الاتفاق النووي مع كوريا الشمالية ونجاح أسلوب المفاوضات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس 15 فبراير 2007
ديفيد سنجر
قبل عام فقط لم يكن من السهل تصور أن الرئيسين جورج بوش و"كيم يونج إيل" سيتوصلان إلى الاتفاق المهم الذي وافقا عليه قبل يومين. فبمقتضى الاتفاق الذي أعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي ستعمد كوريا الشمالية إلى وقف أنشطتها النووية، وإغلاق منشآتها، على أمل تفكيكها نهائياً. ويأتي الاتفاق كجزء من صفقة كبرى كانت إدارة الرئيس بوش تصر على تفاديها في السابق لما تتضمنه من حوافز سخية لبلد تعتبره واشنطن استبدادياً بامتياز في ظل عدم إعلان كوريا الشمالية صراحة متى ستتخلى عن ترسانتها، أو حتى فيما إذا كانت ستتخلى عنها فعلاً. لكن طيلة الشهور القليلة الماضية جرت مياه كثيرة تحت الجسر وتغيرت أشياء عديدة سواء بالنسبة للرئيس بوش، أو نظيره "كيم يونج إيل"، اللذين لم يدعا فرصة تمر دون التأكيد على كراهيتهما لبعضهما بعضاً. واليوم يجد الرئيسان نفسيهما في مواجهة مشاكل هائلة، فضلاً عن حاجة ماسة لتحقيق إنجاز ما.
وبالنسبة للرئيس بوش الذي يعاني من تدهور الأوضاع في العراق، وتراجع سلطاته عقب انتخابات الكونجرس الأخيرة لا يستطيع إضاعة الفرصة هذه المرة لإظهار التقدم المتحقق على طريق نزع سلاح بلد أجرى اختباراً نووياً قبل أربعة أشهر فقط. وكما عبر عن ذلك أحد المسؤولين في الإدارة الأميركية خلال الأسبوع المنصرم يشكل احتمال ترك الرئيس بوش العراق وأفغانستان وإيران وكوريا الشمالية أكثر خطورة مما كانت عليه "أمراً لا يبعث على الارتياح". ومع ذلك جاء الاتفاق الأخير مع كوريا الشمالية وسط انتقادات شديدة وجهت للإدارة الأميركية من قبل شخصيات "يمينية"، وأخرى "يسارية" باعتباره خطوة متأخرة لا تقدم الكثير.
فلسنوات عديدة غرقت إدارة الرئيس بوش في حرب أيديولوجية بين من أرادوا تركيع كوريا الشمالية وعدم تقديم أية تنازلات يستفيد منها النظام القمعي في بيونج يانج، وبين من اعتبروا أنه من الأفضل التفاهم مع كوريا الشمالية وإخراجها من العزلة المحيطة بها. وبموافقة الرئيس بوش على توقيع الاتفاق الأخير مع كوريا الشمالية يكون الرئيس الأميركي قد انحاز إلى صف دعاة إشراك بيونج يانج بدل عزلها، لاسيما موقف وزيرة خارجيته، كوندوليزا رايس، وكبير المفاوضين "كريستوفر هيل". وقد أقدم الرئيس بوش على هذه الخطوة الجريئة على أمل أن يتمكن خلال الشهور القليلة المقبلة من الإعلان أمام الرأي العام الأميركي والدولي أن كوريا الشمالية لن تقوم بإنتاج وقود جديد لبرنامجها النووي، حتى ولو احتفظت بأسلحتها القديمة. أما فيما يتعلق بالرئيس "كيم يونج إيل"، فقد تحول التفجير النووي المتواضع الذي أجراه نظامه بالمناطق الجبلية القريبة من الحدود الصينية في شهر أكتوبر الفائت إلى خطأ استراتيجي قاتل. فالصينيون الذين أمضوا ستة عقود يدافعون عن كوريا الشمالية ويحمون نظامها ردواً على التجربة النووية لـ"كيم يونج إيل" بقطع معوناتهم العسكرية والتعاون مع واشنطن لملاحقة البنوك التي تمول الحياة المرفهة للقيادة في كوريا الشمالية. وفي هذا الإطار يقول "روبرت جالوشي"، كبير المفاوضين مع كوريا الشمالية خلال فترة الرئيس بيل كلينتون والذي توصل إلى اتفاق عام 1994 "لقد شكلت التجربة النووية التي أجرتها كوريا الشمالية خطاً أحمر ودفعت الرئيس بوش والصينيين للتحرك بسرعة لمعالجة الموقف".
وبموجب الاتفاق الجديد الذي وقع مؤخراً يتعين على كوريا الشمالية عدم الاكتفاء فقط بتفكيك مفاعلاتها النووية ومنشآتها لمعالجة الوقود النووي، بل السماح أيضاً للمفتشين الدوليين بالاطلاع على برنامج نووي ثانٍ يشتبه في أن بيونج يانج تعكف على تطويره. وفي المرحلة الثانية من الاتفاق، التي تعطي لعملية نزع السلاح معناها الحقيقي، يتعين إقناع كوريا الشمالية بالتخلي النهائي عن واسطة عقدها المتمثلة في الأسلحة التي تشد أنظار العالم للنظام في بيونج يانج. لكن قبل تفرغ الإدارة الأميركية للتعاطي مع نظام "كيم يوج إيل" عليها أولاً التعامل مع الانتقادات الموجهة إليها من داخل الولايات المتحدة. فلم تكد إدارة الرئيس بوش تهنئ نفسها على ما اعتبرته "خطوة أولى" على طريق نزع سلاح كوريا الشمالية حتى وجدت نفسها عرضة لانتقادات "المحافظين" الذين عارضوا دخول واشنطن في مفاوضات مع نظام مدرج على قائمة دول "محور الشر"، فضلاً عن انتقادهم ما اعتبروه استنساخاً لاتفاق سابق كان الرئيس كلينتون قد توصل إليه مع كوريا الشمالية.
والأكثر من ذلك واجه مستشارو الرئيس بوش معارضة موظفين سابقين في إدارة الرئيس كلينتون الذين جادلوا بأن الاتفاق المبرم يوم الثلاثاء كان في المتناول طيلة السنوات الماضية لو فقط اختار الرئيس بوش طريق التفاوض مع كوريا الشمالية بدل التركيز على إسقاط النظام. والواقع أن عناصر من الاتفاق الجديد لا تختلف كثيراً عن صفقة كلينتون المعروفة باسم "اتفاق الإطار"، حيث تعهدت بيونج يانج وقتها كما اليوم بتجميد أنشطتها في منشآتها النووية الرئيسية والسماح بدخول المفتشين الدوليين. وعلى غرار الاتفاق السابق يتوقع الحالي أن تتخلى كوريا الشمالية في النهاية عن جميع المواد النووية التي بحوزتها. غير أن الاتفاقين، ورغم بعض نقاط التشابه بينهما، يختلقان في نقطتين أساسيتين: أولاً، ربط حصول كوريا الشمالية على الحوافز التي كان الغرب قد تعهد بتوفيرها في الاتفاق السابق بتفكيك منشآتها النووية الرئيسية والإفصاح عن أماكن إخفائها لأسلحتها النووية. أما الاختلاف الثاني فيتجسد في أن الاتفاق الحالي لا يقتصر فقط على الولايات المتحدة، بل يضم أيضاً بكين وموسكو وسيئول، ثم طوكيو.
وقد علقت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على هذه المسألة قائلة: "نحن نسعى إلى بناء مجموعة من العلاقات بين الأطراف المختلفة"، مشيرة إلى الجهود التي بذلها الرئيس بوش لدى الصين لتغيير مواقفها السابقة إزاء كوريا الشمالية وإقناعها بضرورة الضغط على حليفتها التقليدية.