جريدة الجرائد

إيران والملف النووي: هنا أخطأ شيراك

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



أمير طاهري


هل تحاول إيران بالفعل إنتاج ترسانة نووية؟

إذا كانت الإجابة نعم، هل يجب أن نشعر بالقلق؟

الرئيس الفرنسي جاك شيراك طرح السؤالين في وقت سابق من هذا الشهر وكانت إجابته عن كليهما بنعم.

وأصبح الرئيس الفرنسي أول زعيم غربي يتحدث بصورة واضحة ومباشرة، مؤكدا أن نظام رجال الدين الإيراني يحاول بالتأكيد إنتاج قنبلة نووية.

ومن الملاحظ أنه حتى الرئيس بوش لم يتحل بهذا الوضوح في ما يتعلق بمسألة البرنامج النووي الإيراني.

فالجزء الأكثر أهمية في تحليل شيراك، الذي كشف النقاب عنه في مقابلة مثيرة للجدل، تتركز في أن زعمه أن لا أحد يجب أن يشعر بالقلق تجاه امتلاك النظام الإيراني الذي يسيطر عليه رجال الدين لقنابل نووية.

إلا أن بعض المعلقين وصف حديث شيراك بأنه لا يعدو أن يكون حديث شيخ مقبل على التقاعد. ولاحظ الصحافيون الذين أجروا اللقاء مع الرئيس الفرنسي ارتجاف يديه وعدم قدرته على التركيز.

ولكن من الخطأ أن نهمل حديث شيراك تماما.

المهلة التي منحت لإيران بواسطة الأمم المتحدة في ما يتعلق ببرنامجه النووي ستنتهي الشهر المقبل، فيما سيكون شيراك في موقعه حتى ذلك الوقت. فاذا ثبتت صحة تحليلات شيراك، فإنه سيستغل حق فرنسا في الفيتو لوقف أي قرار جديد تحت المادة 7 من ميثاق الأمم المتحدة للسماح باستخدام القوة ضد نظام رجال الدين الحاكم في إيران.

إصابة مجلس الأمن بالشلل بواسطة شيراك من المحتمل أن يسجل انتصارا دبلوماسيا لرئيس إيران محمود احمدي نجاد، وهي خطوة ستؤدي بدورها إلى تهميش معارضيه في المؤسسة الحاكمة. وفي هذه الحالة سيصبح لزاما على مجلس الأمن الانتظار حتى يونيو على الأقل إلى أن ينتخب الفرنسيون رئيسا جديدا للبلاد. كما أن موقف شيراك يعتبر غطاء لروسيا التي ربما تأتي بتكتيكاتها المتباطئة. ويمكن أن يسمح الثنائي الفرنسي الروسي، للصين بتغيير سريع.

ويدعي العديد من المعلقين أن مصالح فرنسا الاقتصادية هي وراء إقرار شيراك غير المباشر لبرنامج طهران النووي.

فقوله بأن علينا تخيل أن طهران تصنع قنبلة، هو دعوة للجميع بمواجهة الحقيقة.

وليس من الجيد قول "لا نعرف ما إذا كان الملالي يصنعون القنبلة، ولكن يجب معاقبتهم على ما لسنا متأكدين من قيامهم به.

وتعتقد الولايات المتحدة وبريطانيا أن طهران تصنع القبلة. وشكرا لشيراك، أصبحنا نعرف أن فرنسا تشارك هذا الرأي.

أما ألمانيا، غير المتأكدة في عهد المستشار غيرهارد شرودر، فإنها تميل الآن تجاه الموقف الأنغلو أميركي في عهد المستشارة أنغيلا ميركل. فروسيا تدعي أنها غير متأكدة ولكنها تقر، بطريقة غير علنية، تحليل شيراك. أما الصين فموقفها غير واضح.

ولذا فإن الهدف الرئيسي للدبلوماسية في الأسابيع القادمة هو التوصل إلي إجماع على ما يفعله الملالي حقا.

وقناعة شيراك الثانية، بأن العالم يمكنه التعايش مع القنبلة الإيرانية، هي أمر مهم، لأن العديد من الناس يقتنعون به. ففي النهاية، تعلم العالم التعايش مع دول أخرى تملك القنبلة، بما في ذلك دول مثيرة للمشاكل مثل باكستان.

ويعتمد شيراك في تحليله على "قبول قنبلة الملالي" على تصورين:

الأول هو انه إذا ما أصبحت إيران قوة نووية يمكنها أن تصبح عرضة إلى هجوم نووي في حالة حرب ضد دول أخرى، وبصفة خاصة الولايات المتحدة وإسرائيل. وبما أن الجمهورية الإسلامية ليست في موقع لتدمير الولايات المتحدة أو إسرائيل في هجوم نووي، فإن الملالي سيفكرون مرتين قبل استخدام القنبلة.

ويتحدد افتراض شيراك الثاني بأن امتلاك رجال الدين الإيرانيين للقنبلة النووية، يجعلهم متحررين من الخوف ويمكنهم من مراجعة استراتيجية المواجهة مع الغرب.

وعلى الرغم من أن كلا الافتراضين خاطئان فإنهما برأيي يحتاجان إلى مناقشة.

يكمن خطأ شيراك في كونه يجري مقارنة ما بين إيران اليوم مع الاتحاد السوفياتي خلال الخمسينات من القرن الماضي. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 كان ينقص الروس سلاح الردع النووي، وهذا ما جعلهم يشعرون بالضعف أمام الولايات المتحدة. وعن طريق تطوير ترسانة أسلحة نووية قبل وفاة ستالين عام 1953 تمكن الاتحاد السوفياتي من التخفيف من مخاوفه والبدء بمشوار قاد إلى حالة الانفراج خلال السبعينات. وتمكن العالم من تجنب حرب جديدة حتى انهار الاتحاد السوفياتي تحت ثقل تناقضاته.

هل يمكن أن يحدث الشيء نفسه للجمهورية الإسلامية؟ الجواب هو لا. فإيران اليوم هي ليست الاتحاد السوفياتي خلال الخمسينات. إذ تمكن الأخير من تأسيس دولة استبدادية شديدة التنظيم مع قيادة وسيطرة واضحة قادرة على تطوير استراتيجيات متجانسة.

وعلى الرغم من أن آيديولوجية الخميني استبدادية، فإن الجمهورية الإسلامية دولة غير استبدادية. بل هي دولة قمعية تستخدم العنف في الداخل والإرهاب في الخارج كأدوات لتنفيذ سياساتها. كان تصرف الاتحاد السوفياتي متوقعا بينما هذا الأمر لا ينطبق على نظام إيران الحالي. لم يكن هناك أشخاص مشاكسون ضمن خط السلطة داخل الاتحاد السوفياتي يطلقون نيرانهم باتجاه معاكس وفي وقت واحد. ولم يكن الستالينيون ليعطون مواد نووية للإرهابيين كي يستعملوها في بلدان أخرى. ولا يبدو أن شيراك متأكد من أن الملالي لن يقوموا بذلك. فتركيبة نظام الخميني تسمح لأي مغامر قيادة إيران إلى نزاعاتها المهلكة.

وطور الاتحاد السوفياتي سلاحه النووي كوسيلة لحماية الوضع القائم مثلما تحدد في يالطا. وكانت نظرية ستالين: "الاشتراكية في بلد واحد" تعني أن الاتحاد السوفياتي، على الرغم من وضعه التهديدي، لا يهدد بتصدير ثورته إلى أجزاء من أوروبا الغربية.

غير أن الجمهورية الإسلامية ليست ملتزمة باتفاقية شبيهة باتفاقية يالطا، على الرغم من أن تقسيم الشرق الأوسط بين واشنطن وطهران نوقش خلال فترة رئاسة بيل كلينتون.

ولم يطور رجال الدين مبدأ "الخمينية في بلد واحد" وبقوا في موقع الهجوم. ويكفي النظر الى لبنان حيث يسعى رجال الدين إلى الهيمنة عبر أتباعهم في حزب الله أو الأراضي الفلسطينية، حيث ترسل طهران المال والرجال، ناهيك من العراق وأفغانستان، لتؤكد أن الجمهورية الإسلامية تحاول طرح نفسها كامبراطورية صغيرة.

وكان الاتحاد السوفياتي في سنوات الخمسينات قد حقق إمبراطوريته. فقد حول أوروبا الشرقية والوسطى إلى جزء من كتلته، وبفضل سقوط الصين وكوريا الشمالية بأيدي الشيوعيين فانه لم يكن يشعر بالحصار من جانب الأعداء.

غير أن الجمهورية الإسلامية تشعر بالتطويق من جانب الأعداء. فالنظام الآيل للسقوط في دمشق هو حليفها الوحيد. وكان الاتحاد السوفياتي في حينه يريد منع الأعداء من الوصول إلى حدوده. أما الجمهورية الإسلامية فتريد التوجه إلى خلق مناطق لها.

وفي الاتحاد السوفياتي في سنوات الخمسينات جرى استيعاب الثورة من قبل الدولة. أما في إيران اليوم فإن الثورة ما تزال تقاوم الاستيعاب من جانب الدولة. وكدولة كان الاتحاد السوفياتي يتصرف بمنطق الدول سواء كانت ديمقراطية أم استبدادية. وكثورة فان النظام الخميني يتصرف بلاعقلانية الثورات سواء كانت تقدمية أم رجعية.

وبالنسبة لإيران كدولة فإن امتلاك ترسانة نووية لن يكون أكثر من تهديد كما هو حال القوة النووية الفرنسية التي تستخدم للردع، إذا ما أردنا الإشارة إلى مثال واحد. وبالنسبة لإيران كثورة فإن الحصول على قنبلة سيكون تهديدا لوجود الجيران ومن هم أبعد.

وبالتالي فإن القضية الفعلية هي كيفية منع رجال الدين من الحصول على القنبلة، ما لم تستوعب إيران الثورة، وتعود كدولة قومية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف