قنوات الاتصال السورية الاسرائيلية لا تزال تعمل عبر سويسرا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
"المستقبل" تنشر قصة المفاوضات السريّة بين دمشق وتل أبيب
جنكيز تشاندر ـ اسطنبول
خلف الضباب الكثيف الذي يلفّ مستقبل الشرق الأوسط، لا تزال تسير على قدم وساق خطوط اتصال بين سوريا وإسرائيل، الوسيط فيها، أو الراعي، هو سويسرا. وقد كشفت النقاب عن هذا الاتصال السرّي الذي بدأ قبل ثلاث سنوات، في العام 2004، صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية اليومية، يوم 16 كانون الثاني (يناير)، وفق عدد من الاسرائيليين المطّلعين جيداً على هذا الاتصال، على الرغم من النفي الاسرائيلي الفوري، وكذلك نفي السلطات السورية.
وقد جاء في عنوان هآرتس في 16 كانون الثاني (يناير): "تفاهم سري بين ممثلين من اسرائيل وسوريا". وذيّل الخبر اسم الصحافي الاسرائيلي ذو السمعة الممتازة عكيفا إلدار. وجاء فوق العنوان العريض: "اتصال سنتين، وتقارير للأسد وشارون وإعلام حكومة أولمرت". كذلك كتب إلدار قصة جانبية عنوانها: "من تركيا عبر أوروبا الى سوريا".
وقد بدأت القصة كلها مع الدكتور ألون ليئيل، وهو ديبلوماسي اسرائيلي متقاعد كانت له علاقة وثيقة جداً بالنافذين الأتراك. وكان ليئيل نائب وزير في وزارة الخارجية يوم كان شلومو بن عامي وزيراً. وعندما خسر رئيس الوزراء في حينه إيهود باراك الانتخابات سنة 2001، ومعه بن عامي، خسر ليئيل أيضاً منصبه، ثم تقاعد من العمل الديبلوماسي الرسمي. وفيما بعد أنشأ ألون ليئيل جمعية الصداقة التركية ـ الاسرائيلية والمجلس الاقتصادي المشترك، الذي رأسه الى وقت قريب. وعمل قائماً بالأعمال في أنقرة في ثمانينات القرن الماضي، عندما خفضت العلاقة التركية ـ الاسرائيلية الديبلوماسية، دون مستوى السفراء، اثر ضم اسرائيل القدس.
ويحظى ليئيل في اسرائيل بسمعة الليبرالي جداً، الداعي للسلام والصداقة مع الفلسطينيين والبلاد العربية المجاورة. وقد فاتحه سفير تركيا لدى اسرائيل فريدون سينيرليوغلو، بعد عودته الى اسرائيل من رحلة الى تركيا، حيث نزل صدفة في اسطنبول، في الفندق نفسه الذي نزل فيه الوفد السوري الزائر، برئاسة الرئيس بشار الأسد في كانون الثاني (يناير) 2004. وأخبر السفير سينيرليوغلو، الذي عاد منذ شهر الى تركيا، مغادراً منصبه في اسرائيل، ليصبح نائب مساعد وزير الخارجية التركي المسؤول عن الشرق الأوسط، أخبر ليئيل أن الأسد طلب من (رجب) طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا، خلال زيارته لها، أن يستخدم علاقة بلاده الجيدة بإسرائيل، ليزيل الصدأ عن قناة التفاوض مع سوريا.
عندئذ اتصل ألون ليئيل سراً، وقد شجعه السفير التركي والمعلومات التي نُقلت اليه، بمكتب رئيس الوزراء ارييل شارون، ليتبين اذا كان ثمة شريك اسرائيلي لتفاوض سري مع سوريا، تتوسط فيه تركيا. ومع أنه لم يحصل على موعد من مكتب شارون، ومع علمه أنهم أخذوا علماً بالأمر، بدأ يبادر بنفسه لإحضار يهودي أميركي، هو جفري أرونسون، الذي يعمل في المؤسسة من أجل سلام الشرق الأوسط، في واشنطن. واقترح أرونسون، صاحب الخبرة في صِلاته بعواصم الشرق الأوسط، دمشق وبيروت وعمّان، اشراك رجل أعمال سوري أميركي، هو ابراهيم سليمان، المقيم في واشنطن. وهو علويّ الأصل، ومن بلدة عائلة الرئيس الأسد نفسها، وقد استخدم الرسميون الأميركيون وساطته مرات عدة ليتصلوا بدمشق.
بعد دخول سليمان على الخط، ذهب سليمان الى دمشق، وركب سيارة من مكتب الرئيس السوري وذهب بها الى مقر السفير التركي آنذاك أوغوز جيليكول، وهو الآن المنسق الخاص لشؤون العراق في وزارة الخارجية التركية، ليخبره أن السوريين مستعدون لبدء تفاوض جاد ورسمي مع اسرائيل.
واستمرت الوساطة التركية من كانون الثاني (يناير) 2004، الى آب (أغسطس) 2004. وعُقدت أربع جلسات، بين ألون ليئيل والسوري الأميركي سليمان، ضمت مندوباً رسمياً من وزارة الخارجية من أنقره، معظمها في مقر سفير تركيا لدى اسرائيل، وهو في هرتسليا، شمال تل أبيب. وكانت السفارة التركية في دمشق قناة أيضاً في التفاوض. واقترح السوري الأميركي سليمان، العامل باسم النظام السوري، على ألون ليئيل أن يذهب معه الى دمشق، وضمِنَ له الوصول الى السلطات السورية، ربما حتى مستوى فاروق الشرع. لكن ليئيل رفض العرض، بسبب حظر اسرائيل زيارة سوريا.
وفي آب (أغسطس) 2004، أبلغ سفير تركيا لدى اسرائيل ألون ليئيل أن القناة التركية بلغت حائطاً مسدوداً، ولذا فإن تركيا ستنسحب من جهود الوساطة بين سوريا واسرائيل. ولا يزال ألون ليئيل يجهل سبب انسحاب تركيا، على ما قال لكاتب هذه السطور.
ومع هذا، وعلى الرغم من انسحاب تركيا من التوسط، استمرت جهود الثلاثي ليئيل ـ أرونسون ـ سليمان. وقرر الثلاثة أن يلتقوا في سويسرا التي رضيت أن توفر غطاء وتمويلاً لقناة سرية اسرائيلية سورية، بواسطة أحد كبار رسميي وزارة الخارجية السويسرية. حتى اسم سويسرا غير مذكور في تقرير "هآرتس" الذي فضّل استخدام عبارات "عاصمة أوروبية" و"في تلك البلاد". لكن المعلومات تقول ان المدينة التي اجتمعوا فيها هي جنيف والبلد سويسرا.
في أيلول (سبتمبر) 2004، حلّت سويسرا محل تركيا وسيطاً في التفاوض السري بين اسرائيل وسوريا. وسافر الوسيط الأوروبي، أي السويسري، مرات عدة مع سليمان الى دمشق، وأُخذ الى مكتب فاروق الشرع. وقابل في أحيان وزير الخارجية وليد المعلّم ومسؤولاً كبيراً في الاستخبارات السورية.
ووجد الوسيط الأوروبي، المجهول الاسم، ان السوريين جادون جداً ومتحمسون لبدء التفاوض مع اسرائيل، وروت "هآرتس" أنه قال للرسميين الاسرائيليين "انني موقن أن السوريين يريدون اتفاق سلام معكم". وتقول "هآرتس" في تقريرها ان "الوسيط الأوروبي نقل الى المصادر الاسرائيلية الرسمية مباشرة، حتى قبل اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري في شباط (فبراير) 2005، والتحقيق الذي بدأ بعدئذ، انطباعه ان الحافز السوري على الاغتيال أبعد بكثير من الخوف من أخذ الأميركيين أو الفرنسيين بالثأر. وهذا يعني أن الأسد كان المسؤول عن اغتيال الحريري".
ويقول تقرير "هآرتس" ما يلي: "قال لي فاروق الشرع ان الاسلام الأصولي تهديد لسوريا، وان السلام الوسيلة الوحيدة لوقف هذا الخطر، على ما قال الوسيط. وقال ان السوريين أخبروه أنهم في غضون سنوات قليلة سيخسرون مصادر نفطهم وسيحتاجون الى مبالغ كبيرة من النقد الأجنبي لشراء النفط من الخارج. ويعرف النظام العلوي، كما قال الوسيط الأوروبي، أنه يحتاج ليبقى ويستمر الى دخول عملات أجنبية الى سوريا، وأن ما من رجل أعمال عاقل يستثمر ثروته في بلد ليس في حال سلام مع جيرانه. وسمع الوسيط الأوروبي في دمشق استعداد سوريا لوضع علاقته بإيران وحزب الله وحماس على جدول التفاوض لأجل السلام مع اسرائيل. حتى أنه أشار الى سماعه أقوالاً مماثلة من المستشار القانوني لوزارة الخارجية السورية رياض الداودي في مؤتمر مدريد +15 يوم الجمعة 12 كانون الثاني (يناير) 2007.
أفضى النقاش بين الأشخاص المذكورين، الى وضع وثيقة نهائية في آب (أغسطس) 2005 تتعلق باتفاق على الجولان. وعقد الاجتماع الأخير بعد سنة في آب (أغسطس) 2006، في أثناء الحرب في لبنان. في هذا الاجتماع الأخير أعلن سليمان، متحدثاً باسم السوريين، أنهم فعلوا ما في استطاعتهم في هذه القناة السرية، وإنهم يقترحون عقد اجتماع بين ممثل سوري على مستوى نائب وزير ومسؤول اسرائيلي على مستوى مدير عام. وطلبوا أن يشترك أيضاً في الاجتماع ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى.
ولم تمضِ الأمور بالقناة السرية أبعد من هذا. وتوقف الاتصال بين الأشخاص المشاركين، حتى كشفت "هآرتس" القصة الكاملة والوثيقة النهائية في 16 كانون الثاني (يناير) 2007. وفي اليوم التالي أنكر مسؤولو كلا الطرفين الاسرائيلي والسوري رواية "هآرتس" المنشورة.
إلا أن بطل هذه القصة الدكتور ألون ليئيل أخبرني في اسطنبول أخيراً، بصفته مصدر كل الرواية المنشورة في "هآرتس"، أن كل ما فيها كان صحيحاً. وعندما سئل عن سبب تسريبها الى الصحافة الاسرائيلية، قال: "بدت الحكومة الاسرائيلية غير مهتمة بمتابعة الأمر. لذا فكشف الأمر قد يحدث ضغطاً على الحكومة. والحقيقة أنه بعد كشف الموضوع في هآرتس، أحدثت القصة قوة دفع في ذاتها، وبدأ كثير من الناس يسألون عن الحكمة في بدء تفاوض مع سوريا. لقد كان أيضاً تقليداً في السياسة الخارجية الاسرائيلية، حين يبدي بلد عربي مجاور اهتماماً للتفاوض معنا، أن نستجيب. لِمَ هذا الاستثناء الآن؟".
السبب، هذه المرة، معروف أيضاً: الأميركيون غير مستعدين للسماع عن اتصال بسوريا، لا سيما عند هذا المنعطف. ولذا رفضت حكومة أولمرت متابعة الموضوع، فهي لا تريد أن تصطدم بالأميركيين.
ويعترف ألون ليئيل بأنه لم يحادث أي رسمي اسرائيلي على مستوى رئيس الوزراء، أولاً شارون، ثم أولمرت، ولا حتى وزيرة الخارجية تسيبي ليفني. ويضيف: "إلا أن مدير وزارة الخارجية العام أُبلغ بكل خطوة في هذه القناة. ويستحيل ألا يكون أبلغ الى رؤسائه".
والأهم من هذا أن مصدرين اسرائيليين في المؤسسة السياسية، أبلغا إليّ قبل أيام، في مؤتمر دولي في عاصمة أوروبية، أن سبب تسريب قصة القناة السرية السورية الاسرائيلية، هو تنافس اسرائيليين يعملون على المسار نفسه. وقال الاسرائيليان المذكوران اللذان رفضا كشف اسميهما "ان ألون ليئيل كان واحداً فقط من المسارات في القناة السورية ـ الاسرائيلية السرية. وثمة أكثر من مسار، وهي لا تزال تعمل، في سويسرا كذلك، وعبر العمل الديبلوماسي السويسري!".