جريدة الجرائد

ألسنا جميعاً أقليات في لبنان؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

خيرالله خيرالله

ليس لدى "حزب الله" ما يقدّمه للبنانيين سوى التصعيد ومن ثمّ لوم الأكثرية على ذلك. لماذا لا يغيّر ولو مرّة واحدة سلوكه ويمارس عملية نقد للذات ... أم أن نقد الذات يحتاج الى أحرار و"حزب الله" ليس حرّاً؟ من يريد حلاًّ في لبنان لا ينزل الى الشارع. من يريد حلاًّ لا يغلق الطرقات بالإطارات المحترقة. من يريد حلاًّ لا يعطّل الحياة وسط بيروت ويعتدي على أرزاق الناس ويقول بعد ذلك أنّه يقوم بعمل "حضاري". إذا كان هذا هو التحرّك "الحضاري" الذي يتحدّث عنه الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله، فما هو إذاً التحرّك غير الحضاري؟ هل ضروري نزول مقاتلي الحزب الى الشارع بسلاحهم كي يعترف الأمين العام بأن التصرّف لم يعد حضارياً؟ ثمة ما هو أسوأ من السلاح الظاهر. ثمة ما هو أسوأ من أي كلام عن السلاح واللجوء إليه. من يعمل كل شيء من أجل إثارة الغرائز الطائفية والمذهبية إنما يستخدم ما هو أسوأ من السلاح، إنّه يلجأ الى سلاح الفتنة لا أكثر ولا أقلّ... هذا بكلّ صراحة ذروة التصرف غير الحضاري.
يستخدم "حزب الله" في الوقت الحاضر سلاحه في وجه اللبنانيين. هذا ليس جديداً. كلّ ما فعله حتى الآن يصبّ في إبقاء لبنان "ساحة" يستخدمها المحور الإيراني ـ السوري لخدمة أهداف لا علاقة لها بلبنان بمقدار ما أنّ لها علاقة بمشاريع ومخططات خاصة به صبّت وتصبّ في المدى الطويل في خدمة إسرائيل. هل يستطيع "حزب الله" الذي لا يمكن لأيّ مواطن لبناني سوى الإعتراف بأن مجاهديه قاوموا الإسرائيليين ببسالة، خصوصاً في الصيف الماضي، أن يقول لنا ما الذي فعله من أجل لبنان ومن أجل الشيعة في لبنان في حال كان المطلوب الذهاب في الصراحة الى أبعد حدود؟
كلّ ما يمكن قوله أن "حزب الله" الذي يشكلّ حالياً ما يُسمَى "المعارضة الوطنية"، باعتبار أن الآخرين واجهات وأدوات ليس إلاّ، لم يفعل حتى الآن سوى خدمة النظامين الإيراني والسوري على حساب لبنان. ما قام به يصب في نهاية المطاف في خدمة إسرائيل من حيث يدري أو لا يدري. هل يستطيع الحزب أن ينكر أن طموح النظام السوري التوصّل الى صفقة مع إسرائيل، وأميركا إذا أمكن، تشمل لبنان؟ لو لم يكن الأمر كذلك، لماذا يتجاهل الحزب المقاوم أن جبهة الجولان صامتة منذ العام 1974، ولماذا يتجاهل العروض السورية الموجهة مباشرة الى الإسرائيليين من أجل العودة الى طاولة المفاوضات. ليس عيباً العودة الى طاولة المفاوضات، العيب كلّ العيب في أن يكون هناك حزب يعتبر نفسه لبنانياً يعطي أمينه العام شهادات في الوطنية لمن يشاء ويحجبها عمّن يشاء، يعمل على تسهيل المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، أو يسعى على الأصحّ الى تحسين الشروط السورية في مرحلة ما قبل المفاوضات. ليس هناك لبناني لديه بعض المنطق ضد المفاوضات، ولكن ليس هناك لبناني، يمتلك حدّاً ادنى من الوطنية، يقبل بأن تكون المفاوضات على حساب بلده وأن يسعي الى تحسين شروط النظام السوري على حساب بلده ومواطنيه.
ما يرتكبه "حزب الله" للأسف الشديد هو انقلاب على لبنان واللبنانيين من أجل تحسين الشروط السورية في المفاوضات مع إسرائيل من جهة ومن أجل خلق واقع جديد في لبنان من جهة أخرى. يتمثّل هذا الواقع في الإنقلاب على الصيغة الحالية وإيجاد حكومة تنقلب بدورها على المحكمة ذات الطابع الدولي التي يتوقع أن تنظر في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
يبدو واضحاً أن الحزب على استعداد للذهاب بعيداً في تصعيده بغية الحؤول دون قيام المحكمة ذات الطابع الدولي. وفي حال كان على المرء أن يكون أكثر دقة، توجّب عليه القول أن المطلوب سورياً التخلّص من الحكومة الحالية نظراً الى أنّها المرجعية الشرعية للمحكمة الدولية في لبنان. المطلوب بكلّ بساطة إلغاء الحكومة كي لا تكون مرجعية شرعية لبنانية للمحكمة. المطلوب إذاً إلغاء لبنان بأيّ ثمن كان. ولذلك ليس مستغرباً أن يكون "حزب الله" يفعل كلّ ما يستطيع من أجل الإنقلاب على حكومة فؤاد السنيورة، حتى لو كان ما يفعله يمكن أن يؤدي الى حرب أهلية ذات طابع مذهبي بين السنّة والشيعة. لو لم يكن الأمر كذلك، ما هو المبرر وراء إقامة تلك الخيم في وسط بيروت؟ هل من مبرر آخر غير إثارة السنّة؟ لو لم يكن الأمر كذلك لما كان حصل ذلك الهجوم البربري على حيّ طريق الجديدة الخميس الماضي بحجة أن هناك طلاّباً من الحزب وحركة "أمل" محتجزون من طلاّب تيّار المستقبل داخل حرم الجامعة العربية. لنفترض أن احتجاز الطلاّب المنتمين الى الحزب والحركة صحيح ألم يكن ممكناً إخراجهم من دون "غزوة" طريق الجديدة على غرار غزوة بيروت. ألم يكن ذلك ممكناً من دون إحراق سيارّات أهل الحيّ وكأنّ المطلوب إثارة كلّ أنواع الغرائز واكثرها بشاعة؟
في النهاية على "حزب الله" أن يقرر. هل يستطيع مراجعة تصرّفاته الشاذة في حق لبنان واللبنانيين أم أن مصالح ما يسميه السيد حسن نصرالله "الأمة" تقضي بالتضحية بلبنان وتحويل بيروت الى "بغداد الصغرى"، بغداد التي لا علاقة لها ببغداد الحقيقية الحضارية وتاريخ المدينة. من أجل من يفتعل "حزب الله" حرباً مذهبية وطائفية في لبنان؟ هل يمكن لهذه الحرب أن تخدم أي لبناني وأي شيعي لبناني في المدى البعيد؟ ألسنا جميعاً أقلّيات في لبنان؟ لماذا لا يطرح السيّد نصرالله على نفسه هذا السؤال؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف