جريدة الجرائد

انطباعات عمدة لندن عن منتدى دافوس الأخير

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

دافوس 2007 : أسبوع حافل بالدروس


كين ليفنغستون - الغارديان

يعد دافوس من اهم المنتديات الاقتصادية في العالم. وهناك في لندن حوالي 700.000 شخص ممن يعملون مستخدمين لدى شركات اجنبية او في قطاع السياحة. ومهمتي، كعمدة، هي تأمين دخول للندنيين. وفي اقتصاد يتحول بشكل متسارع إلى الصبغة التدويلية، فإن عددا متزايدا من هؤلاء سيعتمد على الشركات الاجنبية والسياحة والاتجار. وقد توفرت لي الفرصة في دافوس لتوضيح مزايا لندن، والعمل على استغلال كل فرصة. وفي الحقيقة، كان نجاح لندن في مقابل نيويورك نقطة الحديث المهمة خلال الأسبوع الذي انعقد فيه المؤتمر. ولكن، وإلى جانب دوري في الترويج للندن، ماذا كانت اكبر الدروس التي انطوى عليها هذا الأسبوع؟

كان الدرس الاول من دافوس حول كم كانت سياسات ادارة بوش مدمرة، ليس للعالم وحسب، وانما ايضا للولايات المتحدة نفسها. ذلك أن وظيفة واحدة من اصل ثلاثة وظائف تقريباً مما يشغلها اللندنيون الذين يبلغ تعدادهم 1.4 مليون موظف هي في حقل الخدمات المالية والتجارية. وهي تزدهر في جزء كبير منها لان لندن اخذت تحل محل نيويورك كمركز دولي رئيسي للاقتصادات المتنامية بتسارع في كل من الصين وروسيا والهند. ولا تحتفظ نيويورك بريادة لا يمكن تحديها بشكل جوهري سوى في اميركا اللاتينية.

لقد اوضحت مباحثات دافوس ان الاتجاهات الجديدة في اميركا اللاتينية ستكسر احتكار نيويوك، حتى هناك. فالجيل الجيد من حكومات اميركا اللاتينية والذي تمثل في دافوس برئيس البرازيل "لولا" لا يعير بالا للنقاشات غير الضرورية مع الولايات المتحدة، حيث تعمل هذه النقاشات على صرف انتباههم عن الاولوية المتمثلة بتطوير بلدانهم الخاصة. لكنهم لن يقبلوا وضع كل بيضهم في سلة نيويورك بينما يواجهون بسلوك الولايات المتحدة احادي الجانب.

وبينما تحاول ادارة بوش بسط نفوذ القانون الاميركي المقرون بمطالب تنظيمية مفرطة في الصرامة - والمتمثلة في قانون ساربانيس - اوكسلي، فإنها تضرب الشركات الاجنبية. كما أن التوازن المتغير للقوة الاقتصادية العالمية يعني ان باقي العالم بات غير مجبر على الخضوع لذلك.

لقد عزز منتدى دافوس وجهة النظر القائلة بأن اميركا اللاتينية ستحذو حذو الاقتصادات الناجحة الاخرى، وتقوم بنقل مواردها الى خارج نيويورك، وبنفس الطريقة التي تعمل فيها الدول الخليجية الرائدة، ممتطية الثروة الناجمة عن انفجار سعر النفط، على تحويل نشاطها الى لندن، لانها تشعر بالامتعاض من الجيشان المعادي للاسلام والنزعة الحمائية اللذين يأتيان من جانب الجناح اليميني الاميركي.

أما اذا كانت لندن ستستمر في الافادة من كل هذا كما نحن عليه راهنا، فذلك أمر يعود إلينا. لكن الانتقال الاقتصادي بعيداً عن الولايات المتحدة لا يمكن إيقافه، حيث أصبحت الكارثة العسكرية في العراق إلى جانب الانحدار الاقتصادي النسبي لنيويورك وجهان للعملة "البوشية" ذاتها (نسبة إلى بوش).

اما الدرس الرئيسي الثاني الذي تعلمته من دافوس، فهو الطريقة التي تنقاد بها التكنولوجيات لإرادة الرغبة في توسيع أطار الخيار الشخصي. ويتمثل أكثر اعتقاداتي عمقاً في أن كل الأشخاص على الكوكب متساوون في قيمتهم ومختلفون في شخصياتهم. وهم يريدون أن يعيشوا حيواتهم الخاصة بطريقتهم الشخصية الخاصة. وانا شخص ليبرالي كلاسيكي فيما يتعلق بهذا الموضوع- حيث أعتنق تماما بصيغة جون ستيورات مل القائلة بأنك ينبغي ان تكون قادرا على فعل اي شيء تريده طالما كان ذلك لا يتعارض مع الآخرين.

لكنني اشتراكي لأنني أعرف أنه من دون الهروب من الفقر، ومن دون توفير رعاية صحية وتعليم واسكان والعديد من الاشياء الاخرى، فإن "حرية الاختيار" تظلا شعاراً أجوف. إن عالم المستقبل سيكون اكثر تنوعا بما لا يقاس، مع خيار شخصي أكبر، مقارنة مع العالم الماثل اليوم. ويجري الدفع بالتكنولوجيا الجديدة قدماً بشكل مطرد لانها تضع الأسس لتوسيع ذلك الخيار الشخصي.

إن اول المؤشرات الى ذلك قد باتت موجودة اصلا على الانترنت: المداخلة الألكترونية ومواقع "ماي سبيس" و"آي بود". لكن ما كان مثيراً لي في دافوس كان كيفية تطبيق التكنولوجيا الجديدة على قطاعات النقل والاسكان والبيئة. وثمة الكثير لتغذية الفكر إزاء لندن هناك.

كانت هذه، بالطبع، هي دافوس، حيث صعد موضوع التغير المناخي ليحتل رأس الاجندة. حيث حدث في الاشهر الاثني عشر الماضية تحول مزلزل في الكيفية التي يفكر بها العالم إزاء تغير المناخ. ولقد عقدت جلسة ارتعدت فيها فرائص اصحاب الملايين ورؤساء الشركات واهتزت اركانهم وعراهم الاضطراب عندما جرى بحث بنود "كيوتو" وموضوع انبعاثات الكربون، كما لو كان ذلك اجتماعاً للجناح اليساري. وكان ذلك مشهدا لن انساه ما حييت. ان إلحاح مسألة البيئة الخاصة بتغير المناخ قد بات الآن كبيراً جدا بحيث لم يعد كافياً أن نتحدث عن "مدينة العالم". وقد بات من الضروري ان نتحدث الآن عن "مدينة الكوكب"، مضيفين العامل البيئي الملح إلى قائمة العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المشمولة بفكرة التدويل.

ولكن، ماذا كانت نقطة ضعف دافس الكبيرة؟ الفقر.. حيث الفقر المدقع يحيق بالجزء الاكبر من سكان العالم ويعكر حيوات العديدين، حتى في البلدان الاكثر تقدما اقتصاديا لم يكن له أي صدى في دافوس. لكنني لم اتوقع له أن يكون يكون له صدى، فقد جئت الى دافوس لاسباب مختلفة.

انني اختلف عن بعض اصدقائي في اليسار في أنني أتوقع للرحلة الى تحقيق نوع المجتمع الذي اريد أن تستغرق الكثير والكثير من العقود. إن علينا اولا ان نحل العديد من المشكلات قبل ان نصل الى هناك، نحو البت في مسألة الفقر والتعليم والصحة والضرر البيئي الذي يتسبب به النشاط الانساني. ويظل الشيء الأهم بالنسبة لليسار هو الاستفادة أفضل ما يمكن من كل وضع على الطريق الى بناء مجتمع افضل بدلاً من ان نتصور ان باستطاعتنا أن نخلق المدينة الفاضلة بخطوة واحدة.

لم آت إلى دافوس وأنا أتوقع أن أجد هنا رفاق روح من الاشتراكيين. لقد جئت للترويج للندن، لاستكشف آفاق التفكير حول التكنولوجيا، وللاجتماع مع اشخاص يحاولون معالجة الفقر في البلدان النامية، والعمل مع حلفاء في حقول حيوية مثل تغير المناخ. ولم يخب أملي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف