لبنان... رؤى المانحين وأطماع المتقاتلين

الخميس 8 فبراير 2007

د. أحمد عبد الملك

نحن نفهم تركيبة لبنان السياسية والطوائفية، ونفهم أن دستور لبنان هو المرجعية الأساسية لكل الاختلافات على الأرض، وأن اتفاق الطائف ودّع كل الحروب والمناجزات والأحقاد. ومن جديد يطل رأس الحرب الأهلية، بعد أن أدى سوء الفهم بين الأطراف اللبنانية المختلفة حول مستقبل أبنائها، ودور بلدها في حلقة الصراع في الشرق الأوسط.

ففي الوقت الذي تتنادى فيه دول العالم نحو مساعدة هذا البلد الجميل، وتجمع أكثر من 7 مليارات دولار للتغلب على ديون لبنان، وتتنادى الدول العربية الشقيقة لدعم هذا البلد، يرفض الفرقاء اللبنانيون يد السلام، وينطلقون يغلقون شوارع الحياة في بلدهم، ويخنقون رئة الاقتصاد ويواجهون العالم بوجه غريب عليهم.

نحن فقط لا نفهم كيف لإنسان أن يحرق منزله؟ ويشوه وجه وطنه؟ نحن فقط لا نفهم كيف يبعثرون (الهارموني) اللبناني، ويعودون إلى "حكم الطوائف" ويرمون بعضهم بالمنجنيق! أي حكم هذا الذي يريدونه لأنفسهم، وهو يؤدي إلى إزهاق الأرواح، وليس في سبيل الوطن، بل في سبيل الانتماء لـ"عبادة الشخص"؟ وأي حكم هذا الذي يؤدي إلى إغلاق المدارس والجامعات، وتدمير الاقتصاد، وجعل اللبنانيين يخسرون بضائعهم، وأمور حياتهم لأن هذا الزعيم غاضب، وذاك الزعيم يريد الاستيلاء على الحكم، وذلك الزعيم يريد "أمركة لبنان في نظرهم".

إن اشتباكات جامعة بيروت العربية، التي هي منارة العلم وتُشدّ إليها الرحال من بقاع العالم العربي، وتصبح اليوم مصنعاً للموت، هذه الاشتباكات، بكل من سقط فيها (مقتل 4 طلاب وجرح 152) لا تتنم عن فعل حضاري بقدر ما تُصرّح عن غوغائية لا تخدم لبنان ولا اللبنانيين.

وإذا كان رئيس الحكومة قد "ناشد كل فرد العودة إلى صوت العقل"، وإذا كان الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، قد أصدر "فتوى" تدعو مؤيديه إلى مغادرة الشوارع والتهدئة، وإذا كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يقول: "ما علينا هو وأد الفتنة... علينا أن نكون يداً واحدة متراصين -كالبنيان المرصوص وإلا هيهات هيهات- سنبحث عن وطننا في ذات في مقابر التاريخ"! وإذا كان زعيم "تيار المستقبل" سعد الحريري، قد دعا أهل بيروت إلى الهدوء وضبط النفس وتفويت الفرصة على تفويت النتائج الإيجابية لباريس-3، وإذا كانت الحكومة قد سلّمت الأمر للجيش اللبناني، كما جاء على لسان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، إذاً، لماذا هذا الاقتتال والاختناق والتشنج الذي وصل إلى الجبل؟

ها هم اللبنانيون متفقون على حديث العقل، وعدم تدمير بلدهم -ويكفيه التدمير الإسرائيلي قبل شهور- فمن يثير الفتنة؟ ومن يريد تحويل لبنان المتعافي إلى بؤرة صراع، ومن "يحرك" الشارع اللبناني؟ ولمصلحة من تتوقف الحياة في هذا البلد، ويعود إلى الفوضى، مما يُسهل ويمهّد الدخول لـ"الأجانب" فيه من كل صوب!

إن تصريح وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، ودعوته إيران إلى "عدم التدخل في الشؤون العربية"، وتعبيره عن القلق من ذلك التدخل الإيراني في العالم العربي، لاشك يرسم بعض الدوائر الحمراء حول دور إيراني في لبنان بالدرجة الأولى.

وقدرُ لبنان أولاً وأخيراً، في محيطه العربي، وانتمائه العربي، وعلاقاته الاقتصادية والاجتماعية مع إخوانه العرب وليس مع إيران!

إن "الاستقواء" بإيران على الأخ والشقيق والجار اللبناني ليس في مصلحة لبنان، ولا هو سيحرر الأراضي العربية المحتلة وذلك حلم بعيد المنال! وإلا فها هو الميدان يا حميدان.. السماء مكشوفة، والصواريخ الإيرانية جاهزة!

ثم ماذا قصّر الشقيق العربي -في حق لبنان- حتى يقوم بعض الفرقاء بالاستقواء بإيران أو غيرها؟ ثم ماذا قصّرت دول العالم -ومنها فرنسا وأميركا- حتى ينزل اللبنانيون ليحرقوا بلادهم، ويخرج من يقول منهم: "لقد نجح إضراب المعارضة بامتياز"! ما هو هذا الامتياز؟ وهل في خنق الحياة الاقتصادية، وهروب السياح من لبنان امتياز؟ هل يدرك هؤلاء كيف كانت مطاعم لبنان -في رأس السنة الماضية- وكيف كانت هذا العام؟

الشعوب المتحضرة عندما تريد الاعتراض على حكوماتها، لا تحرق، ولا تقتل، ولا تستخدم الفضائيات لتحريض الناس، بل إنها تخرج صامتة وترفع شعاراتها بكل "أدب"، وحضارة وحب، وتكسب أصوات الشارع وتطيع الحكومة أو تحقق مصالحها عبر الاحتجاج الإيجابي! أما الأعمال الغوغائية والتدمير والقتل والحرب، فكلها لا تصب في خانة المطالبة بالحقوق، بل والانتماء للوطن!

نحن لا نفهم -حقيقة- كيف ترفض جماعات 7 مليارات دولار من المانحين، ولربما غيره كثير جاء من دول شقيقة لمساعدة لبنان، ليأخذ دوره الحضاري بين الأمم، ويخرجون إلى الشوارع يتقاتلون ويحرقون ممتلكات بعضهم.

هل هذه ديمقراطية، أم تحفّز، أم انسياق وراء مخطط معادٍ للبنان وحضارته ودوره العربي؟

وهل كَشْفُ حقيقة اغتيال "الحريري" يخوف لهذه الدرجة؟ وهل القفز فوق الدستور اللبناني يُجيزه العقل والمنطق؟ وهل من حق الجماعات -كلما غنّى لها عقلها- أن تخرج إلى الشوارع وتطيح بالحكومة -متى شاءت- وتفرض حكومة أخرى؟ ماذا لو جاءت الحكومة التالية على غير ما تريد؟ هل ستنزل مرة أخرى إلى الشارع وتطيح بالحكومة الثانية؟

إن بعض اللبنانيين يؤدون أدوار البعض المعادي للبنان كله، ولابد أن يتخلصوا من الانتماء إلى خارج لبنان، ويعودوا إلى أحضان بلدهم.. فما حكّ جلدك مثل ظفرك!