جريدة الجرائد

التوتر الطائفي في باكستان بين الأسباب الداخلية والتأثير العراقي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

السبت 3 فبراير 2007


ديفيد مونتيرو

في مدينة "مولتان" البنجابية المليئة بالمزارات الدينية صلى الشيعة والسُّنة في الأسبوع الماضي جنباً إلى جنب بمناسبة احتفالات عاشوراء التي تعتبر لحظة مقدسة لدى المسلمين الشيعة في العالم والبالغ عددهم حوالى 150 مليون نسمة. لكن في إحدى المحافظات الباكستانية المجاورة قام انتحاريون بتفجير موكب شيعي في المنطقة المجاورة للحدود الشمالية الغربية لباكستان ما أدى إلى سقوط 21 قتيلاً و40 جريحاً في الهجوم، بمن فيهم منفذو العملية الانتحارية. وتأتي أعمال العنف الأخيرة التي تستهدف الأقلية الشيعية في باكستان لتسلط الضوء على المخاوف التي تشغل بال المسؤولين من احتمال تأثير الصراع الطائفي المتفشي في العراق على العلاقات بين السُّنة والشيعة في باكستان. وسواء أدى الصراع في العراق إلى تغذية التوتر الطائفي في باكستان، أم لم يؤدِّ، تثير المشاكل الطائفية التي تطفو على السطح بين الحين والآخر في باكستان العديد من التساؤلات حول العلاقات بين الطوائف في المنطقة.
وفي حالة باكستان تكتسي الإجابة عن تلك التساؤلات الملحة أهمية بالغة بالنظر إلى تواجد أقلية شيعية كبيرة في باكستان تصل إلى 30 مليون نسمة لتفوق بذلك الأغلبية الشيعية في العراق، فضلاً عما يشكله ذلك من تهديد على استقرار البلاد في حال تمدد الصراع الطائفي. وفي هذا الإطار يقول "فالي نصر"، مؤلف كتاب "انبعاث الشيعة: دراسة في الصراع السُّني الشيعي": "لا توجد في باكستان معركة شبيهة بتلك الجارية في العراق، لكنّ هناك عنفاً قد يؤجج الصراع"، مضيفاً "إننا سنشهد تفجيرات انتحارية مماثلة لتلك التي شهدناها في الأسبوع الماضي". وفيما يتعلق بانتشار المذهب الشيعي في باكستان يشير الدارسون إلى ظهوره أول ما ظهر في منطقة البنجاب، وتحديداً قبل مائتي عام. ومنذ ذلك الوقت وجد الشيعة الذين يشكلون 20% من نسبة الشعب الباكستاني أنفسهم في وضع صعب. وتشير التقديرات إلى أن عدد الذين لاقوا حتفهم جراء الصراع الطائفي على امتداد العقدين الماضيين قد وصل إلى أربعة آلاف شخص، حيث سقط 300 شخص خلال السنة الماضية فقط.
إلى ذلك شهدت مدينة "مولتان" في البنجاب أكبر الهجمات الطائفية عندما أدى تفجير سيارة مفخخة إلى قتل أكثر من أربعين شخصاً ينتمون إلى منظمة سُنية في 2004. وبعد التحقيقات وجه الاتهام إلى أحد المتطرفين الشيعة وصدر في حقه حكم بالإعدام. وتعكس الخلافات المستحكمة في "مولتان" تلك الفوارق القديمة في المنطقة العربية.
وفي هذا الإطار تساءل "جون برينكمان"، المحلل المختص في الشؤون الدولية بجامعة نيويورك "هل ستستخدم الأغلبية الشيعية الحاكمة في العراق سلطتها لكبح جماح المتشددين مثل مقتدى الصدر والسعي إلى التعايش بسلام مع السُّنة، أم أنها ستلجأ إلى سياسة الانتقام والسعي إلى فرض الهيمنة الطائفية؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ستساهم في رسم سياسات الحكومات، فضلاً عن الجماعات الشيعية في المنطقة". وفي المقابل هناك من يعارض هذا الرأي القائل بتأثير ما يجري في العراق على مستقبل العلاقات بين السُّنة والشيعة في باكستان، مقللين من أهمية ذلك على الشعب الباكستاني الذي يعاني من مشاكله الخاصة.
وتعضد هذا القول "سمينا أحمد"، مديرة مشروع جنوب آسيا في "المجموعة الدولية للأزمات" قائلة: "عندما تسأل الباكستانيين عن العراق، فإنهم لا يقولون لك هذا سُني، وذاك شيعي، بل يعتبرونهم عراقيين فقط". وقد ينطبق الشيء ذاته على الشيعة في مدينة "مولتان" الذين يشكلون 40% من سكانها البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة. فبجلوسهم معاً حول أطباق الطعام يؤكد السُّنة والشيعة في المدينة أنه لا خلافات تفرق بينهم، وأن القوى الخارجية سواء في باكستان، أم خارجها تسعى إلى زرع بذور الفرقة والشقاق بينهم. ومع ذلك يتخوف بعض المراقبين من أنه حتى بدون تأثير العراق ينطوي الوضع الطائفي في باكستان على هشاشة خاصة تعود إلى تمرد عناصر "طالبان" في بعض المناطق الباكستانية. وفي هذا الصدد يقول "فالي نصر": "إننا لا ننظر إلى "طالبان" من خلال تأثيرها المحتمل على العلاقة مع الشيعة، بل نحصر اهتمامنا في دورها ضمن السياسة الأفغانية الداخلية". وبالنسبة للبعض ساهمت الحرب التي تشنها "القاعدة" على الشيعة في تسعير التوتر بين الطائفتين في باكستان. فقد تحدثت الصحف الكبرى في افتتاحياتها، لاسيما بعد التفجير الانتحاري في الأسبوع الماضي، عن "موجة جديدة مناهضة للشيعة بسبب ما يقع في العراق". وهو ما حدا بالرئيس برويز مشرف إلى التحذير من التوتر الطائفي والدعوة إلى ضرورة تخفيف الاحتقان بين السُّنة والشيعة.
ورغم مشروعية المخاوف من تفاقم حدة التوتر الطائفي في باكستان، فإن العنف بين السُّنة والشيعة تراجع بشكل ملحوظ مقارنة مع السابق. ومهما كانت الأسباب التي تغذي الاحتقان الطائفي تأتي من العراق، أو لها جذور داخلية، يشدد المحللون على ضرورة انتباه الغرب لما يجري في المنطقة. وفي هذا الإطار تقول "كريستين فير"، وهي خبيرة في مكافحة الإرهاب بمؤسسة "الولايات المتحدة للسلام": "غالباً ما لا ينتبه الناس إلى الصراع الطائفي في تلك الدول، لأنه لا يستهدف الغرب". غير أن الخبراء مثل "كريستين" وغيرها يعتبرون أن الجماعات المتشددة تغير أهدافها بسرعة، فالتي كانت تهاجم أهدافاً محلية اليوم تتحول إلى مهاجمة المصالح الغربية في الغد. وهو الأمر الذي أكدته التحقيقات في شهر يناير الماضي عندما كشفت أن التفجير الانتحاري الذي أودى بحياة دبلوماسي أميركي في شهر مارس المنصرم نفذته إحدى الجماعات الطائفية المتشددة المرتبطة بتنظيم "القاعدة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف