لماذا يقول أكثر الأفغان ’’أعيدوا إلينا طالبان’’؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
جان ماكنزي - كي آر تي
قال مرافقي في تناول الغداء "ينبغي على القوات ان ترحل فحسب، ويجب ان تعطي السلطة لطالبان. وستتخلص من أمراء الحرب في غضون أسبوعين فقط".
تم النطق بهذه الكلمات بنوع من الغل حتى أنني صعقت، فلم يكن المتحدث رجلا ملتحيا او متشددا بعمامة، وانما رجل شاب يرتدي سروالا من الجينز الأزرق وسترة جلدية. كان "وحيد" صديقا لي عرفته منذ عدة سنوات. وعلى طبق الباذنجان المبهر، سألته كم من الأشياء كانت أفضل قبل مجيء "الاميركيين" (في افغانستان يعتبرون كل القوات الأجنبية أميركية بغض النظر عن بلدها الأصلي). وربما كان يفترض بي أن أتوقع ردة فعله الغاضبة، فقد كان ابن صديق له يبلغ من العمر 16 عاما قد اختطف لتوه على يد عصابة اجرامية تحتفظ به كرهينة مقابل فدية، وهي مجرد دلالة اخرى واحدة فحسب على ان الاوضاع الامنية في كابول قد باتت خارج نطاق السيطرة.
في الحقيقة، كان معظم شركائي في غداء ذلك اليوم اكثر انزعاجا من هذه المجموعات المجرمة المنتسبة عادة لأمير حرب محلي سابق من الارهابيين المرتبطين بطالبان. واعتبر نور الرحمن الذي كان يشاركنا الغداء "ان طالبان فعلت الكثير من الاشياء السيئة... لكنهم فعلوا بعض الأشياء الجيدة.. ربما كانت نسبة الاشياء السيئة 40%، والجيدة 60%".
بالنسبة لغربي مثلي، فقد بدا ذلك نوعاً من الهرطقة. فتساءلت مستنكرا "ولكن، ماذا عن بتر ايادي الناس؟" فاجاب نور الرحمن "حسنا، لم يقدم أحد بعد ذلك على ارتكاب سرقة"، فسألت "وماذا عن عدم تعليم البنات؟ وعن عدم وجود وظائف للنساء؟" فأجاب وحيد متسائلا "وهل تعتقد انه من الافضل الآن ان تذهب الفتاة الى المدرسة وتختطف وتغتصب على الطريق؟".
يسمع المرء مثل هذه المشاعر بشكل متزايد هذه الايام في كل انحاء افغانستان. وتشبه الحالة قليلا تلك الطريقة التي تحدث فيها الروس في التسعينيات من القرن الماضي عن "الايام القديمة الجيدة" قبل انهيار الاتحاد السوفياتي عندما كانت النقانق تكلف روبلين، وعندما كان كل شخص يستطيع الذهاب لقضاء الاجازة على شواطئ البحر الاسود.
وهذا هو واقع الحال مع العديد من الافغان الذين اقنعوا انفسهم بأن الفساد والعنف والجريمة هذه الايام قد باتت أسوأ بكثير من التعاليم الاصولية التي كانت تفرض بقوة سوط الجلاد أيام طالبان.
وفي الاثناء، اعترف شركائي بأنهم سيخسرون الكثير اذا ما عادت طالبان إلى الحكم في افغانستان، فهم قد يضربون أو يسجنون أو اسوأ من ذلك، حتى لمجرد اقترانهم علناً بامرأة غربية. ومع ذلك، وبالنسبة للرجال، فقد قالوا انهم يفضلون الايام التي كان كل ما يترتب عليك فعله فيها هو اطلاق لحيتك وارتداء عمامة حول رأسك واداء الصلاة خمس مرات في اليوم لتبعد نفسك عن المشاكل. وقال غارديش فيما هو ينهي غداءه "كنت تستطيع ان تترك بابك مفتوحا اثناء الليل... اما الآن، فإنني اشعر بالخوف حتى خلال النهار".
من الطبيعي ان تلعب حقيقة ان شركائي في الطعام كانوا كلهم من عرق الباشتون دورا في التأثير على عواطفهم تجاه طالبان.
وفي الحقيقة, فإنه من الصعب فهم أي شيء عن افغانستان من دون أيضا فهم شيء ما عن النديات والعداوات الاثنية المزمنة. فالباشتون هم المجموعة العرقية التي تشكل الأغلبية في افغانستان، حيث تصل نسبتهم الى حوالي 42% من مجموع السكان طبقا لمعظم المصادر (رغم أنني لم اجتمع قط مع باشتوني لم يكن على قناعة راسخة بان الرقم الفعلي هو اقرب الى 65%، وانه خفض بشكل رسمي عن عمد بهدف خفض معنويات الباشتون). وينتسب الطالبان في اغلبهم الى الباشتون، كما ان الكثير من التقاليد المقترنة بالطائفة المتشددة قد انبثقت من "باشتون والي"، وهو قانون السلوك لدى هذه الجماعة القبلية، وليس من الاسلام.
عندما كانت الولايات المتحدة تبحث عن حلفاء لاقصاء طالبان في عام 2001، لجأت الى مجموعة تعرف باسم التحالف الشمالي- الذي تألف في اغلبه من امراء الحرب الطاجيك والازبكستان والهزارة- الذين اكتسبوا سمة الشدة بينما كانوا يخوضون حربا فيما بينهم وضد السوفيات وضد طالبان. وبالرغم من ان الولايات المتحدة قد ساعدت في جلب الرئيس حامد كرزاي، وهو من الباشتون، الى سدة السلطة بعد سقوط طالبان، فان العديدين من اعضاء التحالف الشمالي قد احتلوا مناصب رفيعة، وهو أمر لن يتسامح فيه الباشتون ابدا.
تمتم غارديش قائلا "عندما كان الاميركيون بصدد العودة الى كابول في عام 2001، كنا كلنا هنا نقول: اذا كنتم تخططون لجلب التحالف الشمالي ثانية فاتركونا وحدنا مع طالبان". واضاف قائلا "لك ان تنظر الى ما فعلوه، ان أمراء الحرب قد عادوا الى السلطة". واستنادا الى اقوال شركائي في الغداء، فان غضبة الباشتون ومشاعرهم المؤيدة لطالبان يمكن ان تتطور الى منحى خطر.
ان ما يجب ان يؤرق مضاجع الغرب هو حقيقة انه يجري التعبير عن هذا الغضب على لسان اشخاص عقلانيين ومثقفين في افغانستان، والذين احترم آراءهم إزاء معظم المسائل. انهم شرفاء وجديون ولا يلجأون الى العنف.
ولعل ما يثير القلق هو ان نسبة كبيرة من الناس تشاركهم وجهة نظرهم، وبحيث يمكن ان تكون تبعات ذلك كارثية.