كارتر.. الموقف الشجاع ثمنه غال في أميركا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
مجلة المجلة
اعترافـات كارتر.. ماذا بعد العاصفة؟!
* لماذا تجرأ كارتر على قول الحقيقة ؟ ولماذا هذه الاعترافات المتأخرة، ما جدواها، ولماذا يلجأ إليها رؤساء الغرب تحديدا في وقت متأخر من العمر ، هل هي صحوة ضمير، أم شجاعة جاءت في الوقت الضائع من المسافات السياسية الطويلة ؟ كيف يتحرر هذا العالم من دواخله المكبوتة، ما الذي ينتظره لو قام بذلك مبكرا، لماذا لم تكن تلك فكرته عندما كان رئيسا لأميركا، أتراه يستطيع البوح بأفكاره في دولة الحرية والديمقراطية والمؤسسات والقانون؟!
لماذا كل هذه الردود حول كتاب يعتبر بعض منه حقائق والآخر آراء لم يستطع صاحبها الاعلان عنها يوما ما، لماذا عارضه دينس روس واتهمه بالسرقة؟! وما الرسالة التي أبرقها وزير خارجية إسرائيل الأسبق سلفان شالوم إلى كارتر؟، لماذا تركوه وحيدا وتخلوا عنه عندما تكلم بصراحة؟ لماذا استقالوا من مركز الدراسات التابع له؟ ما قوة اللوبي الصهيوني.. ألم يخش كارتر على ذاته .. ماذا وماذا هذا ما يكشفه غلاف المجلة
*حّرك الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر المياه الراكدة، عندما تناول في كتابه الجديد (فلسطين..السلام ليس تمييزا عنصرياً) العديد من القضايا الشائكة التي تتعلق بسياسة إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، والغطاء الذي تحصل عليه من الولايات المتحدة الأمريكية.وكان بديهياً أن يفجر هذا الكتاب بركاناً من الغضب في إسرائيل وفى الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه كارتر نفسه، نظراً لما هو معروف عن الحزب من ولاء للدولة العبرية يتعارض مع أي توجه ينتقد سياستها.
التحرُّر من القيود الرئاسية
كارتر الذي تحرر من قيود منصبه كرئيس أسبق للولايات المتحدة، ناقش في كتابه العديد من الملفات المسكوت عنها، والتي تعتبرها إسرائيل، والإدارة الأمريكية الحالية خطا أحمر يحظر الاقتراب منه، مثل قضية الممارسات العسكرية التي يقوم بها جيش الدفاع الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، حيث وصفها بأنها أنشطة قمعية وأشد قسوة من التمييز العنصري في جنوب أفريقيا.وكانت هذه العبارة كفيلة بتأليب الأجواء ضده، إلا أنه لم يكتف بذلك وأعرب عن قناعته بأن الجدار الأمني الفاصل الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يهدف إلى توفير الأمن للمستوطنات، وإنما إلى تمزيق الشعب الفلسطيني، وقطع التواصل فيما بينه.وأضاف أن إدارة بوش لا تسعى بما فيه الكفاية لإرساء السلام في النزاع العربي - الإسرائيلي، خاصة على المسار الفلسطيني.
وبحسب الملحق الأسبوعي لصحيفة (معاريف)، فإن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر تبارى في أعقاب إصداره الكتاب بالظهور أمام الكاميرات، وحل ضيفاً على مختلف البرامج التليفزيونية ليشرح وجهة نظره التي أثارت العديد من الانتقادات.وكان من الطبيعي أن تجري الصحيفة العبرية معه حواراً موسعاً ليشرح فيه رؤيته ويجيب عن الأسئلة التي تحولت إلى لغز لدى يهود العالم، وفى إسرائيل على وجّه التحديد.وفي أول رد فعل موجه لتل أبيب، قال كارتر إن الكتاب لا يتعلق بإسرائيل، ولم تكن لديه أية نية لتحليل الإجراءات التي تدور داخل الحقل السياسي الإسرائيلي، فإسرائيل ـ على حد وصفه ـ دولة ديمقراطية تتعامل مع مواطنيها من العرب واليهود بحيادية وتمنحهم جميعا المساواة، ولكن الكتاب يتطرق في مضمونه إلى الفلسطينيين، حيث يعلق على الأحداث الجارية في الأراضي المحتلة التي استوطنها اليهود بعد أن قاموا بطرد الفلسطينيين منها.كما يصف سياسة إسرائيل التي تشجع هذا التوجه، حيث تقوم بتعبيد الطرق ليكون استخدامها حكراً على اليهود فقط، إضافة إلى السور الأمني الذي مازال يقام على أراضٍ فلسطينية.وليس ثمة شك في أن سياسة القمع التي تنتهجها إسرائيل في الأراضي المحتلة أشد قسوة من سياسة التمييز العنصري السابقة في جنوب أفريقيا، وإذا كانت تل أبيب على مدار حكوماتها المتعاقبة تعتقد أن السياج الذي تقيمه على الأراضي الفلسطينية هو مجرد سور فقط فهي مخطئة، لأن الواقع الملموس يشير إلى ارتفاع خمسة عشر متراً وهذا ينبغي أن يوصف بأنه حائط مبنى ضخم، والجدار لا يقي إسرائيل من إطلاق القذائف مما يعطي انطباعا مؤكداً بأن الغرض منه ليس توفير الأمن، وانما احتواء الشعب الفلسطيني في سجن كبير، وشل حركة الأبرياء. وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين هو أول من بادر إلى فكرة السياج، ولكن اغتياله على أيدي يجال عامير حال دون البدء في المشروع، إلى أن جاء رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون، ومن بعده إيهود أولمرت حيث قرر الرجلان إخراج الفكرة إلى حيز الواقع على حساب مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية.
الانتماءات الدينية والسياسة
وعاد جيمى كارتر بذاكرته إلى الوراء وقال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن والرئيس المصري السابق أنور السادات كشفا عن شجاعتهما وجرأتهما عندما قاما بالتوقيع على اتفاق السلام بين دولتيهما، فوافق بيجن في حينه كتابياً على تنفيذ قرار الأمم المتحدة رقم 242 ومنح الحكم الذاتي للفلسطينيين على الأراضي المحتلة، وأعرب عن أسفه من أنه لم يلتق حتى الآن زعيمين يعادلان في شجاعتهما بيجن والسادات لحل النزاع العربي الإسرائيلي.وأضاف كارتر :(أنا على يقين من أن الانتماءات الدينية أصبحت اليوم أكثر من أي وقت عقبه تصل إلى حد التطرف أمام التوصل إلى حلول جوهرية، وتعارض التوقيع على اتفاقيات السلام، على الرغم من ذلك كنت أتعامل مع بيجن وأنا على قناعة من أنه متدين جداً، وذلك على العكس تماماً من النظام العلماني بقيادة رئيسة الوزراء جولدا مائير).وخلاصة القول لم يتجاهل أحد ـ قبل التوصل إلى اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر ـ هوية الآخر أو ديانته، فرئيس الوزراء بيجن كان يهودياً متشدداً وكان كارتر مسيحياً.أما الرئيس السادات فكان مسلماً، ولكن الجميع توصل في نهاية المطاف إلى صنع السلام.
وبحسب تعليقات كارتر على كتابه في الحوار الواسع الذي أفردت له صحيفة (معاريف)، فإن إسرائيل تعتقد أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان عقبة أمام تحقيق السلام، وهذا ليس صحيحاً حيث عيّن أبو عمار في السنوات الثلاث الأخيرة من عمره محمود عباس أبو مازن رئيساً للوزراء، وكانت هذه الخطوة جيدة جداً لإدارة المفاوضات من قبل الجانب الفلسطيني، حيث إن أبو مازن رجل سلام يتوق إلى بدء المفاوضات إلا أنه يواجه رفضاً من إسرائيل والولايات المتحدة نظراً لأن الأخيرة بقيادة جورج بوش لا تكترث بصنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين، فالرئيس بوش يسعى إلى الحرب فقط ويعتبر الرئيس الأمريكي الأوحد الذي فضل خيار الحرب غير الضرورية ضد العالم العربي.الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر أردف يقول (مضت ست سنوات والشعب الفلسطيني يقوده أبو مازن، ويحظى الرجل بقبول كبير لدى جميع الأوساط السياسية في مختلف دول العالم، خاصة أنه يعرب الوقت بعد الآخر عن رغبته الشجاعة في بدء الحوار مع إسرائيل إلا أن رغبته تقابل بالرفض، والسبب الوحيد في تلك الأزمة يكمن في القيادة الإسرائيلية وعلى رأسها رئيس الوزراء السابق أرئيل شارون، والحالي إيهود أولمرت).
شارون وأولمرت تبنيا منهج بوش
وفى الوقت الذي تم فيه انتخاب بوش لمنصب الرئاسة الأمريكية قبل ست سنوات ادعى فور توليه السلطة أن ياسر عرفات لا يصلح لتمثيل الشعب الفلسطيني، ولذلك رفض إجراء أي حوار معه وتبنى رئيس الوزراء أرئيل شارون المنهج نفسه وتجاهل وجود أبو عمار، إلا أن الرجلين - بوش وشارون - اتفقا بعد ذلك على أن أبو مازن هو الشخصية الأوفر حظاً التي يمكن من خلالها إدارة المفاوضات التي تمهد لاتفاق سلام، ولكنهما في الوقت نفسه لم يجريا معه أي حوار.وإذا كانت الإدراة الأمريكية وحكومة أولمرت تتخذان من حركة حماس، بعد أن رأست الحكومة الفلسطينية، ذريعة لوقف الحوار مع السلطة الفلسطينية، فإن رئيس الوزراء إسماعيل هنية أعلن أكثر من مرة أنه لا يمانع إجراء أي محادثات سلام بين إسرائيل وأبو مازن، خاصة إذا حاز أي اتفاق يتم إبرامه بين الطرفين على موافقة الشعب الفلسطيني من خلال استطلاع للرأي العام مما يعطي انطباعاً بأن حماس لن تدخل أي محادثات مع إسرائيل!
وفيما يتعلق بالخطاب الذي ألقاه رئيس الوزراء الإسرائيلى إيهود أولمرت فى مطار (بوكر) الأمريكي، ودعوته إلى استئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين، واستعداد حكومته لتقديم تنازلات واسعة المدى قال كارتر إن اقتراح أولمرت لم يأت بجديد، ووفقا لما يراه فإن إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي تنازلات.كما أن الانسحاب الذي قامت به ما هو إلا انسحاب جزئي من الضفة الغربية، ومازال الجدار الفاصل في مكانه، كما أن حكومة أولمرت، وقبلها حكومة أرئيل شارون ألغتا حق العودة الفلسطيني، وهو ما يعني أن اقتراح أولمرت لا ينطوي على أي تقدم.كما أنه اقتراح يصلح ليكون أساساً للمفاوضات فقط ولا يمكن اعتباره حلاً، فالحل الوحيد الذي يجب أن يطرحه الجانب الفلسطيني، والذي سيلقى قبولاً لدى كارتر هو مبادرة جنيف.
فتح قنوات الحوار المباشر
ووفقا لـ (معاريف) فإن جيمى كارتر يؤيد فتح قنوات الحوار المباشر مع سورية، وليس ذلك فحسب، وإنما عقد مؤتمر سلام إقليمي يضم دول الخليج العربي، والأردن والفلسطينيين، وسورية، وإيران إلى جانب وجود فرنسا وروسيا، على أن يكون أي حوار قائم على أساس تنفيذ القرارين رقمي 242 ، 338 الخاصين بإعادة جميع الأراضي المحتلة وتطبيق حق العودة الفلسطيني.وأعرب كارتر عن أمله في أن تقوم الولايات المتحدة وإدارة بوش بدور أكثر إيجابية في دفع عملية السلام قدماً بين إسرائيل والعالم العربي مثلما كان الحال في فترة رئاسة بوش الأب.وحول العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل أوضح الرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر أنه لا يعارض التقارب الشديد بين الدولتين ولكنه يعتقد أن واشنطن تدفع حاليا ثمن تجاهلها لمعاناة الشعب الفلسطيني على أرضه، والأنشطة القمعية التي يمارسها جيش الدفاع الإسرائيلي ضده.
ردود أفعال داخلية
كتاب جيمي كارتر وأفكاره الجديدة التي فاجأ بها الجميع أثارا أجواء من الجدل لدى الدوائر السياسية في الولايات المتحدة، خاصة في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه.وكان هذا الجدل هو السبب الرئيس في ارتفاع نسبة مبيعات الكتاب، التي وصلت إلى المركز الحادي والثلاثين في قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في الولايات المتحدة خلال العام الماضي، بعد أن قامت دار نشر صحيفة يو .إس .توداي ( u - s - Today )الأوسع انتشاراً في الولايات المتحدة بإصداره.وفى تعليقها على الكتاب وموقف كارتر من إسرائيل على وجه الخصوص، قالت نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، إن تصريحات وأفكار كارتر التي أدرجها في كتابه الجديد تعطي مؤشراً خطيراً ينذر بسحب البساط من تحت أقدام الحزب الديمقراطي، وإعادته إلى الوراء مرة أخرى.وأضافت ممثلة الحزب الديمقراطي في الكونجرس :(إن يهود الولايات المتحدة سيسحبون ثقتهم من الحزب، ولن يفيد ذلك سوى الحزب الجمهوري الذي سيستغل الفرصة ليعود إلى قوته السابقة.بينما قال عضو الكونجرس (جون كونيرس):(ينبغي على كارتر أن يغير عنوان كتابه، فضلاً عن بعض الفصول لأن مضمونها يخالف الواقع وتعتريه العديد من الافتراءات).وبعد صدور الكتاب أعرب جميع أعضاء الحزب الديمقراطي من اليهود عن سخطهم الشديد، وادعوا أن كتاب كارتر يسيء إلى كل ما هو يهودي وإسرائيلي، فضلاً عن أن الرئيس الأمريكي الأسبق يزود الحزب الجمهوري بالبارود اللازم لإحراق الحزب الديمقراطي والقضاء عليه. كما أعرب (مئيت بروك) رئيس منظمة اليهود الديمقراطيين عن استيائه البالغ من كتاب كارتر، وقال إن إصدار هذا الكتاب سيؤدي إلى تحول أساسي في أصوات الناخبين اليهود لصالح الحزب الجمهوري، متعهداً بأن منظمته سوف تبرز مقاطع من الكتاب التي أعلن فيها كارتر هجومه على إسرائيل حتى لا يعطي اليهود أصواتهم للحزب الديمقراطي.المفاجأة الأكبر كانت من نصيب (كينت ستاين) أحد كبار الباحثين في معهد كارتر للسلام عندما أعلن وبعد أن شغل منصب مستشار المركز لمدة 23 عاماً استقالته، مبرراً موقفه بأن كتاب كارتر يتضمن العديد من الأخطاء وتزييف الحقائق، وهو ما صادق عليه دينيس روس الموفد الأمريكي الأسبق إلى منطقة الشرق الأوسط في عهد بيل كلينتون، حيث أشار إلى أن كارتر قام بسرقة خرائطه ونشرها في كتابه دون إذن مسبق منه، ولكن كارتر نفى ذلك، وأكد أنه حصل على هذه الخرائط من أحد المراكز البحثية في سويسرا .
من تجارة "الفستق" إلى دهاليز السياسة
محمد كروان
*ولد الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس ايرل كارتر عام 1924 بمدينة (بلينز) في ولاية جورجيا الأمريكية، وكان الرئيس التاسع والثلاثين للولايات المتحدة في الفترة من 1977 وحتى 1981، وينتمي كارتر للحزب الديموقراطي.خدم في القوات البحرية الأمريكية كفزيائي حتى عام 1953، بعدها أدار أعمال العائلة في زراعة الفستق، ولكنه دخل الحقل السياسي في فترة لاحقة وتحديداً عام 1962، عندما جرى انتخابه عضواً في مجلس الشيوخ عن ولاية جورجيا، وفي 1970 انتخب حاكماً للولاية، وفي 1976 بعد حملة طويلة، وقتال شديد فاز كمرشح للرئاسة عن الحزب الديموقراطي واستمر في حملته إلى أن حقق انتصارا غاليا على (جيرارد فورد) ليصبح أول رئيس أمريكي من الولايات الجنوبية منذ الحرب الأهلية الأمريكية.
وسيط ومفاوض سياسي
تميزت فترة رئاسة جيمي كارتر بعودة منطقة قناة بنما إلى بنما، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام في الشرق الأوسط، إضافة إلى أزمة الرهائن في السفارة الأمريكية بإيران، وتعرض كارتر لهزيمة نكراء من قبل رونالد ريجان عام 1980، وخلال التسعينيات ظهر كوسيط ومفاوض للسلام في إطار عودة الرئيس (آريستيد) في أكتوبر 1994، ومنذ مغادرة الرئيس كارتر البيت الأبيض عام 1981 تفرغ للمشاركة في السياسات الدولية وحصل على جائزة نوبل للسلام عام 2002 لدأبه على التوصل إلى حلول تتعلق بالصراعات الدولية، وازدهار الديموقراطية في شتى بقاع العالم واحترام حقوق الإنسان. ومن المشكلات الداخلية التي أثرت في شعبية جيمي كارتر، ازدياد معدلات التضخم وارتفاع الأسعار، ثم كانت حادثة الرهائن الأميركيين في السفارة الأميركية بطهران من أخطر المشكلات التي واجهته ولم يستطع التعامل معها، حيث احتجزت مجموعة من الإسلاميين الإيرانيين خمسين أميركياً داخل السفارة منذ نوفمبر 1979 وحتى يناير 1981.وبحسب الموسوعة العبرية، فقبل ثلاثين عاماً وفى الثاني من نوفمبر عام 1976 تمكن السيناتور الديمقراطي الأمريكي جيمي كارتر من الفوز في الانتخابات الرئاسية على منافسه جيرارد فورد واقتناص اللقب الأهم والأكثر على مستوى العالم رئيسا للولايات المتحدة، وشغل كارتر هذا المنصب لفترة رئاسية واحدة فقط بين فترتين أعطاه القانون الأمريكي فرصة الحصول عليها، وفى الانتخابات الرئاسية التي جرت في ست وأربعين ولاية عام 1980 خسر كارتر أمام منافسه رونالد ريجان وكانت هذه الخسارة هي الأسوأ من نوعها لرئيس أمريكي على مر التاريخ.
أهداف اللوبي اليهودي
في نيويورك
ولم تنجح جهود كارتر السياسية التي كان أكثرها إيجابية اتفاقات كامب ديفيد التى تحولت إلى اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، الذي وقع عام 1979 في إنقاذ موقفه وتحسين صورته أمام الناخب الأمريكي، وأصبح كارتر الأسوأحظاً في الحقل السياسي الأمريكي. وزاد أفول نجم كارتر بزيادة تقدمه في السن، فعلى الرغم من بلوغه الثانية والثمانين عاماً لم يستطع كبح جماح تصريحاته ورؤاه السياسية، التي ألبت ضده العديد من الآراء الرافضة، خاصة عند حديثه أمام شاشات التلفاز وفى الصحف عن مشكلة الشرق الأوسط وما يتعلق منها بالصراع العربي - الإسرائيلي، حيث كانت وجهة نظره مخالفة تماماً لتوجه الإدارة الأمريكية الحالية، التي تسير إلى حد كبير مع أهداف اللوبي اليهودي في نيويورك ومختلف الولايات الأمريكية، مما جعله رجل سياسة من الدرجة الثانية.وانتهز كارتر فرصة أفول نجم الرئيس جورج دبليو بوش، وهبوط شعبيته بسبب الحرب على العراق وقرار الأخير الرامي الى زيادة عدد الجنود الأمريكيين في بغداد في إطار إستراتيجيته الجديدة، وقام بالهجوم عليه وتأليب الأجواء ضده وضد الحزب الجمهوري، إلا أن هذه المساعي الدؤوبة حملت مؤشرات خطيرة ضد الحزب الديموقراطي، نظراً لوجود قاعدة عريضة من الأعضاء اليهود في الحزب الذين كان ومازال لهم دور كبير في صنع القرار السياسي بالبيت الأبيض، وأصبح كارتر أشد الدوائر السياسية معارضة لقرار الحرب الأمريكية على العراق، واعتبر أن هذه الحرب هي الوجه الآخر لعملة الفشل والهزيمة الأمريكية في حرب فيتنام مما زاد من هبوط أسهم بوش، ليس في الولايات المتحدة فقط وإنما في مختلف دول العالم.
زهوة عرفات والرئيس كارتر في المقاطعة
وفى نهاية أيامه ـ كرئيس للولايات المتحدة ـ قرر كارتر تخصيص وقته وجهده لتحقيق السلام في الشرق الأوسط وإنعاش الديمقراطية في دول العالم العربي وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا السبب أقام مركزاً يحمل اسمه في ولاية أطلنطا، وكجزء من هذا النشاط قام المركز بالإشراف والرقابة على سير ستين عملية انتخابية في مختلف دول العالم، ثلاث منها في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى نشاطه الإنساني الكبير الذي منحه تشجيعاً وثقلاً واحتراماً بين جميع شرائح المجتمع الدولي مما جعله يحصل على جائزة نوبل للسلام منذ أربعة أعوام.وفى عام 1996 وصل كارتر برفقة زوجته (روزالين) إلى قطاع غزة، ومعهما العشرات من المراقبين للإشراف على مسيرة العملية الانتخابية في السلطة الفلسطينية، وعندما دخل كارتر وزوجته مقر السلطة الفلسطينية كان في استقبالهما عرفات وزوجته سها عرفات وابنتهما الرضيعة (زهوة) التي كانت ترتدى فستانا وردياً جميلاً، وجلس كارتر على أحد المقاعد فتوجهت إليه ابنة عرفات، واحتضنته بحب شديد وجلست إلى جواره، الأمر الذي أثار انتباه الحضور فانتهز العشرات من المصورين الصحفيين الفرصة وقاموا بالتقاط هذه الصورة النادرة، وطلب أحدهم من عرفات دعوة ابنته إليه لالتقاط صورة معها إلا أن الجميع فوجئوا بأن طفلته ترفض مفارقة أحضان (الجد كارتر) وأجهشت بالبكاء عندما حاول عرفات اجتذابها إليه!
محاربة الفقر والأمراض
ومنذ خروج جيمى كارتر من البيت الأبيض قبل ستة وعشرين عاماً حرص على محاربة الفقر، فأقام الصناديق الخاصة لجمع التبرعات التي تساعد فقراء الولايات المتحدة على العيش، ورعايتهم طبياً، كما حرص أيضاً على القيام بجولات مكوكية فى العديد من المناطق المفعمة بالصراع السياسي في مختلف دول العالم، في محاولة للتوفيق والصلح بين الأطراف كافة محل النزاع، وكان هناك بعض رؤساء الولايات المتحدة الذين استغلوا نشاط وتأثير وعلاقات كارتر في لعب دور الوساطة بين إدارتهم وبين مختلف الدول، حيث كان في كثير من الأحيان موفداً رسمياً عن واشنطن، وهذا ما حدث عام 1994 عندما أوفده الرئيس الأمريكي في حينه بيل كلينتون إلى كوريا الشمالية والتقى هناك الرئيس كيم إيل سونج إيل في محاولة لحل الأزمة التي اندلعت بين الدولتين على خلفية برامج كوريا الشمالية النووية. وفى نهاية اللقاء تمكن كارتر من التوصل إلى اتفاق مع حكومة بيونج يانج أفضى إلى تعليق برنامج تخصيب اليورانيوم مقابل حزمة من الحوافز الأمريكية. وأعرب عدد من المحللين السياسيين في واشنطن عن قناعتهم بأن التجارب النووية التي أجرتها كوريا الشمالية في شهر أكتوبر الماضي جاءت نتيجة عدم وفاء واشنطن بالالتزامات التي عقدتها على نفسها خلال محادثات كارتر مع كيم إيل سونج خلافاً لما كان متفقاً عليه في المحادثات.وفى مقابل هذه الجهود كانت للرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر أجندته السياسية الخاصة التي واصل العمل على أساسها انطلاقا من نشاط مركز كارتر للسلام الذي تديره معه زوجته روزالين وكانت هذه الأجندة تخالف إلى حد كبير السياسة الرسمية للولايات المتحدة مما أثار ضده غضب قاعدة عريضة من صُناع القرار السياسي في البيت الأبيض .
نص رسالة تل أبيب إلى الرئيس الأمريكي الأسبق:شالوم يعاقب كارتر على الطريقة الإسرائيلية!
رام الله:"المجلة"
*زادت حدة الانتقادات للرئيس الأمريكي الأسبق جيمى كارتر في إسرائيل على خلفية كتابه الجديد (فلسطين.. السلام ليس تمييزاً عنصرياً) وكان أكثر هذه الانتقادات ضراوة ما جاء على لسان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق سيلفان شالوم، الذي بعث برسالة شديدة اللهجة إلى كارتر، ولكنه صاغها بأسلوب دبلوماسي إلى حد كبير وجاء نصها كالتالي:
السيد العزيز كارتر ... سلام .
دائما وأبداً كنت إنساناً مستقيماً ومنطقياً، وعندما كنت تقود العالم الحر برهنت أكثر من مرة على منافستك الإيجابية من أجل تحقيق السلام في مختلف دول العالم، وعندما كنت وزيراً للخارجية الإسرائيلية التقيتك عندما زرت المناطق الفلسطينية للإشراف على الانتخابات في السلطة الفلسطينية، وتخلل لقاءنا محادثات طويلة، وأتذكر أنك امتدحت دولة إسرائيل على تعاونها في تمهيد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية في السلطة، عندئذ كنت منطقيا وكانت لديك قناعة بأن إسرائيل تتعامل مع الواقع بمنطق ورجاحة، ويؤسفني أن تفقد في نهاية عمرك ثروتك الكبيرة من المنطق والعقلانية.إنني على ثقة بأنك لست معادياً للسامية، ولا تكره إسرائيل، لذلك فإنني لا أستطيع فهم كيفية صياغتك واقعاً ليس له وجود، فالكلمات والعبارات التي ذكرتها في كتابك الجديد من الممكن أن تشكل خطراً على استمرار الاستقرار في منطقتنا وتبعدها سنوات ضوئية طويلة عن إمكانية التوصل إلى فرص تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها.إنك تساوي بين إسرائيل ونظام التمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية، فكيف تقارن بين النظام العنصري الذي قمع، وقتل، وعذب، وتجاهل حقوق عشرات الملايين من المواطنين السود، الذين يعيشون في دولة مستقلة موحدة وبين الفلسطينيين؟ على الرغم من أن الفلسطينيين يعيشون منذ عدة سنوات في ظل إدارة ذاتية، وأنهم يستغلون هذه الأجواء والظروف المعيشية في القيام بهجمات إرهابية قاتلة على المواطنين الإسرائيليين، واليهود الأبرياء، والنساء والأطفال، فالعالم يعلم أن إسرائيل تدفع ثمنا غاليا عندما أخذت على عاتقها عدم المساس بالأبرياء في حربها ضد الإرهاب، كما أنني على علم بذلك، خاصة أنني كنت أحد أعضاء المجلس الوزاري المصغر للشئون السياسية والأمنية في إسرائيل.وفي الوقت الذي سعى فيه النظام العنصري بجنوب أفريقيا إلى تمكين أقلية من السيطرة على الدولة، فإن الأغلبية في إسرائيل هي التي تدافع عن نفسها من إرهاب الأقليات التي يصارع زعماؤها من أجل تدمير دولة إسرائيل.
هل بحثت عن حقوق اليهود لدى الدول العربية؟ ففي الأردن، على سبيل المثال، وهي دولة وقعت إسرائيل معها اتفاق سلام وتعتبر دولة معتدلة، لا يحق فيها لليهودي الحصول على الجنسية أو امتلاك أراضٍ بعد شرائها.
إنك تتحدث عن حق العودة للفلسطينيين.. هل سألت نفسك كيف لشعب يدعي أن كل ما يريده هو إقامة دولة، يسعى إلى نقل فلسطينيين يعيشون في دولتهم المستقلة ليس للدولة الفلسطينية (المرجوة) وإنما لأراضي دولة إسرائيل ذات السيادة؟ وفى هذا الخصوص أرجو أن تسأل الرئيس كلينتون الذي سأل عرفات السؤال نفسه في (واى بلنتيشن) وفي (كامب ديفيد) ولم يحصل على جواب.لقد برهن السياج الفاصل دون أدنى شك على أنه نجح في وقف جيش المنتحرين الفلسطينيين، وإنني أتذكر عندما كنت وزيراً للمالية تعرضت دولة إسرائيل خلال عامين لعمليات إرهابية قاتلة أسفرت عن مصرع 140 إسرائيلاً كل شهر، وبلغ عدد هذه العمليات خلال عامين 20 ألف عملية.حقاً الجدار الفاصل لا يحول دون إطلاق القذائف باتجاه عدد من مدن إسرائيل، ولكن هناك فارق جوهري بين عدد المصابين بعد بناء السياج وبين الضرر الضخم الذي كانت تتعرض له معظم المدن الإسرائيلية قبل عملية بناء السور، فالضرر الناجم عن القذائف أخف وطأة من ضرر جيش المنتحرين.وعلى الرغم من أن أجزاء صغيرة من السياج الفاصل اخترقت الأراضي الفلسطينية لدواع أمنية خالصة إلا أن صورة غلاف كتابك اقتصرت على هذه الأجزاء فقط، وهو الأمر الذي لا يعتبر نظرة حيادية للقضية.
لقد ادعيت أن أبو مازن قاد السلطة الفلسطينية كرئيس للوزراء لعدة سنوات، وأن إسرائيل رفضت الحديث معه خلال تلك الفترة، وهذا خطأ واضح وتزييف للحقائق، فأبو مازن كان رئيسا للوزراء لفترة أقل من عامين، وأن عرفات لم يعينه في هذا المنصب طواعية وإنما رغماً عنه. إنك تعلم ومثلك فى ذلك مثل سائر دول العالم أنه في خلال هذين العامين كان عرفات وحده هو صاحب حق اتخاذ القرار، وأنه كان يرفض السلام مع إسرائيل. إنك تدعي أن حماس ترغب في السلام ولكن رئيس الوزراء (حماس) إسماعيل هنية أعلن خلال زيارته الأخيرة لإيران، أنه لن يعترف بدولة إسرائيل إلى الأبد.ينبغي أن تفهم أن النزاع بين إسرائيل وجيرانها ليس على خلفية التصريحات أو المشكلات الاقتصادية وإنما يأتى لأسباب تتعلق بصراع الحضارات بين العالم الإسلامي وبين دولة ذات سيادة ديمقراطية تتماشى فيها مع قيم العالم الحر، وهي الديمقراطية، والمساواة في الحقوق، وسلطة القانون وحرية الخصوصية.
يؤسفني ألا يتعلم رجل يمتلك تاريخك وثقلك السياسي من تجارب الماضي، فأنت كرئيس للولايات المتحدة سمحت للخميني عام 1979 بدخول إيران في إطار استخفافك المؤكد بنظام حكم (الشاه) وصدور هذه العبارة عنك يلقي عليك مسئولية كبيرة لأن كل من سيقرأ كتابك في العالم العربي سيزداد كراهية لإسرائيل، والولايات المتحدة مما سيعطي مبرراً لدول محور الشر بالهجوم علينا.كتابك يمتلئ بالعديد من الأخطاء التاريخية، ففي وقت كتابة هذه السطور تصر إيران مثلا على إنكار المحرقة اليهودية إبان حكم هتلر النازي، وأحب أن أقول لك إن معظم رؤساء الولايات المتحدة حصلوا على فترة رئاسة ثانية، ولكنك لم تحصل عليها وأعتقد أنك أدركت الآن السبب فى ذلك، ولكن الشعب الأمريكي كان يعلم بإحساسه سبب عدم ترشيحك.ونحن كنا نعلم ذلك أيضا منذ سنوات، وأود أن أسدي لك بنصيحة أخيرة - سيدى الرئيس - في ختام رسالتي وهي :(إذا كنت ترغب في تأليف كتاب آخر فيجب أن يحمل عنوان (الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم الإسلامي).
النخبة الأميركية.. موجة عالية من النقد
واشنطن : فارس بريزات
* كتاب كارتر الصادر عن دار نشر سيمون آند شوستر في 264 صفحة يتكون من 16 فصلا ومقدمة وخاتمة إضافة إلى ملاحق تحتوي على نص اتفاقية كامب ديفيد وقرارات الأمم المتحدة: القرار 242 لسنة 1967 و 338 لسنة 1973 و465 لسنة 1980، ومسودة المبادرة العربية للسلام، ورد إسرائيل على خطة خارطة الطريق في مايو 2003، ذلك بالإضافة إلى العديد من الخرائط التي توضح تطور الصراع العربي الإسرائيلي منذ قرار الأمم المتحدة عام 1947 بتقسيم فلسطين، وحتى الآن هذا الكتاب أثار (مو جة من الحوار في الإعلام الأمريكي سماها البعض (مشكلة كارتر اليهودية) فيما اتخذ البعض الآخر مسافة نقدية ووجه النقد لمنتقديه.كارتر من جانبه رد على منتقديه يعكس بشكل دبلوماسي طبيعة الرجل، وإيمانه المطلق في العدالة وحقوق الإنسان. وهناك وجهت نظر واحدة ناقدة للكاتب والكتاب، وأخرى محايدة وبالطبع وجهة نظر كارتر أيضاً. الإشكالية التي أثارها الكتاب لم تكن بسبب محتواه بقدر ما كانت بسبب العنوان الذي شمل كلمة (الفصل العنصري). ولهذا المصطلح تاريخ طويل مليئ بالارتباطات السلبية التي تأسست على السياسة الرسمية لحكومة البيض في جنوب إفريقيا القاضية بالفصل بين البيض والسود بشكل مهين للسود.
لذلك كان الموقف الرسمي الإسرائيلي دفاعياً أولا ثم هجومياً لاحقاً. الموقف الدفاعي يحاول توضيح وجهة النظر الإسرائيلية بأن الجدار الذي تبنيه إسرائيل بينها وبين الفلسطينيين لا يهدف إلى الفصل العنصري وإنما إلى حماية الإسرائيليين. الموقف الهجومي استهدف الرئيس كارتر شخصياً حتى وصل إلى حد اتهامه باللا سامية في بعض مواقع المدونات.
الكتاب لا يتحدث فقط عن الجدار بل يعرض للسياسات الإسرائيلية التي تستهدف السيطرة على الأرض الفلسطينية وحرمان الفلسطينيين من أساسيات الحياة بسبب نقاط التفتيش، والسيطرة على مصادر حياة الفلسطينيين.
وفي مقالة له في الواشنطن بوست بتاريخ 18 كانون الثاني 2007 عنوانها (فرصة جديدة للسلام؟) عرض الرئيس كارتر موقفه من الانتقادت الموجهة له مركزاً على الهدف من الكتاب قال فيه (أنا قلق من أن المناقشة العامة لكتابي ... حولت مسار النقاش عن المقترحات الرئيسية وهي: يجب إعادة إحياء المفاوضات بعد ست سنوات من التوقف ويجب وقف الاضطهاد المأساوي ضد الفلسطسينيين، ويتابع كارتر بقوله: إن النقد الموجه للكتاب لم ينل من الحقائق المعروضة فيه وإنما ركز على العنوان في شكل حملة إعلامية اتهمت فيها بأنني معادٍ لإسرائيل.
ويعيد كارتر التأكيد على موقفه المبدئي من إسرائيل قائلاً إن هذا (الاتهام) لايخدم أي منا، نحن هؤلاء الملتزمون بمكانة إسرائيل كدولة مسالمة تعيش في انسجام مع جيرانها.
ويرى كارتر أن هناك بصيص أمل. حيث إن الرئيس بوش أعلن أن (السلام في الأراضي المقدسة ستكون أولوية لإدارته في السنتين المتبقيتين). ويؤكد أن العرض الذي قدمته الدول العربية في قمة بيروت وخارطة الطريق يشكل أساسا لعملية السلام. ولعل أهم ما طرحه كارتر هو أنه لا يمكن لإسرائيل أن تعيش بسلام إلا إذا انسحبت من الأراضي التي احتلتها من جيرانها وسمحت للفلسطينيين بممارسة حقوقهم الإنسانية والسياسية.
وفي الموضوعات الإجرائية يطرح كارتر صيغة تبادل الأراضي حول الخط الأخضر للسماح لبعض المستوطينين الإسرائيليين البقاء في منازلهم المدعومة من الحكومة. ومبدأ تبادل الأراضي أصبح مقبولا للغالبية من الإسرائيليين ولكن هناك أقلية من القادة الإسرائيليين اليمينيين وللأسف إنهم مدعومون من قبل مجموعة من اليهود الأمريكيين ذوي الصوت العالي. ويقول أحد المعلقين: إن هذه المجموعة من اليهود الأمريكيين أصبحت بلا عمل تقريباً عندما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين بالسير قدما في عملية السلام. ويتابع هذا المعلق قوله: إن استمرار هذه المجموعة المحددة مرتبط باستمرار الصراع بين الإسرائيليين والعرب.إنهاء الصراع يعني إنهاء مصالح هؤلاء، لذلك فهم يقاتلون من أجل الاستمرار في أعمالهم.
ويرد كارتر على الذين يكررون مقولة ان حماس ترفض الاعتراف بإسرائيل بقوله (إن مبدأ الأرض مقابل السلام يجب أن تقبله الحكومة الممثلة للفلسطينيين). ويشير إلى نتائج استطلاعات الرأي التي قام بها المركز الفلسطيني للأبحاث السياسية التي تؤكد أن 73 في المائة من الفلسطينين في الضفة والقطاع يؤيدون حل النزاع بتبادل الأراضي. وكذلك إن إسماعيل هنية يؤيد إجراء مفاوضات بين الرئيس عباس والإسرائيليين. ويشير كارتر إلى أن هنية تعهد بإنهاء موقفه الرافض إذا أيد الشعب الفلسطيني الاتفاقات مع إسرائيل.ويثني على موقف الرئيس محمود عباس برفض حل (الدولة المؤقتة) وأسباب كارتر هي ان الحل المؤقت وكما أثبتت التجربة لا يؤدي إلى حلول أخرى، كما إن التفاوض على الحل المؤقت صعب جداً وعادة ما يستخدم مثل هذا الحل كعذر لعدم تحقيق تقدم. إضافة لذلك يرى كارتر أن التفاوض حول الحلول النهائية والقضايا الكبرى للوصول إلى السلام هو أسهل من التعامل مع الحلول المؤقتة وصعوباتها للوصول إلى ذات الهدف.ويرى أن الفرصة سانحة للحزب الديمقراطي لإحداث نوع من التقدم فيما يتعلق بالشرق الأوسط في الوقت الذي يحاول الكونغرس الديمقراطي الآن التوصل إلى تفاهمات مع البيت الأبيض حول العراق، وقضايا الشرق الأوسط الأخرى، ولا شك أن توصيات بيكر هاملتون تشكل أساسا قويا لصياغة توافقات بين الديمقراطيين حول هذه القضايا. وعلى الرغم من اعتراض رئيس الوزراء الإسرائيلي على اقتراح بيكر-هاملتون باستئناف مفاوضات السلام وإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي، إلا أن هذا لا يمنع أن نرسل وفداً من الكونغرس للاطلاع على الحقائق على الأرض في الأراضي الفلسطينية لتقييم إمكانية بدء محادثات سلام. ويعترف كارتر أن العديد من أعضاء الكونغرس الديمقراطيين سيجدون صعوبة في التعامل مع اقتراحات بيكر-هاملتون حول الصراع العربي الإسرائيلي. لكن هذا لا يثني الرئيس كارتر عن إيمانه أنه توجد فرصة جيدة لإحراز تقدم.
وفي مقابلة عل CNN مع الرئيس كارتر ونائبه وولتر مانديل في فترة رئاسته، وجه وولف بلتزر سؤالاً للسيد النائب حول كتاب كارتر وكان رده هو (ان الرئيس كارتر عمل لإسرائيل ما لم تعمله أي إدارة أخرى) مشيراً إلى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية التي تمكن كارتر من إنجازها.يرى بعض المحللين السياسيين إن هذا الرد هو أقوى سلاح يمكن أن يستخدمه الرئيس كارتر أو من يتفقون معه للرد على الانتقادات الموجهة له. إلا أن المنتقدين يحاولون أن يثيروا موضوعات أخرى تخدش مصداقية الرئيس كارتر في موضوع بناء السلام بين إسرائيل والعرب لأنهم يدركون أن كارتر يتمتع بكثير من الاحترام بين الأمريكيين وفي العالم.
تجلى الضغط على الرئيس كارتر بعدة طرق. منها استقالة 14 عضواً من مجلس أمناء مركز كارتر التي وصفتها شبكة CNN بقولها (إنها تعكس حالاً من الضجيج داخل المجتمع اليهودي الأمريكي). وفي تصريح لهؤلاء قالوا (إن الكتاب خلط الآراء بالحقائق، والذاتي بالموضوعي).وفي الختام فإن تعاطف كارتر مع حالة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي ورؤيته لصعوبة حياتهم اليومية من خلال زياراته المتكررة ستنقل بعض المعاناة إلى القاريء الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً لأن معاناة الفلسطينيين تكاد تكون غائبة عن الرأي العام الأمريكي.ويرى بعض العرب المهتمين بالسياسة في واشنطن مثل ريم المصري من جامعة جورج تاون أن هذا الكتاب سيساهم في رفع مستوى الوعي بالقضية الفلسطينية ومعاناة الشعب الفلسطيني.ولكن تبقى مهمة دعم مثل هذا الجهد وإيصاله إلى أكبر قدر ممكن من الناس الذين يمكن لهم التأثير في صنع القرارات السياسية غير مدركة .