جريدة الجرائد

بعد عام على انهيار الأسهم السعودية.. كيف تشكلت الفقاعة وكيف انهارت؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


الشرق الاوسط

قبل أن نعرف لماذا انهارت سوق الأسهم السعودية، علينا أن نعرف لماذا صعدت السوق أصلا؟ وكيف وصل المؤشر إلى مستوى 20 ألف نقطة؟ وللإجابة عن هذين التساؤلين لا بد أن نعرف أن السوق تنقسم إلى قسمين مهمين هما: أسهم صناديق البنوك، وأسهم محافظ المضاربين، فالأولى، هي الأسهم الاستثمارية وذات النمو والشركات الناجحة فقط. ومن المؤسف أن غالبية مشتركي الصناديق لا يعلمون كيفية عملها، فمعادلة عمل الصناديق مرتبطة بالمؤشر العام ارتباط كلي فالمؤشر العام للسوق يتكون من 23 في المائة من "سابك" و12 في المائة "الاتصالات السعودية" و7 في المائة من "الراجحي" ـ هذا النسب تقريبية. وعليه يكون تكوين أي محفظة بنسب هذه الشركات في المؤشر والتي تساوي 42 في المائة من قيمة الصندوق، وهذه النسبة لا يمكن لأي مدير صندوق المخاطرة بها، ربما أحيانا يضطر أن يزيد هذه النسب لأنه يعيش بسباق مع المؤشر العام. وتكمن احترافية مدير الصندوق في الـ58 في المائة المتبقية، فيقسمه على ما يراه مناسبا من الشركات الجيدة. لقد كانت قوة صناديق البنوك في ذلك الوقت 105 مليارات ريال (28 مليار دولار)، فتخيل نسبة 42 في المائة وهي تقريبا تعادل 45 مليار ريال على الأقل تضخ في شركات كـ"سابك" و"الراجحي" و"الاتصالات السعودية"، أليس هذا يكفي للوصول إلى 20 ألف نقطة؟ فليس أمامهم أسهم أو خيارات أخرى. ومع الأسف أن مؤسسة النقد سمحت بإنشاء صناديق مستمرة وهذا ساهم في ضخ سيولة أكثر وساهم في تكوين الفقاعة.

بالعودة إلى بداية تحرك شركة سابك، وهي عند مستوى 33 ريالا (8.8 دولار) تقريبا أو 150 ريالا قبل التجزئة والمنح وتحديداً قبل تصحيح مايو 2004، قرأ المستثمرون نتائج "سابك" عن طريق ارتفاع سعر النفط، وبديهياً سيصاحب ارتفاع أسعار الذهب الأسود ارتفاع في أسعار منتجات الشركة.

وفي عام 2004 بدأت "سابك" بإعلانات الأرباح التي توقعها المستثمرون الباحثون عن الفرص. لكن السؤال متى دخلت هذه الأموال إلى الشركة؟ بمتابعة ذلك يتضح أن الأموال دخلت في شهر مايو (أيار) عام 2003 تقريباً وانكشفت هذه السيولة في التاسع من يونيو (حزيران) عام 2003. ففي هذا اليوم تحديداً كان اكبر حجم تداول في تاريخ "سابك" حيث بلغ تقريبا 55 مليون سهم وسعرها 23 ريالا للسهم وكان ثاني اكبر حجم تداول بعدها بشهرين وتحديدا في 29 يوليو (تموز)، حيث بلغ حجم التداول 50 مليون سهم وتقريباً كان سعر "سابك" 34 ريالا، وثالث حجم كبير للتداول على أسهم الشركة كان41 مليون سهم. خلال هذا الشهرين شهدت "سابك" اكبر حركة تداول أسهم في تاريخها ومكررها 16 مرة. بعدها بفترة بسيطة حدث تصحيح مايو 2004، والذي تبعه بداية مشوار "سابك" في تسجيل الأسعار الجديدة، بسبب تمتعها بشروط الأمان للأموال، فهي تتميز بـ: نمو الأرباح + شركة مدعومة بسعر الغاز + مكرر منخفض + توسع + طلب عالمي + بداية معرفة الشعب السعودي بسوق الأسهم وكل ذلك يعادل 8500 نقطة قيمة المؤشر العادلة للسوق السعودية بمكرر 18 مرة وبالتالي يفترض أن السعر العادل لـ"سابك" هو 170 ريالا. وفي تلك الفترة كان الكثير يعاني من تصحيح سهم شركة الكهرباء السعودية كانت "سابك" تسجل كل يوم سعراً جديداً.

ولم يقف الملاك الذين يملكون أسهم الشركة وغيرها من الأسهم الجيدة موقف المتفرج على استثماراتهم، بل حدث تغير في القرارات التي من شأنها زيادة أرباحهم، فأفضل قرار هو استخدام قاعدة (المتاجرة بأموال الغير) وهي قاعدة مشهورة في علم الإدارة. فالذي يملك 100 مليون ريال قيمة أسهمه في "سابك" كمثال يستطيع أن يحصل على تسهيلات تزيد عن 300 في المائة من أي بنك بضمان أسهمه. علما أنه كانت هناك شركات في السوق السعودية لا تتجاوز قيمتها السوقية 70 مليون ريال، ومن هنا تتضح لنا الرؤية وهي أن الأسهم القيادية ترتفع بسبب انخفاض في مكرراتها. في المقابل بدأ تحرك أسهم المضاربة بفضل سيولة التسهيلات، وخصوصا أن ارتفاع "سابك" يساهم بارتفاع الأسهم الأخرى سواء كانت ذات عوائد أو أسهم خاسرة.

لكن إلى أين سيذهب المؤشر؟ هل سيقودنا نحو 8500 نقطة ثم نعود أو سنستمر؟ عند وصولنا إلى مستويات 8000 نقطة، خرجت لنا علامة جديدة تشير إلى مواصلة الصعود، لتأكد ذلك وهو اكتتاب شركة اتحاد اتصالات "موبايلي" حيث بلغ عدد المكتتبين ثلاثة ملايين مكتتب، وهؤلاء عرفوا الطريق إلى سوق الأسهم وسيضخون سيوله جديدة. إذاً مستويات 8000 نقطة ليست الهدف. أصبح الهدف ابعد من ذلك، ومع الارتفاع وزيادة حجم التداول ارتفعت أرباح القطاع البنكي، لكن هل عمولة التداول وحدها هي التي رفعت أرباح البنوك؟ بالطبع لا، هناك عناصر أخرى أهم من العمولة وهي القروض الشخصية التي كانت أحد مصادر الأرباح. إضافة لهذا أن هذه القروض ستضخ بالسوق حيث بلغت القروض الشخصية 168 مليار ريال (44.8 مليار دولار) تقريبا.

ونلتمس أن مشوار المؤشر وأهدافه ابعد من مستوى 10 آلاف نقطة، وكان التحول الجذري الذي حدث في السوق السعودية هو 8 ملايين مكتتب في بنك البلاد أي أكثر من نصف سكان المملكة من المواطنين، فأصبحت مستويات ما فوق 15 ألف نقطة هي طموح الثمانية ملايين مكتتب.

من هنا بدأت الأموال الذكية بالخروج بعد مستويات 16 ألف نقطة. قد تكون الأموال التي دخلت "سابك" عند مستويات 23 و30 ريالا لم تخرج، فيمكن أنهم أحسنوا اختيار وقت الدخول ولم يحسنوا وقت الخروج أو أنهم اقتنعوا بالعائد الاستثماري وخصوصا إذا كان سعر الشراء 25 ريالا والآن عائد السهم تقريبا 8 ريالات.

ويتضح أن الطريق إلى 20 ألف نقطة ممهد فكل الشروط متوفرة وأولها وجود 8 ملايين مكتتب في شركة واحدة، وثانيهما ارتفاع أرباح القطاع البنكي بسب القروض وحجم التداول. إضافة إلى ذلك بروز محللي الطفرة الذين كانت تحليلاتهم تستند إلى أن الاقتصاد قوي مرجعين توقعاتهم في الدرجة الأولى إلى أن سعر البترول مرتفع، متجاهلين أهم قواعد ومعادلات الأسواق وهي المكررات الحالية والمستقبلية + القيمة الدفترية + صافي التدفقات النقدية المستقبلية ونسبة النمو في الاقتصاد. وكانوا يتبنون قاعدة "المستثمر لا خوف عليه وخروج للمضارب" بينما أن العكس صحيح فالمضارب "لا خوف عليه والمستثمر خروج"، كذلك سيطرة قاعدة لا للبيع بخسارة. للأسف البعض وقع ضحية الأمل. كيف حدث الانهيار؟ في عالم أسواق المال هناك قاعدة تشير إلى أن الانهيار يحدث عندما يدخل الجميع إلى سوق المال، وخير مثال على ذلك، قصة مستثمر أميركي من عائلة كيندي عندما قصد ماسح الأحذية ليمسح حذاءه فأكتشف أن العامل البسيط هو احد المتعاملين بالسوق، لذا ذهب مسرعاً وباع كل ما يملك ونجا من الانهيار، لنطبق هذه القصة على السوق السعودية هل جميع فئات المجتمع في الداخل؟

من وجهة نظري نعم. فبالعودة إلى اكتتاب أسهم شركة اتحاد اتصالات سنجد أن عدد المكتتبين وصل تقريباً إلى 3 ملايين مكتتب، ثم قفز في اكتتاب بنك البلاد إلى 8 ملايين مكتتب وكانت وقتها قيم أسهم المضاربة تتراوح بين 20 إلى 26 ريالا، ومن هنا ابتدأ المشوار إلى المجهول الذي لم يكن احد منا يستطيع أن يعرف أين ستكون نهايته؟ في اكتتاب شركة ينساب بلغ عدد المكتتبين فيها أكثر من 9 ملايين مكتتب. من هنا نلتمس أن حقل تدفق السيول للسوق قد توقف. فالجميع بداخل السوق ومصيدة الانهيار قريبة فشروطها متوفرة فمكررات السوق مرتفعة والجميع داخل السوق وارتفاع سهم مؤثر بالمؤشر وهو لـ"كهرباء السعودية" بطريقة الخطف. وليس ارتفاع تدريجي بالإضافة إلى تحذير بيوت الاستثمار العالمية من السوق السعودية. من هنا ندرك أننا قريبين من القمة القصوى للسوق وكنا عندها قريبين من 19 ألف نقطة بعدها ظهرت أول علامات التصحيح وهي نزول ثلاث شركات 5 في المائة.

كان سيناريو فبراير 2006، شبيه جدا بـ(مايو) 2004 لكن الفرق بينهم هو أن الأخير كان بمكررات منخفضة والدليل "سابك" والشركات الممتازة لم تصحح كثيرا. لكن انهيار فبراير كان يختلف عن تصحيح مايو بارتفاع مكررات الشركات سواء كانت قيادية أو مضاربة.

نعم قضينا على السوق المالية بتهورنا واستعجالنا بالارتفاع ولو السوق ارتفع بتدريج وعقلانية، كان بالإمكان تحقيق أرباح معقولة دائمة وبنفس الوقت الاستمرار في تأسيس شركات جديدة تدعم الاقتصاد. الآن بدأ النزول وبدأ الوجه الآخر للسوق وهو وجه المسار الهابط وبدأت تخرج علامات الانهيار بكل وضوح، لكن كان الجميع ينظر إلى ما يحدث بأنه تصحيح والسبب هو أن كثيرا من المتداولين ليست لهم تجربة سابقة بالانهيار، فأي شخص له تجربه سابقة في أي سوق كان سيعرف أن مصير السوق إلى أكثر مما يتوقعه المتداولون. لكن مع ذلك كان الكثير يعول على مستوى 17.1 ألف نقطة تقريبا بأنها هي نقطة الارتداد وهي تمثل متوسط 100 يوم التي لم تكسر خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن كسرها كان واضحا.

فلو نظرنا إلى جميع الأسواق المالية على مستوى العالم سنجد أننا ما زلنا نتربع على قمة أعلى مكرر ربحي بين الأسواق. كذلك يتضح كما أشرنا في البداية إلى أن مخزون السيولة قد نضب، فمن هنا بدأ اكبر تهديد للسوق يظهر وهو بيع التسهيلات التي كانت تضغط على الأسهم القيادية. وكذلك بمراجعة حجم السيولة في الصناديق الاستثمارية التابعة للبنوك في تلك الفترة نجد أنها لا تستطيع أن تقف أمام إحجام وكميات الأسهم المعروضة أمامها، ومن وجه آخر السيولة التي خارج السوق لن تدخل والسبب يعود إلى أن المكررات غير مشجعة، فلا تزال مرتفعة مقارنة بالأسواق الأخرى. من هنا بدأت المحاولات من السلطة التشريعية في تفعيل بعض القرارات مثل التجزئة لإنقاذ مدخرات المواطنين، لكن تظل الأسواق اقوى من الجميع وخصوصاً أن كثيرا من المتداولين بدأت تتغير قناعاتهم، ففي السابق كانت من أكثر القناعات هي عدم البيع بخسارة.

وبدأ الكثير يؤمنون بأن السوق ليس للاستثمار وإنه للمضاربة فقط، نعم نستطيع أن نتبنى هذا الكلام، لكن ليس في كل وقت، فيجب علينا تطبيق معادلة الاستثمار لكي نحكم هل السوق للاستثمار أم لا. فبعد تغير في قناعات المتداولين أصبح اكبر ضغط على السوق هو الصناديق الاستثمارية التابعة للبنوك، وبالتالي انعكست على محافظ البنوك فأصبح الاتجاه السلبي للمؤشر بسبب طلب عملاء الصناديق بتسييل وحداتهم، فأصبحت الأسهم القيادية التي تسيطر عليها الصناديق تضغط على المؤشر العام.

ومن اكبر العوامل التي ساهمت بتردي أوضاع السوق والأسهم القيادية والجيدة هي أسهم المضاربة أو شركات ذات رأس المال الصغير. حيث لجأ بعض المضاربين لها بحثاً عن تعويض خسائر انهيار فبراير، فكانت هي أفضل وسيله وخصوصا أن السيولة التي يمتلكونها لرفع هذه الأسهم ليس بالكثيرة. فعلى سبيل المثال سهم شركة بيشة الزراعية، إذ يبلغ عدد الأسهم المصدرة 5 ملايين سهم وفي الانهيار وصل السعر إلى 92 ريالا، فبالتالي تصبح قيمة الشركة بالكامل 500 مليون ريال، أي يتم رفع سعر الشركة 100 في المائة إلى 220 ريالا وتحقيق هامش ربح من 50 في المائة إلى 60 في المائة بكل سهولة وتعويض جزء من الخسائر. ونستطيع أن نقيس على هذا المثال على باقي أسهم المضاربة من "الأسماك" و"الباحة" وغيرها من ذوات رؤوس الأموال الصغيرة والتي تتميز بعدم وجود مستثمرين أو صناديق البنوك.

ومن هنا يتضح أثر هذه المضاربات على الأسهم القيادية، فكثير من متداولي الأسهم القيادية وعملاء محافظ البنوك يحققون خسائر بينما أسهم المضاربة تحقق ارتفاعات فازدادت قوى البيع على الأسهم القيادية ولتتحول هذه السيولة إلى أسهم المضاربة. فأصبح التداول في سوق الأسهم فردي عشوائي وكذلك الترويج من مضاربي هذا الأسهم بأنها هي أسرع وسيلة للتعويض. نعم فعلا هذه الأسهم حققت ارتفعات، لكن كم عدد المستفدين منها هم في الحقيقة مجموعة قليلة والمتضررون هم الأغلبية.

ومن كل ذلك يتضح أن أسباب أنهيار سوق الأسهم السعودية تعود لأسباب من بينها: أن اغلب المتداولين تزيد نسبتهم عن 80 في المائة، وبالتالي فالقرارات في البيع والشراء تعتبر عشوائية، لعدم اهتمام المتداولين بعوائد الشركات والتي تبلغ بمجملها نحو77 مليار ريال (20.5 مليار دولار) وتوزيعاتها التي تزيد على 35 مليار ريال (9.3 مليار دولار). ومن الأسباب التي أدت إلى انهيار السوق، ضعف الثقافة الاستثمارية لدى المتعاملين، وهي التي قادت المؤشر إلى 20 ألف نقطة وأنزلته إلى مستويات 6000 نقطة، وضعف القوانين التنظيمية للسوق خلال الفترة الماضية وابتعاد الموجهين الحقيقيين للسوق والمتمثلين في مؤسسة النقد، ويتجلى ذلك بالتقرير السنوي الـ42، صفحة 124. حيث ذكر أن ثالث قيمة تداول في السوق السعودية هي لشركة جرير بمبلغ 185.6 مليار ريال، بينما كان متوسط قيمة تداولات هذه الشركة 7 مليارات ريال لنفس السنة. لكن هذا خطأ في التقرير وهذا دليل بعدهم عن تحركات السوق وتطوراته!.

الخلاصة أن سنة 2005 كانت غير منطقية في ارتفاعاتها، وسنة 2006 غير منطقية في انخفاضاتها، لكن سنة 2007 هي سنة التوازن بإذن الله. فلا يوجد سوق في العالم ذو مسار هابط مستمر، فكل الأسواق على المدى البعيد ذات مسارات صاعدة، وحسب تحليل الفترات الزمنية للانهيارات التي مرت بها الأسواق الأخرى يكون عمر الانهيار من 8 أشهر إلى 14 شهرا، وأن نقطة الارتداد لهذا الانهيار ستكون نقطة تاريخية لن نشاهدها غير مرة واحدة. إن الاستثمار هو ركيزة الأسواق المالية، فعلى سبيل المثال من اكتتب بـ100 سهم في مجموعة سامبا المالية بقيمة 10 ريالات يملك الآن أكثر من 6000 سهم بقيمة 122 ريالا وينطبق هذا المثال على "سابك" ومصرف الراجحي و"صافولا" و"سافكو" وغيرها من شركات السوق القوية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف