لبنان ـ فلسطين ـ العراق: السلطة والأجنبي والدين ...
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
طلال سلمان
يحفظ الأوطان أهلها، فإذا ما اختلفوا وتباعدوا وتخاصموا وتفرّقوا إلى حد الاحتراب، ضاعت الأوطان بدولها والدساتير والمواثيق والمؤسسات.
... وإذا ما صار المذهب أو الطائفة أهم من الدين، تحوّل "المواطنون" إلى "رعايا" لمرجعيات بديلة من "المؤسسات الدستورية"، وتهاوت قيمة الأرض أمام السماء وانتفى وجود "المواطن" ككيان قائم بذاته.
هذه هي حال العراق تحت الاحتلال الأميركي،
وهذا هو الخطر الذي يتهدد لبنان مع تعاظم شأن الوصاية الدولية التي تكاد تصادر آخر ما تبقى من رموز "سيادته" و"استقلال" كيانه ومن ثم قراره الوطني المستقل، مستغلة التمايز في الانتماء الطوائفي داخل الدين الواحد.
وهذا هو المصدر المباشر لاستهانة إسرائيل بمئات الملايين من العرب وبالمليار مسلم (من غير العرب) وهي تندفع في مشروعها المعلن لتهويد القدس بالكامل، وإن على مراحل، والتي لا يشكّل التعدي الجديد على المسجد الأقصى إلا خطوة (واسعة نسبياً) على هذه الطريق..
أما في الأقطار العربية الأخرى فقد تناسى الحكّام أسباب المشكلات الفعلية وانشغلوا عنها إما بالهلال الشيعي، وإما بالخطر الإيراني الداهم، وإما بخطر "التطرف" الفلسطيني ممثلاً بطروحات "حماس" بعدما تولت الحكومة التي لا تحكم في ظل "سلطة" لا سلطة لها، لا إسرائيل تشغل بالهم ولا الاحتلال الأميركي الذي يحرّض العراقيين بعضهم ضد البعض الآخر.. حتى الإبادة الجماعية!
إن اللبنانيين يتصارعون ـ بمذاهبهم وطوائفهم ـ على ما لا يملكون أن يقرّروا فيه متصلاً بنظامهم أو بكيانهم السياسي، إلا بحرب أهلية لا يمكن السماح بقيامها إلا إذا كان "الأجنبي" ـ ومن ضمنه الإسرائيلي ـ صاحب مصلحة مباشرة فيها.
إن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري شأن وطني يحظى بإجماع اللبنانيين، بالتأكيد... لكن مسيرته التي غدت دولية، ومن ثم نتائجه ليست في متناول اليد، الآن، ولا هي حاسمة بما يقطع الشك باليقين ويحدد المحرضين والمخططين والمنفذين بالدليل الحاسم. كذلك فإن المحكمة ذات الطابع الدولي قرار يملك اللبنانيون أن يحققوا به إجماعهم، ويستطيعون أن يضغطوا بهذا الإجماع من أجل التعجيل في البت بأمرها، الذي يخضع لإرادة "الدول"، وبينها المتعاون والممتنع عن التعاون كما كشفت وقائع ناطقة في مجلس الأمن الدولي.
ولن تحل هذه المشكلات الدولية، إذا ما تباعد أطراف السلطة بذريعة خلاف مفتعل حول أمر لا نملك القرار فيه، فتبادلوا الاتهام بالتفريط أو حتى بالخيانة، إن لم تكن خيانة الوطن فخيانة الدم الذي أريق ظلماً وعدواناً.
والخلاف في موقع القرار، لبنانياً، بالمزايدة أو بالمناقصة، حول التحقيق ومن ثم المحكمة، يؤذي سمعة الرئيس الشهيد دون أن يفيد الوطن، فضلاً عن العدالة.
إن هذا الخلاف، يُفقد الموضوع الإجماع الوطني المتوفر، بداهة، من حوله، من دون أن يعجل في إحقاق الحق وتوقيع العقاب على الجناة.
ثم أنه يوسّع (كما نشهد منذ بداية التحقيق) هامش التدخل الدولي في أمورنا الداخلية، بما يفاقم الخلافات بحيث يكتسب هذا التدخل "قبولاً" وتسليماً "بضرورته" حتى لا نقول بشرعيته على حساب كرامة الرئيس الشهيد والوطن ودولته ومواطنيه جميعاً.
وفي ظل مناخ الفتنة الدموية التي تسبّب في إطلاقها الاحتلال الأميركي للعراق، ويدأب على تغذيتها يومياً، فإن الخطر يتعاظم حول احتمال انزلاق الخلاف السياسي في لبنان حول التحقيق والمحكمة إلى فتنة مذهبية تكاد نذرها تسد علينا الأفق وتحاصرنا بخطر الاختناق.. فالفتنة مرض معدٍ، خصوصاً إذا ما توفر لها من ينقلها وينفخ في نارها..
كذلك فإن الخلاف السياسي في فلسطين قد تجاوز حدود المعقول، وتحوّل إلى نوع من التآمر (الواعي!!) على القضية التي كانت مقدسة، وعلى "السلطة" التي كانت خطوة مقبولة بالاضطرار في اتجاه استعادة شيء من الحقوق الوطنية ولو تحت الاحتلال، فصارت هذه "السلطة" الممسوخة الصلاحيات هدفاً قائماً بذاته يسمو على حصيلة النضال الوطني الفلسطيني بالتضحيات الهائلة التي قدمها والتي ندر أن شهد التاريخ الإنساني لها مثيلاً.
وليس اكتشافاً أن يقال إن هذه الأزمات المتفجرة في الأقطار العربية الثلاثة باتت متلازمة تؤثر إحداها في الأخرى وصار الدم يفيض ـ في ما يشبه الأواني المستطرقة ـ فيغطي على العقل والوعي والمنطق هنا وهناك وهنالك، ويدفع كل طرف إلى محاولة تأكيد ذاته وقدراته (وحقوقه!!) بالقوة، أو بالأحرى بالاستقواء على أخيه ولو بالشيطان!
... وفي انتظار استعادة الوعي يكون العراق قد غدا مزقاً من القبائل والعشائر والطوائف والمذاهب والعناصر المقتتلة، في حين يندثر الكيان السياسي للدولة مخلياً الجو للفوضى المسلحة التي قد تجد "مأواها" في "مشيخات" أو "إمارات" أو "دوقيات" متنازعة لا تلتقي إلا في حضن المحتل وتحت وصايته.
وتكون إسرائيل قد استكملت تهويد "القدس الشريف" ومعظم أراضي الضفة الغربية بالمستعمرات الاستيطانية وجدار الفصل العنصري، تاركة "بعض" المسجد الأقصى كاستثمار سياحي يأتيه المسلمون وبينهم العرب لزيارته والبكاء في حرمه ملكاً لم يستطيعوا حمايته..
أما لبنان فما زال في الأفق شيء من الأمل في أن يتدارك أهله أمرهم فيعودوا إلى شيء من الرشد ويتلاقوا على ما يجمع، وهو كثير كثير، نابذين ما يفرّقهم وهو قليل قليل إذا ما أخرجوا منه "الأجنبي" صاحب المصلحة في فرقتهم واقتتالهم حول ما لا يمكن تبديله من ثوابت وجودهم..
وثمة شيء من الأمل، مع اقتراب الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، في العثور على حل مقبول، قاعدته الحرص على الوطن بكل أهله، والدولة بكل مكوّناتها لكي يكون للمواطن مستقبل في وطنه المهدّد بالضياع!
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف