الضمانات الأمنية.. وسيلة ناجعة لاحتواء أزمة بيونج يانج النووية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
الخميس 1 فبراير 2007
بول ستيرز
من بين جميع الأزمات المستفحلة على الساحة الدولية التي تواجه الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، يعتبر النظام المتهالك لمنع الانتشار النووي أهمها على الإطلاق. فقد حذر محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن هناك ما لا يقل عن "ثلاثين دولة نووية افتراضية" تلوح في الأفق. وبالطبع كلما ازداد عدد الدول التي تملك السلاح النووي، كلما تفاقمت مخاطر حصول حادثة نووية، أو سرقة مواد انشطارية وبيع التكنولوجيا النووية، فضلاً عن الانزلاق إلى حرب نووية مدمرة بسبب سوء في الحسابات السياسية. فمن أين يتعين على الأمين العام الجديد البدء للتقليل من احتمال حدوث هذه المخاطر؟ هل يبدأ أولاً بكوريا الشمالية التي أعلنت عقب تجربتها النووية في شهر أكتوبر الماضي أنها أصبحت تمتلك قوة الردع النووية، أم ينساق وراء إغراء التركيز على إيران؟ الواقع أنه على رغم إعلان كوريا الشمالية حيازتها للسلاح النووي، فإن ذلك مازال بعيداً عن الحقيقة، وسيكون من الخطأ التعامل مع كوريا الشمالية باعتبارها قوة نووية مفروغاً منها، لما سيبعثه ذلك من إشارات خاطئة إلى دول أخرى مثل إيران من أن المجتمع الدولي يفتقد الإرادة الحقيقية لمنعها من الحصول على القنبلة النووية. لذا فإن مقاربة جديدة تفرض نفسها ضمن هذا السياق.
ولعل النموذج الأفضل الذي يلفت الانتباه هو ما يسمى بـ"الانقلاب النووي" الذي دفع مجموعة من الدول في السابق إلى التخلي عن الخيار النووي. وللوهلة الأولى، لا تبدو التجربة التاريخية في هذا المجال مشجعة، حيث كانت جنوب أفريقيا الدولة الوحيدة التي طورت أسلحة نووية، ثم قررت التخلص منها. أما البلدان الأخرى التي تخلت طواعية عن برامجها المتقدمة في مجال الأبحاث النووية مثل أستراليا والأرجنتين والبرازيل وكوريا الجنوبية والسويد وتايوان، أو مثل روسيا البيضاء وكازاخستان، وأوكرانيا، التي تخلت عن ترساناتها النووية الموروثة من تركة الاتحاد السوفييتي، فهي لم تقدم على ذلك إلا بعد انتزاعها ضمانات أمنية من القوى العالمية الرئيسية، بحيث لم تعد للأسلحة النووية فائدة كبيرة تجنى من ورائها. فكيف يمكن تطبيق هذه المقاربة على حالة كوريا الشمالية؟
الأكيد أن الجواب عن السؤال لن يأتي في شكل ضمانات أمنية أحادية الجانب تقدمها الولايات المتحدة لكوريا الشمالية. فرغم التأكيدات المتكررة للمسؤولين الأميركيين في مناسبات عديدة بأن أميركا لا تكِن أي عداء خاص لكوريا الشمالية، وبأنها لا تبيِّت أية نوايا عدائية تجاهها، فإن الاكتفاء بترديد تلك العبارات لن يقنع "بيونج يانج" بالتخلي عن أسلحتها ولن يسبغ على الخطاب الأميركي أية مصداقية. بينما من شأن الضمانات الأمنية التي يتعهد بها الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن ستكون أكثر إقناعاً، ووقعها أبلغ أثراً في نفوس المسؤولين الكوريين. وهنا يبرز دور الأمين العام "بان كي مون" لتصبح الأمم المتحدة الأداة الدبلوماسية الأنجع لتقديم الضمانات الأمنية من خلال مبادرة رسمية تنهي الحرب الكورية وتفكك اتفاقية الهدنة التي مازال العمل بها قائماً إلى غاية اليوم.
وكجزء من اتفاقية السلام التي سترعاها الأمم المتحدة، ستتعهد الدول الرئيسية الموقعة -الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية- بتطبيع علاقاتها الدبلوماسية مع بيونج يانج، والاعتراف بالوحدة الترابية للكوريتين، والأهم من ذلك ضمان إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية. كما يمكن أيضاً للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن تمديد الضمانات الأمنية لتشمل الكوريتين بدل الاقتصار فقط على كوريا الشمالية. وسيستمر العمل باتفاقية السلام بما تشمله من ضمانات طالما احترمت الأطراف المعنية تعهداتها بعدم العمل على نشر الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، وعدم الانخراط في أنشطة سرية لحيازتها، أو تطوير السلاح النووي. ولا داعي للتذكير هنا بأنه في حال نكوص أحد الأطراف عن التزاماته فإن جميع الخيارات ستكون موضع درس من قبل المجتمع الدولي.
هذا ويمكن أيضاً مناقشة اتفاقيات مكملة تشمل مراقبة الأسلحة التقليدية وتقديم مساعدات اقتصادية، ثم إتاحة فرص التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، فضلاً عن الاستفادة من المعونات الإنسانية، لكن على ألا تكون مشروطة باستبدال اتفاقية الهدنة بتسوية سلمية دائمة. وقد سبق للولايات المتحدة أن أبدت استعدادها للتوقيع على اتفاقية للسلام تنهي حالة الاحتقان والتوتر في العلاقات مع كوريا الشمالية التي دامت طيلة السنوات الماضية، لكن فقط بعد التأكد من أن كوريا الشمالية فككت فعلاً ترسانتها النووية وتخلت عن برامجها لتطوير السلاح الفتاك. ومع ذلك تشكل المقاربة الجديدة المتمثلة في الانفتاح على بيونج يانج ضمن إطار الأمم المتحدة فرصة لتهدئة مخاوف كوريا الشمالية وإرجاعها إلى حظيرة المجتمع الدولي. وبالنسبة لـ"بان كي مون" لن يكون اتفاق السلام في حال توقيعه مجرد هدية ثمينة يهديها إلى موطنه كوريا الجنوبية، بل سيساهم أيضاً في تعزيز مكانة الأمم المتحدة واستعادة دورها الحيوي على الساحة الدولية. أما إذا نجح الأمين العام الجديد في الحفاظ على نظام عدم الانتشار النووي مع كوريا الجنوبية، فإن ذلك سيدفعه لتطبيق ذات المقاربة مع إيران، وهو الأهم من كل شيء.