حماس: رسالتنا إلي العالم من مكة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
خالد مشعل
باتفاق مكة بين حركتي فتح وحماس يدخل النضال الوطني الفلسطيني من أجل التحرر والاستقلال مرحلة تاريخية جديدة، وبه تتمهد الطريق لتشكيل أول حكومة وحدة وطنية فلسطينية شاملة.
وبفضل ما تحقق في مكة، ستعمل حركتا فتح وحماس، ومعهما كافة فصائل حركة النضال الوطني الفلسطيني، علي بناء المجتمع الفلسطيني بعد سنوات من الدمار والتخريب ألحقهما به الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بالتوازي مع استمرار النضال في سبيل استعادة الحقوق الوطنية لشبعنا.
في لقاء مكة، عقدنا العزم علي بذل كل ما في وسعنا للحيلولة دون أن تتكرر أحداث الاقتتال الداخلي الأخيرة، التي ما من شك في أنها أدمت قلوب شعبنا وأحزنت أنصاره حول العالم. ومع أسفنا الشديد لوقوعها، فإننا نعتقد جازمين بأنها ما كانت لتقع لولا التدخل الأجنبي السافر، ولولا نظام العقوبات الجائر الذي فرض علي شعبنا من قبل إسرائيل وحلفائها حول العالم. ولقد كان ممكناً تفادي الأزمة التي عصفت بشعبنا خلال العام المنصرم لو أن كثيراً من القوي الإقليمية والدولية احترمت نتائج الانتخابات الديمقراطية التي جرت في فلسطين في العام الماضي.
تنبع أهمية اتفاقية مكة من أنها وضعت الأساس لشراكة حقيقية بين مختلف فئات شعبنا وأطيافه وتنظيماته، وهذه الشراكة بدورها ستثمر حكومة وحدة وطنية تسعي ضمن ما يتوفر لها من إمكانيات إلي تلبية متطلبات شعبنا وتحقيق تطلعاته. كما ستمهد هذه الشراكة الطريق لإعادة تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وانضمام جميع الفصائل الفلسطينية إليها، حتي تتجسد بحق الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، بحيث تتحدث إلي العالم بصوت واحد يعبر عن آمال وطموحات وقناعات الشعب الفلسطيني بأسره.
بفضل الإجماع الوطني الفلسطيني علي أن الهدف الأساسي لشعبنا هو تحقيق الحرية والاستقلال، وعلي أن مقاومته ينبغي أن توجه ضد الاحتلال فقط لا غير، فقد تحققت الشراكة في لقاء مكة. وبعد هذا الإنجاز الكبير، ننتظر أن يبادر المجتمع الدولي إلي الترحيب به، وأن يعبر عن احترامه لوفاقنا الوطني ولإرادة شعبنا الفلسطيني.
منذ ما يزيد عن قرن من الزمان، وشعبنا الفلسطيني يعاني الأمرين بسبب الغزو والاحتلال والاضطهاد. ومع ذلك، فلم تتوقف محاولات ابتزازه بكافة الوسائل حتي يقدم التنازلات ويتخلي عن حقوقه المشروعة. وخلال العام المنصرم، ومنذ انتخابات كانون الثاني (يناير) 2006، وشعبنا يتعرض للحصار وللعقوبات الجماعية التي فرضها عليه المجتمع الدولي، لا لجريمة اقترفها سوي أنه مارس حقه الديمقراطي بحرية.
استمرت إسرائيل طوال ذلك الوقت في ارتكاب جرائم الاعتقال والقتل بحق رجالنا ونسائنا، شيوخاً وأطفالاً، وفي تدمير البيوت والممتلكات، وتشريد الآلاف من أهلنا في طول فلسطين وعرضها.
واليوم، يستمر الإسرائيليون في أسر ما يزيد عن أحد عشر ألفاً من إخواننا وأخواتنا، كما يستمرون في إنكار حق العودة لملايين اللاجئين الذين هجروهم وصادروا ممتلكاتهم. بالإضافة إلي ذلك، يستمر الكيان الصهيوني في تحدي القانون الدولي من خلال المضي قدماً في إنشاء جدار الفصل العنصري، وبناء مستوطنات جديدة أو توسيع المقام منها علي الأراضي المصادرة من الفلسطينيين. وفي انتهاك سافر للمواثيق والعهود الدولية يمضي الإسرائيليون قدماً في تهويد القدس، وقد استأنفوا مؤخراً أعمال الحفر في محيط المسجد الأقصي المبارك، والذي يمنع من الوصول إليه كل مواطن فلسطيني دون الخامسة والأربعين من عمره، وقامت قواتهم المدججة بالسلاح يوم الجمعة الماضي بانتهاك حرماته واقتحامه، معتدية علي المصلين، وموقعة العشرات من الإصابات بينهم.
أما وقد توصلنا اليوم في حركتي حماس وفتح إلي رأب الصدع وحل الخلافات والتوافق علي تشكيل حكومة وحدة وطنية، فلم يبق لدي المجتمع الدولي من حجة للإبقاء علي الحصار والاستمرار في فرض العقوبات علي شعبنا. إننا نعلم يقيناً بأن حكومات دول كثيرة حول العالم لا يسرها استمرار العقوبات، وتتمني رفع الحصار في أقرب وقت ممكن. إننا نرحب بأي تحرك في هذا الاتجاه، ونشكر كل الحكومات التي رحبت باتفاق مكة المكرمة.
يشتمل الوفاق الوطني الفلسطيني الذي تحقق في مكة المكرمة علي رؤية فلسطينية مشتركة، ينبثق عنها البرنامج السياسي لحكومة الوحدة الوطنية، الذي يؤكد علي إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة والاستقلال علي كافة الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس، ويتحقق بموجبها تحرير كافة الأسري والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، وتفكيك جميع المستوطنات، وضمان حق العودة للاجئين والنازحين.
حينما تتاح الفرصة أمام هذه الرؤية لتترجم علي أرض الواقع سيشكل ذلك خطوة مهمة علي طريق تحقيق السلام في المنطقة.
إن أمام دول العالم فرصة تاريخية لا ينبغي أن تضيع، كما ينبغي أن تتوقف كل محاولات ابتزاز الشعب الفلسطيني والضغط عليه بهدف إجباره علي تقديم التنازلات.
وحري بمن جرب هذه الأساليب أن يكون قد استوعب الدرس، فلا العقوبات ولا أي شكل من أشكال الابتزاز ستجبر الشعب الفلسطيني علي التوقف عن نضاله من أجل الحرية والاستقلال.
لقد فشلت كل مشاريع التسوية حتي الآن، لأنها ببساطة سعت إلي فرض حلول مجحفة بحق الفلسطينيين ومنحازة بالكامل لصالح الإسرائيليين، هذا بالإضافة إلي أنها انطلقت من فرضية أن النضال الفلسطيني في سبيل الحرية والاستقلال ما هو إلا شكل من أشكال الإرهاب التي ينبغي علي الفلسطينيين أن يتبرأوا منها. كما أن محاولة ضرب إسفين بين الفلسطينيين وتصنيفهم إلي معتدلين ومتطرفين أو صناع سلام وإرهابيين قد فشلت تماماً. نحن الآن متحدون ومتوافقون، وعازمون علي المضي في نضالنا إلي أن ننعتق من الاضطهاد ونتحرر من الاحتلال.
فهل سيغتنم المجتمع الدولي هذه الفرصة، ويستجمع إرادة دولية جادة لإجبار إسرائيل علي احترام حقوق الشعب الفلسطيني، والتوقف عن إعاقة ترجمة الرؤية الفلسطينية المشتركة التي أثمرها الوفاق الوطني إلي واقع؟ أم أن المجتمع الدولي سيظل ضعيفاً، عاجزاً وغير فاعل، في مواجهة التعنت والاضطهاد الإسرائيلي لشعبنا، مفوتاً بذلك فرصة تاريخية، ومخاطراً باستعداء الشعب الفلسطيني بأسره، بما في ذلك حماس وفتح وكافة الفصائل الفلسطينية.
إذا كان هذا ما سيؤول إليه الأمر، فإن العاقبة ستكون وخيمة علي وجه التأكيد، وستقع منطقة الشرق الأوسط بأسرها في دائرة من التصعيد الدموي قد يمتد لسنوات طويلة. وماذا عسي المجتمع الدولي أن يفعل حينذاك؟ علي الأغلب سوف يتجدد الحديث عن ضرورة بذل الجهود المضنية لجلب السلام إلي المنطقة، ولكن حينها ستكون دماء كثيرة قد سفكت وأرواح كثيرة قد زهقت، وولد جيل فلسطيني جديد، امتلأت صدور أبنائه بالمزيد من المرارة والكراهية، قد لا يكون مقبولاً لديه ما هو مقبول اليوم.
آن الأوان لأن تصحو الأمم الغربية وتدرك بأن الزمن لم يعد يعمل لصالح إسرائيل وما تقوم به من احتلال وتدمير وتوسع وجرائم قتل. كما لم يعد الزمن يعمل لصالح السياسات المنحازة لإسرائيل، ولن يخدم مصالح الأمم الغربية استمرارها في دعم إسرائيل بينما هي مستمرة في إرهاب شعبنا واحتلال أرضه وانتهاك حقوقه الإنسانية الأساسية والوطنية وتنتهك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية. إن تكاليف التأييد الأعمي لإسرائيل ستكون باهظة، وستكون عواقبه علي المصالح الحيوية الغربية علي المدي البعيد كارثية.
ينبغي أن يعلم الجميع أن الشعب الفلسطيني البطل، الذي ظل صامداً رغم الضغوط لا يساوم ولا يستسلم، بات اليوم يملك مفتاح السلام ومفتاح الحرب في المنطقة. وعليه فإن السلام والاستقرار لن يجدا طريقهما إلي المنطقة ما لم تحل قضية الشعب الفلسطيني، ولا نري ذلك ممكناً إلا من خلال إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق شعبنا كاملة غير منقوصة.