جريدة الجرائد

لماذا نترجم؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


أدونيس

لماذا نترجم؟
ماذا نترجم؟
كيف نترجم؟

ثلاثة اسئلة اساسية في كل مشروع للترجمة. سأحاول بإيجاز ان اقدم اجوبتي الشخصية عنها.
لا اظن، في ما يتعلق بالسؤال الأول، ان احدا اليوم يرفض مبدأ الترجمة من اللغة العربية واليها. ومن ضمن ذلك الشعر نفسه، خلافا لمقولة الجاحظ. الترجمة ابداع اخر، وهي اذا فعل ثقافي لا بد منه. لا يحسن الانسان فهم نفسه الا بقدر ما يحسن فهم الاخر. فترجمة الاخر طريقة مثلي لمعرفة الذات. ثم ان تطور العلاقات في ما بين الشعوب، نوعا وكما، يؤكد ان الاخر لم يعد مجرد طرف للحوار او التفاعل والتبادل، وانما تخطي ذلك الي ان يكون عنصرا من العناصر التي تكون الذات.
نضيف ان مواصلة الترجمة الي العربية في عصرنا الحديث، انما هي تحية لعصورنا القديمة، ولمترجميها، وتعميق وتوسيع لحركة الترجمة التي بدأوها، والتي كانت جزءا لا يتجزأ من الابداع الثقافي العربي، ومن الهوية الثقافية العربية.

ان ثقافة تكتفي بذاتها وتعزف عن الترجمة يصحّ ان توصف بانها شبه ميتة. وسيكون ذلك، في الحالة العريبة، مدعاة للاستغراب. كيف يستجلب العرب جميع الوسائل التي ابتكرتها تقنية الاخر ولا يخططون او يعملون لترجمة الاعمال الفلسفية والعلمية والادبية التي كانت وراء تلك التقنية؟
والترجمة اذا خطة مجتمع ودولة. خطة قومية ثقافية ولغوية.

ماذا نترجم؟ سؤال يفترض وجود رؤية وتخطيط وراء الترجمة. يفترض كذلك ان الترجمة في هذا السياق حاجة ثقافية وحضارية، وانها اوسع واكثر تعقيدا من ان تترك لأهواء الفرد.
هكذا يحتاج واقع الترجمة اليوم، من العربية واليها، الي نقاش خاص، لا مكان له هنا. اذا، سأقصر كلامي علي رسم الافق الذي اري ان تسير فيه حركة الترجمة من العربية واليها:

1ـ الافق الذي ينبغي ان تسير فيه ترجمة الاعمال العربية الي اللغات الاخري هو الافق الذي يضيف الي آفاق هذه اللغات اشياء مختلفة تزيدها معرفة بالابداع العربي، وتزيدها غني في تكونها الثقافي. سواء ما اتصل بقلق الانسان، وجودا ومصيرا، او بمشكلات الحياة، او العلاقة مع العالم والاشياء، وطرقها، او الرؤي الخاصة بالدين، والذات، والاخر، واللغة، والتعبير. وفي هذا ما يجعلنا نحيد عن الترجمة التي تندرج في المسار السياسي ـ الاعلامي ـ الاجتماعي تلبية لرغبة الاخر في النظر الي العرب، لا نظرة الندية الابداعية، بل نظرة من يسعي للتشهير بهم، او لإبقائهم سجناء الصورة الامبريالية ـ صورة التخلف والتبعية.

وهذا يقتضي اعداد لائحة مختارة من الكتب القديمة والحديثة، مما لا نجد ما يماثله في الاداب الاخري، واذا مما سيضيف اليها قيما فنية لا تعرفها، ويفتح امامها ابوابا جديدة لمعرفة جديدة، وقيم انسانية وفكرية جديدة.

2ـ الافق الذي تسير فيه ترجمة الاعمال الاجنبية الي اللغة العربية هو كذلك الافق الذي يضيف الي هذه اللغة ما لا تعرفه، وما يغنيها فنيا، ولغويا، علميا، وانسانيا. فلا يقتصر تأثير الترجمة علي الفكر وحده، او الثقافة وحدها، وانما يشمل اللغة كذلك. وهذا ما يقتضي كذلك اعداد لائحة مختارة من الكتب الاجنبية التي تتوفر فيها هذه الامكانات.

كيف نترجم؟ سؤال تتعدد الاجوبة عنه. وهذا امر طبيعي، لان الترجمة ابداع، وقلما نجد اجماعا علي الابداع. لكن مهما تباينت وجهات النظر في الترجمة، فان هناك شيئا موضوعيا لا بد من الاجماع عليه، هو مستوي اللغة الناقلة، وهي هنا العربية.

ثمة امثلة كثيرة، احصرها في اللغة الفرنسية، تؤكد ان الخلل في ترجمة العربية الي الفرنسية يجيء من كون الفرنسية ليست اللغة ـ الام للمترجم. اللغة ـ الام هي، وحدها، التي تعرف كيف تستقبل.
في هذا الصدد ازعم استنادا الي تجربة لا تزال متواضعة ومحدودة، في ميدان الشعر بخاصة، ان لغة الارسال لا تحيا حقا الا في لغة استقبال عالية. ولن تكون لغة الارسال الا جثة في لغة استقبال لا يتقنها صاحبها اتقانا متفردا. والامثلة التي تشهد لما اقوله كثيرة جدا في اللغة العربية.
من أوراق مؤتمر المعرفة الذي انعقد في دبي مؤخرا

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف