إعلام أم مونولوج؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الثلاثاء 6 فبراير 2007
خيري منصور
طالب يعقوب شاحام مدير هيئة التلفزيون في الكيان بإجراء تحقيق مع وسائل الإعلام، وهو بالطبع واحد من ممثليها، كان ذلك بسبب ما رصده من أخطاء بعضها كان جذرياً في التعامل مع الحملة الصهيونية على لبنان خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، وقد تكون هذه الخطوة استباقية من إعلامي يشعر بالتقصير، بحيث تتحول الى مصادرة كل المطلوب كما يقول أهل المنطق في زمن لا منطق فيه.
أهم ما جاء في مقالة شاحوم هو استشاده بإحدى مسرحيات نورمان ميلر، حيث تقول احدى الشخصيات ان أفضل تعريف للإعلام هو الشعب الذي يثرثر مع نفسه، وحقيقة الأمر ان هذا الاستشهاد بمقولة ميلر كان سيكون أشد وقعاً لو التأم في سياق آخر، عديم الصلة بالإعلام الصهيوني ومؤسساته، ذلك لسببين على الأقل، أحدهما ان الإعلام الصهيوني وما يتحالف معه من إعلام مُتصهين ومدفوع الأجر، قرر منذ اللحظة الأولى أن يحذف التاريخ الحي لصالح الأسطورة المجففة، والتي لا تحمل أي إيحاءات يمكن لها أن تكتسب بعداً إنسانياً، وكان رهان هذا الإعلام الأول مستعاراً من الشعار الجوبلزي الشهير وهو ldquo;اكذب.. اكذب حتى يصدقك الآخرون، وواصل المزيد من الكذب كي تصدق نفسكrdquo;.
ويبدو ان اللحظات الوحيدة التي تجرح مصداقية هذا الإعلام هي المتعلقة بأي انكسار يطرأ عى سايكولوجيا الظفر الكامل، فالإعلام الصهيوني أبهظ اليهود لا في فلسطين وحدها بل على امتداد العالم بأن دولتهم وجيشهم محصنان ومعصومان ضد الخدش، لهذا تحولت دولة برمتها، وبكل ما تعج به من ثكنات وأسلحة تدمير موضعي وشامل إلى ما يشبه بيضة الدجاجة، بحيث لا يمكن لها أن تخدش دون أن تسيل، فهي إما سليمة أو مكسورة، وذلك بحد ذاته رهان أسطوري، لأن التاريخ لا يعرف مثل هذه الثنائيات الحاسمة، وله بعد ثالث لا تستطيع أي فلسفة ترتكز الى الخرافة أن تصل اليه.
ونعود الى نورمان ميلر وتعريفه الإعلام بأنه مونولج طويل بين شعب ونفسه، ولا بد أن ميلر قد توصل الى هذا التعريف بعد قراءات عديدة لمناهج الإعلام الشمولي الذي لا يعترف بالخطأ، بل يتغذى منه.
ومن يتذكرون مقولات جدانوف الرقيب الستاليني الصارم، ومثيله النازي ldquo;جوبلزrdquo; لا بد أنهم يشعرون بأن تلك المقولات هاجرت من سياق تاريخي ونطاق جغرافي الى سياق ونطاق مغايرين.
فمن كانوا يعتقدون أنهم منبوذون، وعاشوا رغماً عن التاريخ وليس بفضله، وجدوا لمجرد أن استوطنوا أرض الآخرين واستولوا عليها بالقوة أن عليهم نبذ السكان الأصليين، إن لم يكن من المتاح إبادتهم.
إن أحد قادة المؤسسات الإعلامية في الدولة العبرية يسعى إلى نقد ذاتي، يتخيل من خلاله أنه يبرئ نفسه، وحقيقة الأمر ان الإعلام الصهيوني ليس بحاجة إلى خدش تحدثه حرب كي يكتشف هشاشة أطروحاته، فالتاريخ اختبره منذ خمسين عاماً، وكان بالفعل كما يقول نورمان ميلر مونولوجاً لا آخر له بين الغازي ونفسه.