عرض الحريري ... والانتظار المدمّر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
وليد شقير
لن يكتفي المعارِضون لقيام المحكمة ذات الطابع الدولي من أجل محاكمة المتَّهمين في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها، بدلالات التجمّع الشعبي الحاشد في الذكرى الثانية للجريمة، للإقبال على التسوية الداخليّة.
فإذا كانت النتيجة الرئيسة لهذا التجمّع، من بين نتائج عدّة، هي أنه شكّل رافعة شعبيّة لمطلب الأكثريّة وقوى 14 آذار إقرار المحكمة، "كمعبر وحيد إلى حلّ شجاع"، كما قال زعيم تيّار "المستقبل" النائب سعد الحريري في كلمته، وكما قال سائر الخطباء خلال المناسبة، كلّ على طريقته، فإن الفريق الآخر، أي المعارضة، تجنّب التعاطي مع دعوة الحريري.
وإذا كانت الكلمة الأبرز في المهرجان، أي كلمة الحريري، صاحب القضية الأولى في موضوع المحكمة، من بين أهل وأبناء الضحايا، أصحاب القضية الآخرين الذين ينشدون العدالة، تضمّنت تكرار زعيم "المستقبل" أمام الجموع المحتشدة مد يد الحوار "لنتوصّل إلى القرارات الشجاعة" التي تضمن المحكمة وحكومة "تتمثل فيها كل الكتل النيابية"، فإن الإشارات الإيجابية التي أعطاها الأخير، لم تلق رداً عليها. قدّم الحريري عرضاً، يتناول مطلب المعارضة الرئيسي بقيام حكومة الوحدة الوطنية، لكن قادة المعارضة، بدلاً من أن يجيبوه، فضّلوا إجابة رئيس "اللقاء النيابي الديموقراطي" وليد جنبلاط على هجومه ضدّ القيادة السورية، ورئيس الهيئة التنفيذية في "القوّات اللبنانية" سمير جعجع وهجومه ضدّ رئيس الجمهورية اميل لحود.
الحريري يطرح صيغة علنية منفتحة، في خطابه، وقبله في مقابلة تلفزيونية على محطة "ال بي سي"، في شأن معادلة المحكمة - الحكومة، إلا أنّ الردّ يأتي على غيره.
وهذا ليس صدفة إذا كان الجواب الفعلي لن يأتي من الداخل اللبناني، بل من الخارج. فرئيس المجلس النيابي نبيه برّي لم يتوقف عن الترداد، أمام المفاوضين الجديين الذين يلتقيهم، انّ تحسين العلاقة السورية - السعودية هو بمثابة مفتاح الحلّ في الخلاف الدائر على معادلة المحكمة - الحكومة. وقد يرمز اختيار المعارضة وبعض رموزها الردّ على هجوم جنبلاط على القيادة السورية والردّ على هجوم جعجع على لحود قياساً إلى التجاوب المطلوب منهم مع مبادرة الحريري، إلى استمرار الصعوبات الخارجية القائمة أمام إحداث تقدم في أي تسوية داخلية.
لكن المأساة تكمن في أن انتظار الخارج قد يطول، وقد يتعدّى استحقاقات اقليمية كثيرة منها عقد القمّة العربيّة في آخر شهر آذار (مارس) المقبل في المملكة العربية السعودية. والمراهنة على أن تفرض الاتصالات الاقليمية الحلّ على اللبنانيين فرضاً، وهو ما يتمنّاه بعض المعارضين تجنباً للإحراج مع بعض هؤلاء الحلفاء، يبدو وسيلة لتقطيع الوقت والانتظار لا أكثر. فالمعارضة تراهن في سياق انتظارها الجهود الايرانية - السعودية أن تضغط الرياض على الأكثرية للقبول بحلّ يجنّب القوى الرئيسة فيها خلافاً مع سورية. وهذا ليس وارداً حتى الآن، إذ إنّ الرياض متمسّكة بمبدأ قيام المحكمة في أي حل. والأكثرية تراهن على ان تقنع طهران "حزب الله" وحركة "أمل" بحلّ يؤدي إلى التوافق على المحكمة، لتسلّم هي للمعارضة بصيغة مرضية لتوسيع الحكومة، لكن الأسابيع الماضية أثبتت صعوبة ذلك إذ إنّ الجانب الايراني وأصدقاءه في لبنان لن يتخلوا عن مطلب دمشق تأجيل البحث في المحكمة إلى ما بعد التحقيق الدولي.
إذا بقي لبنان على هذا المنوال من الانتظار للخارج فإنّ تعلّق بعض زعمائه بحبال الهواء سيقودهم إلى الوقوع في الفراغ المجهول النتائج.
فالقوى الخارجيّة والاقليميّة، وهي تحاول صوغ اتفاقات على معالجات للأزمات الكبرى، تخوض اختبارات بين بعضها بعضاً قد تؤدي مجرياتها ونتائجها إلى جعل الأزمة اللبنانيّة في مرتبة ثانية وثالثة من الاهتمام. وهذه القوى تختبر مدى قدرتها على تنفيذ اتفاق مكة بين حركة "فتح" وحركة "حماس" على قيام حكومة وحدة وطنية، وسط ترقب لمناورات كل من الأفرقاء الاقليميين المعنيين بهذا الاتفاق. فطهران استبقت الاجتماع باستقبالها الأمين العام لحركة "الجهاد الإسلامي" رمضان شلّح، في إشارة إلى أن تسهيلها إقبال "حماس" لا يلغي أوراقها الأخرى. وتوجيه رئيس المكتب السياسي لـ "حماس" خالد مشعل الشكر لسورية لأنها سهّلت اجتماع مكة، يعني أنّ سورية مقابل هذا التسهيل (إذا حقق نتائجه النهائية) ترى أنه يحق لها التشدّد في لبنان, خصوصاً أنها تلقّت تقدير بعض الدول الأوروبية على دورها في جمع التنظيمين الفلسطينيين.
ولذلك قد يتحوّل انتظار بعض القادة اللبنانيين الترياق من الخارج إلى انتظار مدمّر، بعدما وعدوا بحلول قريبة...