جريدة الجرائد

على طول خط المواجهة في بيروت

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


انتوني شديد - واشنطن بوست

خلال الحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت خمسة عشر عاما، قسم الخط الاخضر بيروت الى نصفين، أحدهما ذي اغلبية مسيحية والاخر ذي اغلبية مسلمة على طول طريق كان يقول الكثير إضافة إلى كونه مخيفا. وفي وقت ما، في حرب قتل فيها اكثر من 100.000 شخص، كان اقل من خط مواجهة وأكثر من أرض لا تعود لأحد، والذي سمي كما يقول البعض، بسبب الاعشاب والنباتات البرية المهملة التي نمت فيه.

واليوم، تبقى القليل من الخط الاخضر، باستثناء بناية بركات بالقرب من وسط البلد بأعمدتها وأقواسها التي ما تزال تحمل آثار الدمار الذي أحدثته الحرب. ومثل الكثير من لبنان نفسه، فان البنايات الاخرى التي ما تزال تحمل الندوب على طول الطريق باتت مدعمة بواجهات رقيقة من الاسمنت والحجر والزجاج.

أما في هذه الايام، فقد انتقلت الجبهة الى طريق المطار القديم، حيث يقسم امتداد بطول ميل سكانه الى طائفتين مسلمتين: سنية وشيعية. ويستدعي الحد الجديد الناجم كل ما هو قديم وجديد في ازمة لبنان التي مضى عليها شهران: ذكريات الحرب الاهلية، والشقاق الطائفي الذي يعمل على تمزيق لبنان والمنطقة من حوله.

يقول احمد عيتاني بينما كان يجلس مع اصدقاء له في ركن من طريق المطار القديم في الضاحية المسلمة "هذا هو خط المواجهة .. انهم هناك .. ونحن هنا.. واذا ما كان لشيء أن يحدث، فإنه سيحدث في المنتصف".

لعدة ساعات من يوم الخميس الماضي، شهدت بيروت ما يذكر بالعراق، عندما تعارك مئات من المواطنين السنة المؤيدين للحكومة مع شيعة موالين لحزب الله وحركة امل المتحالفة معه والمجموعات المعارضة التي شنت حملة في الشهر الماضي لاسقاط الحكومة. وقد قتل أربعة أشخاص على الأقل، وجرح حوالي مائتين نتيجة للقتال الذي وقع بين الجانبين. وعاد الهدوء يوم الجمعة بعد ان فرض الجيش نظام منع التجول خلال الليل، فيما حث الساسة اتباعهم على الانسحاب من الشوارع. وقام العمال في الأثناء بإزالة مكبات النفايات التي استخدمت كحواجز، وأخلوا بقايا السيارات التي احرقت الى مواقع اخرى، وكنسوا الشوارع التي اتسخت بسبب الاطارات المتفحمة.

لكن إشارات الخطر التي يحملها طيف الحرب الاهلية ظل يتسكع في المكان. وتبادل السكان قصصاً عن الحاضر والماضي نحو: انتشر قناصة سُنة على الاسطح مطلقين النار على اشخاص شيعة غير مسلحين اسفل منهم، فيما تولى اعضاء شيعة في لجان الأمن الأهلية توقيف السيارات والطلب ممن فيها ابراز هوياتهم الشخصية ليتثبتوا من الطائفة التي ينتمي اليها السائق.

وبسبب رهاب الاماكن المتنقلة أعرب العديد من السنة عن استيائهم من تجرؤ الشيعة على التهجم على ما يعتبره السنة ارضاً تعود لهم، فنصبوا حواجز الطرقات في وادي البقاع وعلى الطريق الساحلي جنوب بيروت. وعلى طول طريق المطار القديم، تفاعل السكان مع القول بأن الحروب الاهلية غالباً ما تندلع من خلال الحوادث المتراكمة، وليس نتيجة تصميم مسبق.

وقال عيتاني "ان القادة في هذا البلد هم الرعاة واتباعهم هم الغنم... اليس ذلك بصحيح؟ قاتل: فتقاتل. توقف: فتتوقف... نم: فتذهب إلى النوم". وشرع أصدقاؤه في الكراج بالضحك حتى تدخل صاحب المكان محمود المكاوي الذي تساءل مغضباً: "من يريد حرباً منذ زمن طويل مات اباء الأبناء الذين يعيشون هنا اليوم، فهل يترتب على الابناء ان يموتوا الان؟ وهل هو مقدر لنا ان نمر بتجربة الموت مرة اخرى؟"

وجلس عيتاني واصدقاؤه وقد أطبق عليهم الصمت.

ان ازمة لبنان هي اكثر من صراع بين حكومة وبين معارضة. فعلى بساط البحث، ثمة مسائل اساسية تتعلق بهوية البلد: نفوذ الولايات المتحدة، وسورية وايران، والعلاقات مع اسرائيل، وسلطة الدوائر الانتخابية السنية والشيعية. وعلى ضوء الوضع الراهن، فإن الحكومة وحلفاءها الذين يضمون المسلمين السنة والدروز وبعض المسيحيين - والمعارضة- التي تضم حزب الله وحركة امل الشيعيتين، سوية مع حليف مسيحي ذي نفوذ - قد صعدوا الضغط معاً، واثقين كليها من قدرتهما على تحريك وضبط مؤيديهما. لكن الجانبين يذهبان مع كل صدام, كما يقول العديدون، باتجاه نقطة اللاعودة.

على طريق المطار القديم، ثمة يافطة خارج مسجد سني تحمل عبارة تقول "نريد لبنان واحدا لا لبنانين". وعبر الشارع يافطة اخرى تقول "السنة والشيعة هم أمة النبي محمد، ولا يمكن تقسيمهم".

وثمة يافطات اخرى اكثر طائفية، فهناك يافطة تخلد ذكرى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وهو سني. وكان قد اعدم اول ايام عيد الاضحى على يد حكومة عراقية شيعية. وتقول اليافطة في عبارة كتبت باللونين الاحمر والاسود "لن ننساك". وهناك لافتات اخرى تحتفل بعيد عاشوراء لدى الشيعة "انتصار المظلومين". وكان الجيش النظامي اللبناني قد نشر يوم الجمعة الماضي ناقلات جنود مدرعة وقوات تولى بعضها تفتيش السيارات اثناء دخولها الى الضواحي.

يقول مصطفى طاحش، وهو حائك يبلغ من العمر 33 سنة كان يقف مع شقيقه هشام في منطقة الدانة: "إننا ضد هذه الحرب.... لكن رجالا مسلحين جاؤوا الى منطقتنا. والامر يشبه مجيء غريب الى منزلك: فكيف نتعامل مع هذه الحال؟" فقاطعه اخوه بالقول "كان ذلك استفزازا": ومضى طاحش الى القول "لقد كنا نعيش سوية منذ سنوات. وقد تزوجوا منا وتزوجنا منهم. لكنك لا تستطيع اللجوء الى القوة لتسوية مشكلة... وهذا البلد ليس العراق، فهل من المعقول ان يعمد امرؤ إلى حرق منزله بيديه؟".

كانت الحركة على طول طريق المطار القديم خفيفة يوم الجمعة نظرا لان المدارس والجامعات كانت مقفلة لتهدئة التوتر. وفي أحد الاكشاك يقول مانشيت إحدى الصحب "لبنان: آخر فرصة للحل قبل ان تحل الكارثة بالجميع".

وعلى مسافة قليلة، يقع حي الغبيري الشيعي، حيث يوجد صاحب البقالة وسام بيرو المولود لأم سنية ووالد شيعي، والذي تساوره المخاوف على زوجته التي اقترن بها منذ شهرين، وعلى اولادهما الذين يخططان لانجابهم.

ويتساءل: كيف لي أن أنجب أولاداً اذا كنت لا اعرف ما اذا كانت حرب ستقع في لبنان؟.

من قادة حزب الله الى الشيعة في الشارع، فان العديدين يتهمون الولايات المتحدة بتشجيع الفتنة بين السنة والشيعة كطريقة لطمس الصورة المتنامية لايران الشيعية في سوادها الاعظم. وفي الاثناء، ثمة قلق من انه مهما كان المخطط، فان لبنان مقسم جدا وضعيف جدا وانعكاسي جدا في ولاءاته لزعماء فئاته، وإلى درجة لا يقوى معها على الصمود امام تبعات النزاع الطائفي.

الى ذلك خرجت صحيفة السفير البيروتية الرئيسية بعنوان رئيس يوم الجمعة الماضي يقول "العنوا من أيقظ الفتنة".

يهز محمد زين الدين رأسه عندما يتذكر يوم الخميس. ومحمد كهربائي كان عائدا من ضاحية مسيحية عندما تم إيقافه في منطقة مختلطة على يد موالين لحركة امل في ملابس مدنية ومسدسات مثبتة في ستراتهم. وطلب الرجال بطاقة هويته. وقال "لقد وجدوا انني شيعي. وقالوا لي ان باستطاعتي متابعة السير".

واشار محمد الى طريق المطار القديم الذي كان "خط التماس" كما قال. واضاف "هناك امكانية لأن يحدث اي شيء بما أن الجميع مسلحون"، ثم عبس مضيفاً، "وسنحتاج قريبا الى امتلاك ثلاث او اربع بطاقات هوية حتى نستطيع التنقل".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف