جريدة الجرائد

أم عسيرية... وأب نجدي!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


تركي الدخيل

لم نكن في فترة من الفترات بهذه الجرأة. ولا على هذا القدر من البوح والصراحة.
أتحدث عن كتابة الشخصيات العامة سيرها الذاتية، وبين يدي كتاب استمتعت به منذ صدوره قبل عام، وأكثر ما شدني فيه هو أن كاتبه عبدالرحمن بن محمد السدحان، برغم كونه يتبوأ حتى الآن منصباً رسمياً عالياً، فهو الأمين العام لمجلس الوزراء السعودي، إلا أنه لم يجد غضاضة في أن يكون صريحاً، شفّافاً، فأضاف بالوضوح ميزة إلى ميزة أسلوبه السهل الممتنع وهو يروي سيرته العصامية.
كان والد عبدالرحمن، كعشرات الرجال النجديين الذين انتقلوا إلى عسير بحثاً عن فرص العيش، وهناك قرر الشاب القرائني (نسبة إلى القرائن قرب شقراء) أن يكمل نصف دينه فاقترن بفتاة عسيرية، ولدت له عبدالرحمن.
وبين ثقافة متشددة، وتدين منفتح جنوبي فطري يمارسه الناس، آنذاك، قبل أن تمتد إليهم الثقافة المتشددة، فتحيلهم نسيجاً واحداً، كان للتباين الثقافي والاجتماعي، أكبر الأثر في أن ينفصل الأب عن الأم، فيعيش عبدالرحمن طفولة معذبة، على الرغم من إشاراته إلى ما التقطه من والده حيث تعلم من صمته فضيلة القراءة، ومن كلامه أدب الرواية، وما التقطه من والدته، حيث ضخّت في شرايينه أنهاراً من الحب والصمود في وجه الخطوب.
وما أكثر الخطوب في حياة هذا الصغير الذي شتت قلبه بين أم وأب، لكنها لم تعقه عن التميز والإبداع عملياً، أما شخصياً، فلا شك أن شخصية عبدالرحمن السدحان التي يكسوها اللطف والإنسانية، قد خُلقت من أجواء المعاناة، هدوءاً وحناناً ولطفاً.
في بيئتنا السعودية، ليس سهلاً أن تتحدث عن أسباب طلاق أبيك لأمك، بكل هذه الشفافية، ولذلك كان السدحان يبث فينا ونحن نقرأ سيرته(قطرات من سحائب الذكرى) دفعات من المتعة والتشويق وهو يلتفت إلى هذه الفوارق الاجتماعية والثقافية، ولذلك فنحن نرفع الشماغ السعودي تحية للسدحان على هذه السيرة الممتعة، ونتمنى أن تكون محرضة لأبناء جيله، ليقدموا شيئاً لجيل بعدهم، لم يعرف إلا السيارات والمكيفات، هو جيل كاتب هذه السطور، وما بعده!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف