طهران تبتعد عن دمشق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الخميس 15 فبراير 2007
أحمد الجارالله
الصورة الشعبية التي تجلت أمس في الذكرى الثانية لاستشهاد الحريري وسط بيروت أظهرت حجم الأكثرية في لبنان, وهي أكثرية عابرة للطوائف والأديان والمذاهب, وأظهرت مدى التحضر الذي تمتاز به هذه الأكثرية, ومدى تحالفاتها الوثيقة الممتدة في عروق الشعب اللبناني, والمقطوعة الصلة بأي طرف أجنبي خارجي, سوري أو إيراني.
صورة الأكثرية المتحضرة التي شاهدها العالم العربي والعالم أمس تكفي لوحدها لحسم الصراع المفتعل في لبنان من قبل حلفاء النظام السوري وتوابعه, وللقول بأن هؤلاء الحلفاء يقودون صراعاً خارجياً في الساحة اللبنانية على حساب مصلحة الوطن اللبناني, وبأنهم, بهذا المعيار, يعملون في خدمة بلد آخر غير بلدهم, وحكومة أخرى غير حكومتهم.
الجماهير اللبنانية الحاشدة أمس أثبتت أن الخيار الشعبي أصبح محسوماً لجانب لبنان الحر الديمقراطي والمستقل, ولحساب الدولة الواحدة التي لا يسمح وجودها بقيام الدويلات تحت أي مسمى كانت, ولو كان المسمى إلهياً.
نحن الآن, وبعد الحشودات الشعبية اللبنانية أمس, واثقون أكثر من أي وقت مضى بأن دماء الحريري وما تبعه من شهداء أبرياء, لن تذهب هدراً وبالتالي فإن الهزيمة النهائية ستلحق بأعداء المشروع السيادي والاستقلالي للأكثرية, وبأن المحكمة ذات الطابع الدولي التي سيمثل أمامها القتلة آتية لا محالة, وبأن من يدعي ضرورة وضع الاشتراطات عليها, والخوف منها, لن يكون إلا الطرف غير اللبناني الذي يشير إلى نفسه بتهمة الارتكاب قبل أن يتهمه الآخرون, ويوكل بعض اللبنانيين, الذين يريدون السوء ببلدهم, للدفاع عنه, وتأخير إقرار المحكمة, ومنعها من الحلول به وإمساكه, وإنزال العقوبة به.
الذين أحيوا الذكرى الثانية لاستشهاد الحريري كانوا كل الشعب اللبناني, بمعنى الانتماء للوطن وتحريم الانتماء لسواه... كانوا كل الأكثرية بالمعنى اللبناني الرافض للوصايات الأجنبية أياً كانت هوياتها عربية أو غير عربية... وهؤلاء احتشدوا بنظام وأناقة, لم يعتدوا على أملاك أحد, لم يكسروا سيارات أحد, ولم يقطعوا الطرقات بالدواليب المحروقة على أحد, ولم يستفزوا أحداً, ولم يتوجهوا إلى الآخر الغوغائي الرابض قبالتهم تحت الخيام في ساحة مقابلة, ولم يستدرجوه إلى العراك والتصادم والاقتتال. هذا هو الشعب اللبناني, وتلك هي إرادته, ولا يجوز بعد اليوم للآخرين اتهامه بعيوب كامنة فيهم وليست فيه, فهو يتبع قلبه وهم يخونون هذا القلب, وهو يلبي نداء وطنه ودولته وهم يلبون نداء النظامين السوري والإيراني بكل إذلال التبعية وهوانها وتناقضها مع العنفوان الوطني.
الذين احتشدوا أمس في الذكرى كانوا مواطنين لبنانيين, تحدثوا عن وطنهم, وأعلنوا الحب على وطنهم... لم يرفعوا الشعارات المعبرة عن ولاءات أخرى خارجية, ولم يهتفوا لسواهم خلف الحدود, ولم يلوحوا بصور الزعامات الأجنبية. كل ما فعلوه أنهم عبروا عن أنفسهم برفع علمهم اللبناني لوحده, وهتفوا باسم الدولة اللبنانية الواحدة, وأطلقوا شعار المقاومة وبأنها الجيش اللبناني, وبأنها الشهداء, وبأنها الحكومة وبأنها كل أبناء الشعب.
لا شك أن إيران رأت هذا المشهد الوطني الصافي, وأدركت مع من يجب أن تتحالف, إذ تقع تحالفاتها الآن خارج مجموع اللبنانيين, والتي لن تعود عليها في آخر الأمر بغير الهزائم والاندحارات. إيران محتاجة الآن إلى إعادة النظر في كل تحالفاتها المعروفة والتقليدية, والقائمة على التبشير المذهبي, وعلى المتمذهبين, وإعادة النظر هذه مطلوبة في هذه الظروف الإقليمية والدولية لأجل صياغة علاقات صحيحة وتحالفات سليمة ترتكز على معرفة النفس, وعلى أن إيران ما هي إلا بؤرة أقلاوية صغيرة قياساً بالجمع العام للمسلمين, وبأن شغبها في لبنان, بواسطة "حزب الله" لن يحول جموع المسلمين إلى المذهب الشيعي, ولن يشيع جموع الشعب اللبناني التي يؤيد كل العالم ثورتها من أجل الحرية والسيادة والاستقلال, وإعادة النظر في المواقف, بعد الاحتشاد الجماهيري في وسط بيروت, لا يجب أن يدفع إيران إلى إعادة النظر بتحالفاتها داخل لبنان فقط, بل فك ارتباطها بالنظام الحاكم في سورية والذي لا هم له هذه الأيام إلا رفع سيف المحكمة الدولية عن رقبته.
تظاهرات الشعب اللبناني أمس كانت لإحياء الذكرى الثانية لاستشهاد الحريري, وكانت في الوقت نفسه مؤشراً على حصول التحولات الكبرى في الشرق الأوسط حيث ستعود إيران إلى التغريد داخل السرب تاركة نظام دمشق يلاقي مصيره وحيداً ومنفرداً ومعزولاً.