مرة جديدة يسعى وليد جنبلاط الى طردنا من 14 آذار!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
حازم الأمين
انها المرة الثانية التي اشارك فيها في تظاهرات تنظمها جماعة 14 آذار اللبنانية، وأشعر ان مكاني في هذه المناسبات اضيق مما كان عليه في المرات التي سبق ان شاركت فيها. قليلون الذين يشبهونني، او الذين ارى نفسي الى جوارهم. في هذه المرة كانوا اقل من المرة السابقة، وأخشى ان ينعدموا في المرات اللاحقة. قبل ان اشارك ساورتني مخاوف من هذا النوع، لكنني قررت المشاركة مدفوعاً برغبة في حجز مكان لي وللذين يشبهونني. كان الأمر صعباً، فقد نجحت جماعة 8 آذار في دفعنا الى مشابهتها، او في تضييق هامش مشاركة افراد في تحرك جماعات الى ادنى مستوى. وتحولت مناسبة الذكرى السنوية الثانية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري الى حشد جماعات في مقابل جماعة. المعاني لا مكان لها في هذه المعادلة. الاغتيال الذي استهدف قيام بلد، والسعي الذي اعقبه لإقامة العدالة، تم اختصارهما في احياء عصبية في مقابل عصبية. وبهذا المعنى صار مكان الخارجين من عصبياتهم في تحرك "الجماعة الاستقلالية اللبنانية" اضيق مما كان عليه قبل سنة.
الخطباء والجمهور والشعارات والوجوه... كلها عناصر يمكن رصد تغير المعاني فيها. وليد جنبلاط حوّل المناسبة والتظاهرة الحاشدة الى منصة ثأر شخصي. نزع عنها اي مضمون سياسي. كلمات من مثل "القرد" و "الأفعى" و "التبن" حين تصبح مضمون خطاب في مناسبة كهذه، يعني ذلك اننا حيال تحويل جوهري وأخلاقي لمعنى خلافنا مع سورية ومع حلفائها في لبنان. وجنبلاط حين اقدم على ما اقدم عليه فعل ذلك بوحي من شعوره انه حيال كتلة متراصة مستقبلة كلامه مهما تضمن، او هي راغبة في سماع المزيد. لكن هذا ليس ما طمحنا الى تعريف انفسنا به حين انخرطنا في الحركة الاستقلالية تلك. لا بل إن 14 آذار، ولكي تحافظ على المعاني التي حملتها لحظة ولادتها، عليها ان تحاسب وليد جنبلاط وأن تشعره بأن شروط تزعمه لها (من بين زعماء آخرين) مختلفة عن تلك الشروط التي اخرجت زعامته في الجبل وفي الحزب الاشتراكي. 14 آذار ستخسر كثيرين، وهي بدأت تخسرهم اذا لم تكترث الى ذلك الفارق بين الخلاف السياسي مع سورية، وبين خلاف وليد جنبلاط غير السياسي معها.
ربما قال قائل (وهو قالها) ان اللحظة تقتضي ايقاظ غرائز وشد عصبيات، والسياسة الآن تتمثل في النجاح بذلك. هذا الكلام بمقدار ما يبدو صحيحاً يعني ايضاً طردنا من متن الحركة. يعني وقوفنا على الرصيف المقابل للتظاهرة، وغبطتنا حين نشاهد مجموعة تهتف: سني... سني... سني، او ان نطمئن حين نلحظ ان شبان "الطريق الجديدة" صاروا قوة ضاربة يمكننا ان نعتمد عليهم في مواجهة القوى الضاربة لحلفاء سورية في لبنان.
كثيرون يريدون ان يقولوا لوليد جنبلاط ولسعد الحريري انهم مع المحكمة الدولية لا لننتقم، بل لننتصر على منطق الانتقام. وهؤلاء الكثيرون هم من بدأت ساحات التظاهر تخلو منهم مرة تلو اخرى. ولا يعني ذلك ابداً تقليلاً من الاحترام للمشاعر الشخصية المتولدة عن مآسي الاغتيال السياسي في لبنان بمقدار ما يعني سعياً الى التمييز بين المأساة الشخصية والمأساة العامة. فمحاسبة قتلة رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان وصاحب مشروع تحديثه، تختلف عن محاسبة قتلة رفيق الحريري والد سعد الحريري، او ان الوصول الى الغايتين يفترض سلوك طريقين مختلفين.
الاستعانة بالتاريخ غير مفيدة ايضاً، خصوصاً من جانب غير المدققين فيه، لكن هذه الاستعانة جارية على قدم وساق، ويخوضها في شكل خاص من يتولى طردنا تباعاً من ساحة الشهداء في بيروت. فأن يوسم قادة النظام في سورية بأحفاد الحشاشين، وأن تعود ايران دولة مجوسية، وأن يحمل ناشط من جماعة "اليسار الديموقراطي" لافتة كتب عليها "انا شيعي لبناني مش ايراني" مع ما يرمز اليه هذا الانتقاء وهذا التخصيص، وأن يجري كل ذلك في ظل عدم الاكتراث لحقيقة ان ثمة من يهتف لصدام حسين في تظاهرة إحياء ذكرى الرئيس رفيق الحريري الثانية...، ففي ذلك افتئات على التاريخ والحاضر والمستقبل.
انها محاولة للدفاع عن 14 آذار، وللقول انها معنى يسعى الى تجاوز خطباء الذكرى الثانية لاغتيال الحريري. ودعوة الى تلك الفئات الواسعة والمهمشة اليوم في ساحة الشهداء للمبادرة والقول لقادة الساحة اليوم: ما زالت تربطنا بقضية الساحة اواصر كثيرة، لكن الهوة تتسع. ندعي اننا لا نرغب في الرد على يوم الدواليب بيوم دواليب مشابه. ولا نرغب أن نصير كتلة ومنصة. نريد ان نحاسب وليد جنبلاط على ما قاله في ذلك اليوم، ان نسأله عن الحكمة في قول كلام من ذلك النوع الذي قاله. نحن جزء من حركة سياسية، ولسنا تجمعاً عصبياً، نحن نختلف مع سورية لأسباب محددة وواضحة ولا صلة لجماعة الحشاشين بهذا الخلاف، كما اننا نختلف مع "حزب الله" ونشعر بأننا فشلنا في إحداث اختراق داخل الطائفة الشيعية، وأن التلويح بـ"المجوسية" اعاق امكان ذلك.
شاركت حشود كبيرة في إحياء الذكرى الثانية لاغتيال الحريري. طغت الحشود على المشهد. رمزي، وهو مصور صحافي قال ان لهذه الحشود صورة واحدة. لا عناصر مستقلة ولا مشاهد يمكن عزلها عن متن الحشد. صورة واحدة وصوت واحد. الوجوه تكاد تحمل الانفعال نفسه، قال رمزي، وأضاف: أبحث عن وجه يحمل ابتسامة مختلفة، شابة اقدمت على ما تريد ان تقوله على نحو مختلف، نريد صورة من ذلك النوع الذي كنا نلتقطه قبل سنتين هنا في الساحة.
على رغم كل ذلك نزلنا نهار الأربعاء الفائت. لم يكن ممكناً البقاء في المنازل. ربما كانت المناسبة اقوى من خطب المسؤولين، او ربما تمكنا بمشاركتنا، مجرد مشاركتنا، من ايصال صوت غير منبعث من المنصة. لكن الأمر لا يبدو سهلاً. فما يحسب الآن في التجمع الذي دعت اليه قوى 14 آذار هو الكتل الثلاث، اي السنّة ومسيحيو "القوات اللبنانية" والدروز. ومن الملاحظ ان القوات تمكنت هذا العام من اثبات حضورها، فيما الدروز على حالهم منذ مئات السنين، والسنّة اهل البيت. التراجع الوحيد في نسبة المشاركة اصاب جماعات من خارج الكتل الثلاث.
اذاً، الى المنازل ريثما تتفق الجماعات الكبرى، وتخلي لنا هامشاً ضيقاً يتسع لأعدادنا القليلة. يتّفق ذلك مع ما قاله صديق من "شيعة 14 آذار" عن أنه غادر شيعيته لأن "الدم الشيعي عم يغلي غلي" ليفاجأ بأن "الدم السنّي عم يغلي غلي". وعلى أثر ذلك قرر قبول عرض عمل في دولة الكويت.