جريدة الجرائد

حرب العراق: واشنطن تدخل سوريا وإيران في حسابات المراجعة ؟

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

هدى الحسيني

قال الرئيس السوري بشار الأسد في حديث إلى محطة "اي.بي.سي" الاميركية يوم الاثنين الماضي إن "التعاون الاميركي ـ السوري هو الفرصة الأخيرة لتجنب حرب اهلية في العراق".

وفي اليوم نفسه قال الرئيس الفعلي للعراق عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: "ان حواراً بين واشنطن وطهران ينقذ المنطقة"!

في هذين التصريحين اعترافان غير مباشرين إلى الدورين السلبيين اللذين تقوم بهما كل من سوريا (في العراق وغيره) وإيران (في العراق والمنطقة)، وان هذه الأدوار سوف تستمر حتى توافق الولايات المتحدة على إجراء اتصالات ومفاوضات مع كل من سوريا وإيران.

وكان التقرير الذي أصدرته مجموعة الأجهزة الأمنية الاميركية في نهاية الأسبوع الماضي، والذي وصف ما يجري في العراق بـ"الحرب الأهلية"، أشار أيضا إلى أن "الدعم القاتل الذي تقدمه إيران لبعض المجموعات الشيعية يعمّق الصراع، كما ان سوريا لم تتخذ الترتيبات الفعالة لوقف تدفق الجهاديين الأجانب إلى العراق".

تصريح الأسد جاء مع اشتداد العزلة على سوريا، رغم أنها تتحكم بعدة أوراق أثبتت قدرتها على تحريكها في لبنان وفلسطين والعراق، أما تصريح الحكيم فقد جاء في الوقت الذي حذر فيه بعض أعضاء الكونغرس الاميركي الرئيس جورج دبليو بوش من توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، وفي الوقت الذي أعدت فيه عدة منظمات إنسانية ودينية ونقابية وفكرية تقريراً حثت عبره رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير على الضغط على بوش لعدم الإقدام على عمل عسكري ضد إيران، لأن عواقبه لا يمكن تخيلها، فهو قد يضر بإيران وبالمنطقة وبالعالم أيضا.

لكن، هل يمكن القول إن الكتابة صارت واضحة على الجدار بالنسبة إلى إيران؟

في كلمته حول السياسة الاميركية الجديدة لتوفير الأمن لبغداد والعراق في الحادي عشر من الشهر الماضي، اتهم الرئيس الاميركي طهران ودمشق بإشعال المقاومة في العراق، رافضاً اقتراحات بيكر ـ هاملتون بالتفاوض مع الدولتين للتوصل إلى استقرار العراق وقال:"سنوقف الهجمات على قواتنا، سنقطع خط الدعم من إيران وسوريا، وسنلاحق وندمّر كل الشبكات التي توفر الأسلحة والتدريب لأعدائنا في العراق". ثم أعلن انه سيرسل حاملة طائرات أخرى وينشر بطاريات صواريخ "الباتريوت" المواجهة للصواريخ، في الخليج.

كثير من المراقبين فسّر الإضافة بأنها استعداد لعمل عسكري ابعد من العراق، لكن الناطق باسم البيت الأبيض طوني سنو اعتبر التفسيرات نوعاً من الإشاعات لا بل "الأساطير" وقال: "إن الرئيس قصد في كلمته حول الاستراتيجية الجديدة في العراق، الدفاع عن القوات الاميركية فيه".

إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، أي إلى عامي 2001 و 2002 نرى أن الرئيس بوش كرر التزامه بمعالجة أسلحة الدمار الشامل في العراق ـ ثبُت عدم وجودها ـ عبر الوسائل الدبلوماسية. في ذلك الوقت كان البيت الأبيض يدرس خطط الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عسكريا. وعندما تسرب حديث عنها وُصفت بالإشاعات، كما نفى الرئيس بوش ومستشاروه كل التقارير التي أكدت أن الإدارة تستعد لعمل عسكري ضد العراق، تماماً كما يتم نفي التقارير حالياً عن التحضيرات الاميركية للهجوم على إيران.

وفي الأشهر التي سبقت الغزو الاميركي للعراق في آذار (مارس) 2003، ترددت "إشاعات" عن أن نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع آنذاك دونالد رامسفيلد، يدفعان باتجاه الحرب، وان الاميركيين والبريطانيين كانوا يضعون سراً استراتيجية المواجهة العسكرية مع العراق في وقت كان إعلان العاصمتين عن الاستمرار في المحاولات الدبلوماسية.

بعد وقوع الحرب، تبين أن كل تلك "الإشاعات" و"الأساطير" كانت تنطلق من حقائق.

ليس مفاجئاً إذن، إذا شعر المتتبعون للأحداث الآن وكأنهم يرون فيلماً سبق أن شاهدوه، خصوصاً مع ما يتردد من "إشاعات"، بأن الرئيس بوش ومساعديه يخططون لتوسيع الحرب الدائرة في العراق لتشمل إيران وربما سوريا.

وكانت هذه الإشاعات بدأت تنطلق مع عبارة بوش الشهيرة "محور الشر"، الذي ضم العراق وإيران وكوريا الشمالية، ومع تكرار بوش الإشارة إلى دور سوريا "التي عليها أن تعرف ما هو المطلوب منها". وبعد الإطاحة بصدام حسين، بدأت ترد بعض الإشارات عن النية في "تغيير النظام" في إيران ونفي الإدارة الاميركية لكل ما تسربه طهران من محاولات إيران التفاوض على صفقة دبلوماسية مع واشنطن حول العراق ولبنان والقضية الفلسطينية.

بعد "محور الشر"، ترددت "اشاعات" عن "تغيير النظام" في سوريا أيضا، ثم حلت محلها "إشاعات" "تغيير تصرفات النظام"، الآن هدأت هذه الإشاعات وازدادت عزلة سوريا وتضاعف ارتباكها، فعملت على تحريك أوراقها في لبنان والعراق وفلسطين، لكن لم تستطع بعد قلب الطاولة بشكل نهائي على من يقف في وجه مخططاتها في أي من هذه الدول.

وتعتقد إيران أن نجاحها في إقلاق الدول الخليجية العربية وبقية الدول العربية الأخرى، إن كان من حساسية هذه الدول تجاه أي صراع سني ـ شيعي فوق أراضيها، أو من إصرار إيران على امتلاك المعرفة النووية، إنما هو عامل يصب في مصلحتها، لأن الصراع الحقيقي الآن ليس صراعاً بين السنّة والشيعة، إنما صراع عربي ـ فارسي، خصوصاً أن احد المنظرين لـ"الانفتاح" الإيراني يردد في كل الوسائل الإعلامية التي تتوفر له، أن إيران تريد: "فرض ثقافة جديدة على المنطقة"، وان العرب يخطئون إذا لم يقبلوا بها كـ"عضو مراقب في الجامعة العربية"!

للتذكير فقط: إن التطورات الأخيرة، والتقارب الاميركي ـ السعودي بالذات تذكّر بذلك التحالف الذي جرى في عهد الرئيس الاميركي رونالد ريغان حيث جرى وضع استراتيجية لمواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان والتحدي الذي أطلقته الثورة الإسلامية في إيران.

ولسنا هنا في مجال مناقشة النتائج اللاحقة، فالتعاون أسفر عن انسحاب الجيش السوفياتي من افغانستان، ووضع أول مسمار في نعش الاتحاد السوفياتي.

ولأنه صار هناك شبه قناعة بأن الرئيس بوش لن يغادر منصبه، تاركاً إيران نووية، وهو ليس عابئاً بالنتائج التي يمكن أن تسفر عن مثل هذا القرار، فان حربه على إيران قد بدأت ويمكن ملاحظتها عبر وجود وحدات للقوات الخاصة الاميركية داخل إيران وبالذات في مقاطعات خوزستان وسيستان ـ بلوشستان، وقرار مجلس الأمن الذي يدعو إلى المقاطعة، ومنع التعامل مع المصارف الإيرانية التي تملكها الدولة، والقرار بنشر منصات صواريخ "باتريوت" لإسقاط "شهاب ـ 3"، وفي الوقت الذي سيصدر البيت الأبيض الأمر لحاملة الطائرات "نيميتز" ـ موجودة حالياً في سان دييغو ـ بالتوجه إلى الشرق الاوسط والانضمام إلى حاملتي الطائرات "جون سي ستينيس" و"دوايت د. ايزنهاور"، عندها ـ كما يقول المراقبون المطلعون ـ فان الهجوم على إيران يصبح حتمياً.

وإذا قررت إيران عند ذلك الطلب من "حزب الله" في لبنان الهجوم على إسرائيل، فان الإسرائيليين سيردون بالهجوم على سوريا، من هنا الحديث عن احتمال تعرضها وإيران لهجوم عسكري.

لا تخفى هذه التحضيرات والخطوات على إيران، وكل الاحتمالات معلقة على قرار تتخذه القيادة الدينية الحاكمة. هل تميل إلى التعاون مع اميركا أو المواجهة؟ الرئيس محمود احمدي نجاد يشجع المواجهة، اما الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني وآية الله حسين علي منتظري فانهما يفضلان التعاون، أما مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي فانه بدأ "يقمع" جنوح احمدي نجاد.

الوقت ليس لصالح التأخر في اتخاذ القرار، لأن إدارة بوش ارتدت ثوب الحرب فعلاً، والوضع الاقتصادي الإيراني لا يوفر للقيادة هناك ترف التردد. تريد إيران بيع برميل النفط بسبعين دولاراً. لكن أسعاره بدأت بالهبوط، ما يعني نقصاً في العملة الصعبة، وتراكم المشاكل في وجه احمدي نجاد الذي فشل في إدارة عائدات الثروة النفطية، وهناك مشكلة تعاني منها إيران، فهي تصرف لاستخراج برميل واحد من النفط ما مقداره 18 دولاراً، وسيزداد الوضع سوءاً خصوصاً انها لا تستطيع شراء أفضل الآليات للتنقيب والحفر، فهذه كلها مصنوعة في أميركا.

ان اللعب على الوقت الذي مارسته طهران مع الترويكا الأوروبية، قد لا ينجح مع إدارة اميركية تشعر بأن هالتها تكاد أن تسقط عنها في العراق، وهي تريد أن تسترجع سطوة الدولة الكبرى الوحيدة في العالم.

إن نتائج أي حرب لا تهمها، أسطولها يحمي ممرات النفط، وتعرف إذا انسحبت الآن من العراق، سيقتل العراقيون بعضهم البعض بطريقة ابشع، وتغرق كل الدول المجاورة للعراق بوحوله المجبولة بالدم، ورغم ما "تتندر" به إيران وسوريا عن الورطة الاميركية في العراق، يعرف مسؤولو هاتين الدولتين انه لا بد من واشنطن لإنقاذ نظاميهما، وهذا ما تشير إليه مقابلات بشار الأسد الصحافية وما تشير إليه زيارات المبعوثين من قبل خامنئي، مثل علي لاريجاني إلى السعودية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف