جريدة الجرائد

مجتمعات الخليج... مرحلة انتقالية مُعقدة

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


خليل علي حيدر

لم يشتد الشعور بالمخاطر التي تهدد الوحدة الوطنية في العالم العربي اشتداده هذه السنوات، فالتخوف على تماسك شرائح المجتمع وطوائفه، تعاظم حتى في البلدان العربية العريقة والمجتمعات شديدة الاندماج مثل مصر.

وليس القصد في هذا المقال مناقشة هذه المخاوف أو تحليل مدى جدية هذه المخاطر، ولكن ما من أحد من المتابعين للأوضاع السياسية والاجتماعية العربية عموماً، إلا وينتابه شيء من القلق، وربما كثير من القلق، من تهديدات التفكك والتمزق، ومن بعض المشاعر القومية أو المذهبية أو القبلية التي صارت تتّقد هنا وهناك.

ولقد كان تجاوب جمعيات وروابط الاجتماعيين بدول مجلس التعاون مع هذه الظاهرة، ومحاولة دراستها ومناقشتها في ملتقاها الثامن بالكويت 3- 5 فبراير 2007، فرصة مثمرة، التقى فيها جمع من الأكاديميين والمهتمين من مختلف دول الخليج لدراسة الوضع وتحليل بعض القضايا المتعلقة بقضية "الوحدة الوطنية" من مختلف الزوايا.

تناولت هذا الموضوع د. هيلة المكيمي من جامعة الكويت في ورقتها "المواطنة في ضوء التحولات الإقليمية والدولية"، وتحدثت في مشاكل القبيلة والطائفية والتجنيس. وحذرت من "أن استشراء ظاهرتي القبلية والطائفية مؤخراً في العديد من الدول العربية بما فيها دولة الكويت، يعتبر تحدياً خطيراً لمفهوم المواطنة، ما يعني أيضاً تهديداً لمشروع بقاء الدولة".

وطالبت د. المكيمي الجماعات الإسلامية بشقيها الشيعي والسُّني، "أن تؤصل فكرة المواطنة، وأن تؤكد أن الاعتزاز بالهوية الوطنية لا يتعارض مع الانتماء الديني".

وقدم د. عبدالمحسن العصيمي، أمين عام رابطة الاجتماعيين في المملكة العربية السعودية ضمن ورقة مفصلة قراءة مستقبلية للخليج. ومن أبرز ما أشار إليه في ورقته ما اعتبرها "العوامل الاجتماعية المؤثرة في ضعف المجتمع حضارياً". من هذه العوامل، عدم وجود رؤية مجتمعية عامة للأمة والدولة للتجدد، وعدم وجود مراكز تخطيط قوية، والركود الاجتماعي والثقافي، وعدم الاهتمام بالمؤسسات الاجتماعية الوسيطة الداعمة، والفساد بأشكاله ودرجاته، وأخيراً "تضخم السلطة السياسية لتصبح هي المنتج والمستهلك لكل ما يجري"!

وهناك كذلك "عوامل فردية"، اعتبرها د. العصيمي مؤثرة في ضعف المجتمع حضارياً، مثل تراجع الشعور بالمسؤولية أمام المجتمع، وضعف الثقة في المؤسسات الاجتماعية والثقافية، وتدني الاهتمام بالإنسان، وعدم وجود إطار واضح للقيم، والتغيرات السريعة في العالم، والفقر والبطالة، وأخيراً "الشعور بأن مؤسسات المجتمع الوسيط المدني، الديني، الثقافي الخيري مؤسسات نخبة ذات خصوصية، أو مصالح محددة". وهذه الأخيرة مشكلة تعاني منها ربما مختلف هذه المؤسسات في دول الخليج والعالم العربي، أي عدم القدرة على اجتذاب قطاعات واسعة من الجمهور!

ولاحظت د. سلطانة معاد، من المملكة العربية السعودية، في ورقتها، أن المرأة في البيئة القبلية والطائفية، تعاني العديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والتعليمية والزواجية، "ففي ظل القبيلة تظهر مشكلات التهميش والمحدودية للمرأة والتمييز".

وكانت ورقة د. "سوسن كريمي"، الأستاذ المساعد بكلية الآداب بجامعة البحرين، من أهم الأوراق المقدمة للملتقى، وحاولت الباحثة فيها دراسة تجليات الظاهرة الطائفية في بلادها، حيث اعتبرت الطائفية شكلاً من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وأشارت الباحثة إلى أن الصراعات الاقتصادية البحرينية، إلى جانب الصراعات الإقليمية والعالمية، جعلت البحريني يسمي أشكال التمييز العنصري بمسمى الطائفية بمدلولها المذهبي الديني، لأن الدين أقوى عنصر من عناصر البنية المجتمعية في البحرين، ذلك لما لهذا العنصر من حضور وقوة وفعالية في تركيبة الثقافة البحرينية.

وقد ألقت د. سوسن كريمي في دراسة سريعة شاملة، أضواء قوية على الجذور التاريخية والاجتماعية، وتضمنت ورقتها الكثير من المعلومات القيمة عن المجتمع البحريني مما لا مجال لعرضه هنا، ولكن المساواة بين مفهومي الطائفية والعنصرية لا تزال في رأيي قفزة مصطلحاتية... في الظلام!

شارك في الملتقى العديد من الباحثين الكويتيين، إلى جانب د. هيلة المكيمي، ومنهم د. يعقوب الكندري الذي بحث باستفاضة القبلية والطائفية في ثقافة المجتمع، ود. لطيفة الكندري، التي تناولت بناء الهوية الوطنية للطفل، وهو نفس الموضوع الذي درسته د. سهام الفريح، رئيس الجمعية الوطنية لحماية الطفل، ود. محمد اليوسفي، الذي تناول التطورات الجديدة في مسألة الجنسية في دول الخليج وقضايا "البدون". أما د. اليوسفي، صاحب الاهتمام الممتد بالقضية، فقد لاحظ أن وضع "البدون" في الكويت يبقى الأكثر مأساوية، وتبقى معاناتهم الأطول بين دول الخليج، ويبقى كذلك حل مشكلتهم الأصعب، "نظراً لخضوع قضيتهم للمقايضات والمساومات السياسية بين أعضاء مجلس الأمة".

وقدمت د. لطيفة الكندري ورقة مطولة تضمنت "خطوات عملية في تعميق المواطنة"، وهي خطوات، اقترحت الباحثة، وهي مديرة المركز الإقليمي للطفولة والأمومة، أن تبدأ مع سنوات العمر الأولى. من هذه الخطوات، كما جاء في الورقة: شجِّع طفلك على المشاركة في العمل التطوعي، ادعُ ضيوفاً من الجنسيات والثقافات الأخرى إلى بيتك، اصطحبْ ابنك لزيارة المقرات الانتخابية، علِّم ابنك عدم قبول الظلم أو السكوت عنه، أظهرْ الابتسامة لمن تتعامل معهم في محطة البنزين والمطعم، تعاملْ مع مستخدميك بأسلوب حضاري، لا تكثرْ من الجوائز العينية واجعلْ طفلك يقوم بواجباته الحضارية، تحدثْ معه عن التحديات التي تجابه البلد.

أثار الملتقى الذي استضافته "رابطة الاجتماعيين" في الكويت برعاية سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح، الكثير من الأسئلة والمداخلات حول الأوراق المقدمة والمواضيع المطروحة. ومن بين هذه المواضيع تعميق المواطنة، وتعويد الفرد على العطاء والمشاركة، وقضايا التربية والتعليم، ومستقبل الحوار الوطني، والقبيلة والفجوة بين مجتمع القبيلة ومجتمع المدينة، والأوضاع الجديدة للمرأة الخليجية بعد إقرار مشاركتها السياسية وارتفاع نسبة النساء في مختلف الوظائف.

مجتمعات دول الخليج كما بدا من الأوراق المقدمة، تعيش في مرحلة انتقالية مُعقدة، إذ أنها تضع رِجْلاً في بيئة عربية إسلامية قبلية محافظة وأحياناً شديدة المحافظة، وأخرى في واقع متقدم معولم فرضته الثروة ومستويات التعليم ودخول المرأة الحياة العامة على نطاق واسع نسبياً.

ففي مجال التعليم مثلاً، وكذلك التوجيه التربوي، ثمة تذبذب واضطراب في الاختيار بين التربية المحافظة والتربية العصرية. وفي المجال الاقتصادي ثمة تنازع بين التوجه الكامل نحو الخصخصة والاقتصاد الحُر أو الاستمرار في دور الدولة الاقتصادي. وقد لاحظت د. كريمي مثلاً أن معظم القوى العاملة البحرينية تعتمد، بعكس العمال الأجانب، "على وظائف حكومية التوجهات، لا على القطاع الخاص، مما يعطي البحرينيين خيارات أقل لبناء حياتهم دون الاعتماد على الحكومة في الحصول على أرزاقهم". ومثل هذه الظاهرة شديدة التكرار في دول مجلس التعاون لها الكثير من السلبيات كما هو معروف.

ورغم تنوع الآراء التي نوقشت في الملتقى، والحوارات التي دارت حول الأوراق، كان الإحساس السائد في نهايته بأن الحوار حول الوحدة الوطنية لا يزال بحاجة إلى الكثير من الأبحاث والدراسات، وإلى المزيد من الحرية في التناول واقتراح الحلول، وبأن هذا الحوار ربما.. بالكاد بدأ!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف