جريدة الجرائد

أناشيد المسيو ميسونيه

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

سمير عطا الله

كان المسيو فرنان ميسونيه، آخر مقصلي في فرنسا. والمقصلة الفرنسية كانت تحمل اسم "غيوتين". وقد ظن الكثيرون ان "غيوتين" فعل يعني فصل الرأس عن الجسد، كما حصل في اعدام برزان التكريتي، لكن الحقيقة ان "غيوتين" هو اسم الرجل الوقور الذي اخترع اسرع ـ وارحم ـ آلة اعدام في التاريخ، وفقا للمسيو ميسونيه: اربع ثوان وكأن شيئاً لم يكن. او بلغة الاستاذ رضوان السيد وبلاغته: كأن شيئاً ما كان. واعتقد ان المفكر اللبناني يفضل استخدام الاسم الموصول على اداة الجزم، لزوم التضلع في اللغة. وقالت العرب "التضلع، عطفاً على ما لم يكن مثله ضلع في الخليقة والخلق، اي ستنا حواء كضلع من ابينا آدم".

وفي اي حال فقد كان المسيو فرنان ميسونيه آخر مقصلي في فرنسا ولم يشأ ان يترك مثل هذه المرتبة التاريخية الرفيعة، من دون كتابة مذكرات تدعم المهنة: نحن سواعد العدالة، كان يقول فرنان. وبموجب تلك العدالة استخدم اختراع المسيو غيوتين 200 مرة. اكثرها، طال عمرك، في الجزائر. ولكن بدقة متناهية وتمسك حرفي بانسانية العدالة. فقد كان والد فرنان، المسيو ميسونيه الأب، مقصلياً هو ايضا. كأن تقول تقليداً عائلياً وعراقة استمرارية. ولم يكن الارث سهلا. فقد عمل فرنان في البداية مساعد مقصلي من الدرجة الثانية. ثم ترقى الى مساعد مقصلي من الدرجة الاولى. وأجل أجل ونعم ونعم، لم يرتق الى مرتبة مقصلي كامل الا بعدما اتقن المهنة ايما اتقان. فالناس بسذاجتها تعتقد ان المقصلة مهنة بسيطة: رأس محكوم بالقطع ومقصلة تهوي. سذاجة. انها مهنة معقدة جدا. وعليك ان تعرف كيف تضع العنق في "منتصف العين"، اي شكل المقصلة، والا سقطت على ذقنه بدل عنقه. تصور. ثماني ثوان بدل اربع. تصوَّر. ووفقا لفرنان، يجب ان تنفر امام الرأس المقطوع كمية من الدماء تملأ كوبين. وبعدها، تصبحون على خير. يذهب المتفرجون الى بيوتهم، ويعود هو، المسيو ميسونيه، كما كان يعود والده، الى المنزل العائلي. وباعتباره ساعداً من سواعد العدالة يطلب من زوجته فطوراً خاصاً: خردل من جبال الجورا، وجبنة من الروكفور، وخبز محشو بالجوز. وبعض الموسيقى. لا يمكن للعدالة ان تشعر بالارتياح دون موسيقى.

حاول المسيو ميسونيه ان يقيم متحفاً لأدوات التعذيب والاعدام لكن الناس تفتقر الى الذوق، فاضطر الى اغلاقه. واكتفى "بغاليري" صغيرة في منزله، في البروفانس، مقاطعة الحب والجمال في فرنسا. لكن الاقبال كان قليلاً ايضا. وفي النهاية اكتفى ببغاءين: واحدة علمها ان تغني له احب اغانيه "كل محكوم يجب ان يقطع رأسه، فليحيا المسيو ميسونيه" واخرى تنشد اغنية في مديح النازية؟ فليحيا كلاهما.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف