ما الذي تريده حماس فعلا؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
بول ديلموت - لوموند
يثير فشل تشكيل حكومة وحدة فلسطينية مرة اخرى السؤال عن السبب الذي يدفع بحركة حماس الى الاصرار على عدم الاعتراف رسميا وصراحة بإسرائيل، بالرغم من الضغط الكبير الذي يمارس عليها محليا وخارجيا على حد سواء. والجواب الأول، والذي نادرا ما يناقش، هو ان حماس مقتنعة بأن ذلك الاعتراف سيكون تنازلا لا طائل تحته.
ولعل حماس لم تغفل حقيقة ان المجموعة الدولية ضغطت لعقود على منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، وكلتاهما علمانيتان، من اجل تقديم نفس التنازل؛ وانهما لم تحظيا بأي شيء في المقابل، لا بدولة فلسطينية ولا عاصمة في القدس الشرقية. والاسوأ من ذلك ان اسرائيل لم تقبل أي اعتراف بالمسؤولية عن هجرة الفلسطينيين بين 1947 - 1949، كما انها لم تعترف بحق العودة (او الاهلية للتعويض) لحوالي خمسة ملايين لاجئ.
في آذار - مارس 2006، أعلن ايهود اولمرت رئيس الوزراء الاسرائيلي برنامجا احادي الجانب للانسحاب من الاراضي المحتلة، والذي نص على نية اسرائيل الاحتفاظ بنسبة 36,5% من الضفة أراضي الغربية، ولم يشمل البرنامج القدس الشرقية ووادي الاردن اللذين تبلغ مساحتهما ما نسبته 22% من أراضي فلسطين ما بعد عام 1949، والتي كان ياسر عرفات يأمل في إقامة دولة فلسطينية عليها. وتبدو حماس الآن وأنها اتخذت قررا بالالتزام بموقف منظمة التحرير الفلسطينية الذي كانت المنظمة تدافع عنه في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، جاعلة مسألة الاعتراف باسرائيل كاحتياطي على الرف، غير مغفلة إصدار سلسلة من البيانات المقتضبة التي تعكس الإقرار بالامر الواقع لوجود إسرائيل.
ويعزو العديد من المعلقين موقف حماس الراديكالي الى نظرتها الاسلامية العالمية. وكما اشار الباحثان برونو غويغ وخالد الحروب في كثير من الأحيان، فإن هذا التحليل لسياسة حماس يستند فقط إلى ميثاقها الذي نشر في آب - اغسطس من عام 1988.
حلل الحروب وبشكل مفصل ثلاث وثائق رئيسية نشرتها حماس منذ اعلانها ميثاقها، وهي: بيانها الانتخابي في خريف عام 2005 الذي كان تحت عنوان التغيير والاصلاح، ومسودة برنامجها في آذار -مارس 2006 لحكومة الوحدة الوطنية، وبرنامج الحكومة الذي طرحه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية امام البرلمان الجديد في السابع والعشرين من آذار - مارس 2006. ويشير الحروب الى ان حركة حماس باتت الآن تنظيما مختلفا عن ذاك الذي اخذ شكله عند اندلاع الانتفاضة الاولى في كانون الاول - ديسمبر1987.
اهتمامات ديمقراطية
طبقا للحروب، تدّعي حماس تدعي الآن بأنها مهتمة بمسألة الحريات السياسية: حرية التعبير والصحافة والنقابات والتعددية وفصل السلطات وعملية انتخابية مناسبة. وهي ترى ايضا بناء مجتمع مدني لائق، والرفع من سوية حقوق الأقلية. وبين الوثيقتين الاولى والثالثة، فإن عدد المراجع الدينية يقل فيما تختفي افكار الكفاح المسلح تماما تقريبا لإفساح المجال امام قضايا الحكم والاصلاح المدني. كما ان هناك تغيرا ملحوظا باتجاه حل "دولتين للشعبين"، كما وفي موقف حماس من الاتفاقيات الدولية حول فلسطين.
لم تنشر وسائل الاعلام الغربية، شأنها شأن الهيئات الحكومية، أيا من هذه الوثائق. ويلاحظ الحروب انه من بين الثلاثة عشر بنداً التي يضمها البيان الذي يعالج السياسة التشريعية والقضائية، فإن البند الاول الذي ينص على وجوب أن تكون الشريعة الاسلامية المصدر الرئيس للتشريع هو وحده الذي استرعى الانتباه العام لانه ولد مخاوف من قيام مجتمع اسلامي. اما البنود الاثنا عشر الاخرى التي لا تأتي على ذكر الاسلام، فقد مرت دون ان تلاحظ.
اما غويغ فيكتب قائلا "حول موضوع جوهري مثل الوضع الاسلامي لفلسطين، فإن من المثير للدهشة ان البرنامج الانتخابي (لحماس) يمر مروراً عابراً بالتراث القرآني دون أن يثير ذلك تأملاً في الموضوع"، ويجد غويغ ايضا ان من المهم لو ان البرنامج اشار الى قرارات الامم المتحدة عند ادانته للاحتلال الاسرائيلي غير المشروع. وهو يقول إن هذا لا يعني ان حماس مستعدة رسميا للاعتراف بدولة اسرائيل، وهو مطلب يتجلى بدوره في عدة قرارات صادرة عن الامم المتحدة، لكن المطالب الصريحة بالانصياع للقانون الدولي "ستقود ان اجلا او عاجلا للقبول بكافة التبعات (ذات الصلة)".
اما بالنسبة لبرنامج حكومة الوحدة الوطنية، فإن مقدمته تشدد على الحاجة الى الحفاظ على اساسيات وطنية غير قابلة للتفاوض عليها، وهي وضع حد للاحتلال، وحق العودة، وحق المقاومة في كافة اشكالها، وانشاء دولة فلسطينية مستقلة تكون القدس عاصمتها وتتمتع بالسيادة التامة، بالاضافة الى رفض الحلول الجزئية.
ولو وضعنا جانبا حقيقة ان هذه الاولويات تظل مشتركة لدى كافة التنظيمات الفلسطينية، بما فيها تلك التي يبدو المجتمع الدولي مستعداً للاعتراف بها، فإن العديد من العبارات في البرنامج تعكس جهود حماس لإفساح مجال امام الاستجابة للمطالب الدولية، حتى لو أنها تقصر عن الوفاء بكافة متطلباتها.
فلسطين مكبوتة
يجب ان يثير الصمت الذي قابل النصوص التي نشرتها حماس أسئلة إزاء المجموعة الدولية والاتحاد الاوروبي. ذلك أن الهوس بالميول الاسلامية لحماس لم يكن المبرر الوحيد للقرار القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على الفلسطينيين، إلا إذا نبذوا، من جانب واحد، دورهم في العنف واعترفوا رسميا باسرائيل (دون طلب اي بادرة حسن نية من جانب اسرائيل)، لكنه جعل من الاسهل اقناع الرأي العام بالحاجة لفرض عقوبات.
لقد كان المعلقون في الولايات المتحدة وأوروبا سريعين في ادانة التعليقات المثيرة للصدمة التي ادلى بها الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد عن اسرائيل والهولوكوست منذ تشرين الاول - اكتوبر2005، لكن ردهم السريع حول الانتباه عن الاستقبال الايجابي الذي حظيت به ملاحظاته في الشرق الاوسط، بل وأبعد. إن ما اعلنه احمدي نجاد صراحة في هذه الملاحظات (أو هكذا فهمت على الاقل فهمت من قبل البعض من جمهوره العربي والاسلامي) هو ان الاعتراف بالهولوكوست أو نكرانها يظل اقل اهمية من فكرة ان الغرب ما يزال، بعد 60 سنة من المذبحة النازية، يستخدمها، إلى جانب الحركة الصهيونية، لتبرير مصير الفلسطينيين العرب.
قبل عدة سنوات حدد المؤرخ الاسرائيلي دان دينز ثلاث درجات لشرعية اسرائيل خصص لها درجات من العالمية. فصنف "الشرعية الصهيونية" على أنها أحادية لأنها صالحة لليهود فقط على اساس أنهم شعب الله المختار. كما انه اعترف بأن "الشرعية اليهودية" المتجذرة في رعب الهولوكوست كانت عالمية جزئياً. ثم صنف "الشرعية الإسرائيلية" على انها عالمية لأنها استندت، طبقا له، الى حق اسرائيل غير القابل للنقض في الوجود لأنها موجودة اصلا.
إننا ربما نعترف بهذه الشرعية الاسرائيلية ونستنتج، كما فعل ماكسايم رودينسون، أن "الحقوق المكتسبة من الاستخدام الجيد للارض، من العمل المنجز ومن التضحية الشخصية هي الحقوق الوحيدة التي يمكن الاستشهاد بها". وفي هذه الحالة، فإننا قد نتساءل: لماذا لا يتاح للفلسطينيين أن يتمتعوا بهذه الحقوق؟
الاعتراف: طريق ذو اتجاهين
يبدو من المرجح أن يتم الاعتراف بشرعية إسرائيل، خاصة في العالم العربي والاسلامي في حال ربطت على نحو لا ينفصم بالشرعية العالمية لفلسطين. ففي القرار الخاص بتقسيم فلسطين الصادر عن الامم المتحدة والذي يحمل الرقم 181 والصادر في 29 تشرين الثاني - نوفمبر عام 1947، وعندما كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، اعترفت الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة بشكل مشترك بشرعية وجود دولتين مستقلتين.
وقد يكون من المفيد تذكر الشرعية التي منحتها الامم المتحدة لإسرائيل. ويبدو في الغضون ان المجتمع الدولي يعاني نوعاً من فقدان الذاكرة عندما يطالب حماس بان تعترف باسرائيل دون شروط. ولم يعد هناك أية أسئلة تطرح في الامم المتحدة حول الـ44% من الاراضي التي شملها الانتداب، والتي عرضت لتكون الدولة العربية في فلسطين بموجب القرار 181، كما لم يعد هناك أي ذكر للقرار رقم 194 الذي يتعلق بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض.
من خلال إلزام نفسه بهذا الحذف وتبنيه اعتراف الامر الواقع بإسرائيل، فإن الاتحاد الاوروبي يحفر ليضع نفسه أعمق في الحفرة، اذ سيكون غير قادر وخلال وقت قريب على وضع إطار لاستراتيجية شمولية مدعومة باقتراحات سياسية بهدف اقناع الفلسطينيين والعرب والمسلمين بأن الغرب قرر أخيرا وضع حد للمعايير المزدوجة.
ذات مرة تندر الصحافي الاسرائيلي عاميرا حاس بقوله إن متطرفي حماس يعتقدون بأن الله سيعيد فلسطين للعالم العربي والاسلامي في غضون 50 سنة، بينما يعتقد أخوتهم الاكثر اعتدالا ان المسألة ستستغرق خمسة قرون. وفي عام 1995، كان الشيخ أحمد ياسين مؤسس حماس قد عرض على اسرائيل هدنة طويلة الامد في مقابل دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وفي عام 2004 اضاف انه اذا ما تم تحقيق ذلك، فإنه سيترك أمر باقي الاراضي المحتلة للتاريخ.
ومنذ ذلك الحين، كرر قادة حماس طرح هذا العرض، وتجب اتاحة المجال امام مثل هذه التصريحات. وتبدو أن مثل هذه العبارات تؤكد وجهة نظر غويغ من ان حماس قد وصلت الى أن "تقبل تكتيكياً بحصة من فلسطين على اساس الحدود التي كانت قائمة قبل حرب عام 1967".
لقد استغرق الامر فتح عشرين سنة لتجعل من هذا القبول رسميا. ولعل افتقار اوروبا الى الشجاعة السياسية منذ ان قدمت حماس هذه التنازلات لاول مرة يتحمل جزءاً من اللوم للتسبب في انهيار المفاوضات اللاحقة. وعلى ضوء موقف اسرائيل المتعنت والتوتر الذي يزداد سوءا في الشرق الاوسط، فإن من الضروري والملح ان يتصرف المجتمع الدولي ويعمل باتجاه التوصل الى حل يستند الى اعتراف حماس بإسرائيل كأمر واقع.