية بعد أن ساد الاعتقاد بأن محكمة الجنايات على مستوى مجلس قضاء البليدة لا تعنى إلا بـ "السمك الصغير". ويمثل أمام هذه المحكمة 104 متهمين من صغار الموظفين في "مجموعة الخليفة" أو مسؤولين في شركات حكومية يُتهمون بتقاضي الرشاوى أو التواطؤ مع المسؤول الأول للمجموعة رفيق عبد المؤمن خليفة (38 عاماً) والذي يقيم منذ كانون الثاني 2003 في لندن وهو يحاكم غيابياً بتهمة "تشكيل جمعية أشرار والسرقة والنصب والاحتيال وخيانة الأمانة والتزوير المصرفي والرشوة واستغلال النفوذ والإفلاس المفتعل".
وتضم قائمة المتهمين عبد الوهاب كيرمان وهو المحافظ السابق لبنك الجزائر ووزير سابق منتدب لإصلاح البنوك وهو فار خارج الجزائر وصدر في حقه أمر دولي بالتوقيف بتهمة "المشاركة في تشكيل جمعية أشرار والسرقة وخيانة الثقة". ويتهم من قبل المدعي العام بأنه كان على علم بـ "الخروق" التي كان يرتكبها المساهمون في بنك الخليفة لمدة سنتين كاملتين (1998-2000) ولم يتخذ أي إجراء لمنعهم. وعلى لائحة الأتهام ايضاً شقيقه عبد النور كيرمان، وهو وزير سابق للصناعة، وصدر في حقه كذلك أمر دولي بالتوقيف بتهمة الحصول على أموال بصفة غير مشروعة ويتعلق الأمر بتمويل مجلة متخصصة في البترول والغاز.
وللمرة الأولى يلتقي في هذه المحاكمة أغلب رؤساء فرق كرة القدم للرد على أسئلة القضاء في شأن مسؤوليتهم عن الأموال التي وزعت على هذه الفرق قبل سنوات والتي قدرت بأكثر من 100 بليون سنتيم وهناك من رؤساء الأندية من يقف أمام المحكمة بصفة شاهد "لكن آخرين ومن بينهم المدرب السابق للفريق الجزائري لكرة القدم "م.إيغيل" يتهم في قضية جنائية تتصل بالتزوير والتلاعب بالمال العام.
وتتولى القاضية فتيحة إبراهيمي النظر في هذه القضية وتعتقد أوساط سياسية بأن هذه القاضية تلقت ضمانات من أعلى السلطات في البلاد بالعمل بـ "حرية واستقلالية" للكشف عن كل المتورطين في هذه الفضيحة "مهما كانت مراتبهم أو مناصبهم في أجهزة الدولة".
وتتناول المحاكمة في شقها الأول الجزء الأساسي من القضية الذي يتمثل "بثغرة مالية" قيمتها 2،3 بليون دينار (نحو 320 مليون يورو) اكتشفت في الخزينة الرئيسة للمصرف اثر ضبط مخالفات في إدارة الودائع وعدم التزام المصرف بقواعد الحذر في منح القروض. وسيجري النظر لاحقاً في سبعة فصول أخرى من هذه الفضيحة. ويواجه المتهمون ثلاثين تهمة من بينها الإفلاس الاحتيالي وتشكيل عصابة لصوصية واختلاس الأموال واستغلال الثقة وتزوير المستندات واستخدام مستندات مزورة والفساد، ما يعرضهم لعقوبات بالسجن لمدة تصل إلى عشر سنوات ودفع غرامات مالية باهظة.
وعينت المحكمة العليا قاضيين مستشارين كلفتهما الاستماع إلى الوزراء وكبار المسؤولين الذين وردت أسماؤهم على قائمة المستفيدين من أموال "مجمع الخليفة" بصفة غير شرعية وسيُحوّل هؤلاء إلى المحاكمة قبل نهاية السنة الجارية.
البداية من فرنسا
بدأت قضية "الخليفة" في العام 2002 عندما ابلغت أجهزة الاستخبارات الفرنسية معلومات إلى السلطات الأمنية في الجزائر تشير إلى توافد مريب للأموال بالعملة الصعبة إلى الأراضي الفرنسية بصفة غير شرعية ومثيرة للشكوك، ما دفع السلطات إلى إعداد مذكرة حُولت إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورد فيها أن البلاد تعيش أخطر فضيحة مالية، فتقرر البحث في ملف "مجمع الخليفة" بصفة مستعجلة.
وكشفت التحريات الأولى التي قامت بها السلطات وجود عشرة تحقيقات أعدتها المفتشية العامة لبنك الجزائر المركزي كشفت عن وجود "اختلالات وتجاوزات خطيرة" من طرف المساهمين ومالكي البنك. وتبين أن أبرز تقرير تحذيري ضد تجاوزات "مجمع الخليفة" وُجه الى وزير المال سنة 2001 آنذاك لكن محمد ترباش الذي عين في العام 2002 أبلغ الى السلطات القضائية لاحقاً أن الملف اختفى في ايام سلفه وأنه لم يعثر على التقرير في مكتبه ما عزز الشكوك في شأن وجود شبكة غامضة تتحرك بين أروقة الوزراء وتسعى إلى شل كل التحقيقات والتدابير لوضع حد لخروق "المجمع" للقانون الجزائري لا سيما ما يتعلق بنظام عمل البنك والفروع التابعة له.
التحقيقات الأولية تحدثت عن خسائر بلغت 2.4 بليون دولار أميركي لكن الخبير القضائي المحلف حميد فوفا قال لمحكمة الجنايات إنه لا يمكن تحديد الضرر الحقيقي الذي تسبب فيه بنك الخليفة إلا "بعد الانتهاء من عملية تصفية البنك" مشيراً خلال رده على أسئلة محكمة الجنايات الى أنه ما زالت هناك "مفاجآت" ستظهر "تدريجاً مع سير عملية التصفية".
وبحسب نتائج التحقيقات الأولية فقد جمع "بنك الخليفة" الأموال من خلال نظام العمولات التي كان يمنحها لمدراء الشركات العمومية الذين يقررون إيداعه أموالهم، وهي العملية التي رافقتها رشاوى وتلاعب بالمال العام ما تسبب في تدفق قياسي للأموال نحو البنك حيث تم على مستوى الوكالة المركزية بالشراقة (7 كلم غرب الجزائر) تسجيل توافد 20 إلى 25 بليـون سنتيم يوميـاً ما دفع مسؤولي البنك إلى إنشاء خزانة مصفحة ببلدة حسين داي (5 كلم شرق العاصمة) لاستيعاب الأموال الوافدة إلى "مجموعة الخليفة".
وعبّر المسؤول عن تصفية البنك عن قناعته بأن "بنك الخليفة" أصبح الآن مجرد "صندوقٍ خاوٍ" يعاني من عجز قيمته 20000 بليون سنتيم (2.4 بليون دولار) علما أن العجز كان حدده المشرف الإداري الذي عيـنـه بنـك الجـزائر بـ 7500 بليـون سنتـيم وهو ما عزز الشكوك لدى الكثير من الخبراء والقانونيون بأن المجمع تعـرض بين مرحلة التسيير الإداري والتصفية إلى عملية تخريب وإتلاف وثائق وملفات بعض الشخصيات التي استفادت من أموال و أملاك "مجموعة الخليفة" لتجنب ملاحقتها أمام العدالة.
واعترف المسؤول عن التصفية منصف بادسي لمحكمة الجنايات أن قيمة الأموال التي كانت تخرج من البنك "من دون مبرر" قدرت بـ 9200 بليون سنتيم (1.3 بليون دولار أميركي) مشيراً الى انه منذ قرار تصفية البنك في عام 2003 وحتى عام 2006 تمت إعادة تحديد مصير 5900 بليون سنتيم ويبقى مبلغ قيمته 3300 بليون سنتيم سيتم العمل لمعرفة مصيرها "حتى بمحاولة جمع "قصاصات الورق" التي كانت تسلم لفروع البنك وبهدف تحديد أوجه صرف المبالغ الضخمة.
وبحسب الإحصاءات التي قدمت للقضاء الجزائري فإن مجمع "بنك الخليفة" وحده تمكن من كسب ثقة 200 ألف مودع ومدخر وتم إحصاء 2.4 مليون عملية منها 2.3 مليون تمت "دراستها بدقة" و000 40 هي قيد التدقيق ولم يبق سوى فحص 000 40 عملية. وتم تسجيل وجود أكثر من 40 ألف ملف للحصول على قروض من هذا البنك إضافة إلى آلاف من الرخص الخاصة بالقروض منها مجموعة مهمة "تم منحها من دون المرور عبر الإجراء التنظيمي".
وكشف مُصفّي "بنك الخليفة" عن خلاف مع المُصفّي الذي عينته العدالة الفرنسية لتصفية فروع شركة "الخليفة للطيران" في فرنسا وأيضاً شركة "الخليفة للإعلام الآلي" وشركة "الخليفة لشراء السيارات" و"تلفزيون الخليفة"، بعد أن قام المُصفّي الفرنسي ببيع عقارات وأمــلاك المجمــع وتوزيعها على الموظفين المفصولين من المجمع بعد تصفيته في فرنسا.
وقال بادسي لرئيسة محكمة الجنايات أن محكمة "نانتير" أصدرت حكماً بتصفية شركة "الخليفة للطيران" بعد ان طالب مسؤولو هذه الشركة بتعويض قدره خمسة ملايين يورو لصالح العمال. وبعد أن تم رفض الطعن بالنقض مرتين على التوالي ذكر المصفي انه قرر رفع دعوى أمام المحكمة الأوروبية لاستعادة أموال "الخليفة" إلى الجزائر. وتحدث بادسي عن فيلا عبد المؤمن رفيق خليفة في مدينة "كان" التابعة لشركة "الخليفة للطيران" التي اشتريت بحسب ما قال بـ 35 مليون يورو وكلفت المشتري الأول 12 مليون يورو".
شركة للأمن من دون رخصة
ولم يكن بنك الجزائر المركزي الوحيد الذي غرق في فضائح "مجمع الخليفة" بسبب عجزه عن وضع حد للخروق، فحتى وزارة الداخلية عجزت هي الأخرى عن وضع حد لظاهرة الخليفة حيث عمدت إدارة "المجمع" إلى تأسيس شركة خاصة للوقاية والأمن وجندت 900 شخص ينشطون من دون رخص قانونية وبلا أسلحة ويتولون تأمين نقل الأموال وأمن شركة الطيران.
واعترف ش.عبد الحفيظ وهو مدير الأمن والوقاية لمجمع الخليفة أنه لم يحصل أبداً على تصريح وزارة الداخلية لإنشاء جهاز أمني، وأوضح أنه عندما أودع "طلب اعتماد لدى وزارة الداخلية لإنشاء شركة مكلفة بالأمن لصالح المجمع لم يتلق أي إجابة" وأضاف أنه في غياب الاعتماد "تعذر علينا تسليح الأعوان ولم نستطع أيضاً الحصول على سيارات مصفحة لنقل أموال البنك".
اذا كان أغلب الأحزاب السياسية راهن على ضرورة تمكين العدالة من استكمال مهمتها للكشف عن المتورطين الحقيقيين في هذه الفضيحة المالية والاقتصادية إلا أن محامياً بارزاً توقع أن تنتهي محاكمات "الخليفة" من دون أن يتم الكشف عن القائمة الحقيقية للمستفيدين من هذا المجمع أو على الأقل من دون معرفة أسماء كبار المستفيدين من أموال بنك "الخليفة". وقال المحامي مقران آيت العربي أن الملف "سيغلق قضائياً لكنه سيبقى مفتوحاً سياسياً لأنه لا يمكن اغلاق ملف من دون معرفة كامل أسراره وتفاصيله".
مخرج فيلم صدام كان يعد شريطاً دعائياً عن الخليفة
ثبت من وثائق كشفتها رئيسة محكمة الجنايات خلال النظر في قضية "بنك الخليفة" أن عبد المؤمن رفيق خليفة كان قد دفع مبلغ 385500 دولار أميركي (من أصل عقد قيمته 770 ألف دولار) لمخرج أميركي من أجل إنتاج فيلم وثائقي اعلاني لمجمعه.
وجاء في هذه الوثائق أنه يبقى على مجمع الخليفة دفع 370 ألف دولار لحساب جوال سولار في بنك أميركي في لوس أنجليس لإنتاج فيلم وثائقي تحت عنوان "ظاهرة خليفة". يذكر أن المخرج سولار كان قد أخرج فيلماً وثائقياً عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين عام 2003.